لطال ما وقفت أمامها أطالع نفسي بتمعن على إنفراد,مرآتنا التي ألتصقت على جدران بيتنا الطينَي بلا إطار وحبيبات سوداء بجوانبها تشوب صورتي من الأطراف. بيتنا الذي لم يدخل رئته أوكسجين الحداثة,عجوزا هرم شاخ بملامحه لكنه لم يدرك شيخوخة العصر,جلس تحت شمس الشتاء اللذيذة,يستل خيوط الضوء البيضاء ليدخلها عبر ثقوب الطين وفتحات البناء ألى حيث تجلس أمي وهي تدير رحى الطحين,ودخان سكائر التبغ الملفوف تحاكي أسطحه القصبية الملونة بالسواد تماشيا مع رغبة الدخان المسافر هرباً من معركة النيران بين الحطب والحرارة.
لا تنسوا اني مازلت واقفاً....
زاحمتني نفسي بالوقوف الى جنبي،إستدرجت موقعي وفجأة أيقنت إن حربا ً ستحصل بيننا،إستجمعت أدوات قواي( أصابع يدي،اطراف عيني،رخاء أعصابي،مؤخرة رأسي ) لعلي أطفئ تلك الحرب لكنني لم أستطع.
الهواجس إتخذت قرارها، ومخيلتي إستحضرت معسكر التأنيب،ووزعت رايات الجيش على خلجاتي،وأوكل للضمير قيادة الحرب.
آه: كم أنا مُخطئ لقد غيروا خطتهم لم تعد حرب، بل (محكمة) ...
نعم مرآتنا تتحول ألى قاعة محكمة،ما أشبه مرآتنا بالبحر الذي أغرق فرعون وحزبه، سأبحث عن من ينجيني، أو لم ينجى الخالق فرعون ببدنه؟ لم أصل فرعون وطغيانه.
يارب؛ أه لقد عرفته،أيها المدعي العام أني رأيتك من قبل،أني أعرفك ذاكرتي لا تخونني فيك أولست العراق؟ نعم انت هو بلا شك،وهل مازلت تذكرني؟
ههه: حسبت ان جنسيتك الجديدة وانتماءك انسوك اسمي؛ لا بلدي انت مخطئ انا لم انساك.
نعم أنت لن تنساني فأن نسيتني على من تعتاش؟ لكنني لست مخطأ ولست ببلدك،لا تتعب نفسك معي،لاالقاضي يداهن في صاحب حق ولا صاحب الحق يراهن على السكوت عنه،انت في محكمة الاجيال ومقصلة التأريخ ..
آه: يا له من كلام لا أفهمه،إلا إنه كلام مخيف،كم تمنيت لو كسرت مرآتنا منذ زمن،لعلي لا أقدم للمحكمة،كم أتمنى لو ترجع الأيام قليلاً،عندها سأغتال المدعي العام،ماعدت مثل قبل،اذا كان القاضي صديقي والسارق ولدي وأنا المدعي,(أنا الرئيس وأنا الوزير وأنا القائد )
أين يخبئون عصى موسى التي أفكت سحري؟سأستأجر مُنَجِماً أو ساحراً لعله يسرقها لي،لم يصل بي المقام أن اكون سليمان النبي (عليه السلام )لأكلف الهدد بإحضارها،(هدهدي السنيد) لم يغب لكنه مازال نائم،لا فائدة أتعب نفسي بالتفكير،العصى لاتعمل معي،لها (ابن بار مؤتمن) يعقوب مازال يعشق يوسف (أبن المرجعية ألبار) نعم البئر موجود لكن كذبة الذئب مفتضحة،سأحتاج ألى صياد من البر أذبحه لكي أتاجر بدمه أمام يعقوب،أنا امتلك صياداً،سأذبح (صيادي)لا فائدة الوقت يداهمني للمحاكمة.
(محكمة)؛ صراخ بداخل رأسي، كم أجفلتني وأخافتني هذه الكلمة، سأتشبث بمقعدي لأنه لم يعد كرسياً،لن أبرح مكاني،أخاف أن تهتز بي الأرض،سأصمد حتى النهاية، ما أتعس العزة بالإثم لكنه قد يكون حلاً بالنسبة لي،سأكسر كل المرايا لم أعد أعشقها كما كنت،لم تعد خزينة صالحة ارى فيها تفردي وتسلطي وحكمي، باتت شبح يطاردني بين صورة الامس ورسم اليوم.
قادتني الدفوعات عن نفسي الى نفق مظلم تلئلئ بين حبيبات ظلامه صورة لحبل معقود بهيئة (المشنقة )،وكرسي خشبي صغير تحتها،لا يشبه الكرسي الذي كنت أتحكم عليه،أدركت أن نهايتي ستكون هناك.
أنفجر صوتي في فمي من شدة الخوف من تلك الصورة والظلام،فكأن الانفجار أطلق العنان لضوء الشمس أن يعانقني لأجد نفسي أمام المرأة التي كانت في بيتنا الطيني قبل أعوام خلت،يا لها من رحلة مخيفة مع مرأة بائسة،ماكنت أعلم إن الإمور بهذه النهاية ولكي أقتل الخوف بداخلي لابد أن أعمل جاهداً لكي يرجع لي القرار فتكون جملته الأولى (ممنوع استيراد المرايا بالبلد)
https://telegram.me/buratha