المقالات

الكتابة عمل وليس تنظير فقط

1735 10:53:06 2016-01-13


منذ خمس سنوات، وعلى مدى خمسة ايام في الاسبوع، اقوم بكتابة افتتاحية قصيرة ومركزة تتناول شأنا من شؤون الساحة.. كتبت وانا خارج المسؤولية، وكتبت واكتب وانا في المسؤولية.... وتلقيت واتلقى الكثير الكثير من الردود بين منتقد ومؤيد ومعلق، وصولاً الى السباب والشتائم، والتي تأتي عموماً من جهال لا وجه ولا اسم لهم، هم اساساً اعداء انفسهم: فـ"الانسان عدو ما يجهل".

اثار البعض اشكالية لها مداليلها فيقول.. اذا كان المسؤول التنفيذي ينتقذ وينظّر، فمن سيعمل وينفذ اذن؟ وهذا سؤال وجيه، يعكس جزءاً كبيراً من فهمنا الخاطىء للواقع. فخلاف ما يعتقده البعض من اننا نعيش تخمة تنظير، نرى اننا نعيش الكثير من حشو الكلام، والركض المتعب المتواصل في حلقة مفرغة.. وقليل جداً من التنظير بشرطه وشروطه، ومن الاعمال المنتجة الناجحة.. فالتنظير هو طرح المشكلة كما هي عليه، خارج اي الاسقاطات الذاتية.. وبناء رؤية او نظرة تقدم الحلول والمواقف الصحيحة. فلطالما قيل.. ان الاسئلة الصحيحة، هي نصف الحل.

يعتقد البعض ان المسؤول واجبه العمل وليس التنظير. وهذا غير دقيق.. فالعمل والتنظير متلازمان في الظروف الطبيعية، فما بالك بظروف استثنائية تراكمت فيها المفاهيم والممارسات السلبية لفترات طويلة. فما يؤسف له، ان مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية ومراكز القرار لم ترتق بعد لرسم سياسات متكاملة، بالمعنى الحقيقي للكلمة، بل هي تصدر قرارات، وتتخذ مواقف، في جزء كبير منها ردود افعال، واعادة انتاج الجمود والسلبيات، اكثر مما هي خطط مدروسة وعارفة بكل شروط التقدم والنجاح.

فلم نطور تقاليد عمل كاملة، كما اننا لم نبن مؤسسات جدية ومهنية كفاية لرسم سياسات، وتطبيق خطط تتسم بالنضج والثبات والاستمرارية والمراجعة. فالمطالبات ما زالت تتكلم اكثر عن اشخاص مستقلين او تكنوقراط او كفوءين او نزيهين، اكثر من بناء مؤسسات كفوءة نزيهة راسخة، وكأن الاشخاص –مهما كانت صفاتهم- قادرين على الاداء الصحيح في ظل غياب المؤسساتية المطلوبة، والتي سيبقى غيابها –الجزئي او الكلي حسب الحالات- سر الفشل والضعف الذي عانته وتعانيه بلداننا في الكثير من المساحات والاعمال. صحيح ان المسؤول واجبه بناء مثل هذه المؤسسات، لكنه يعجز عن القيام بذلك دون ولادة عقل جمعي في قلب مراكز الحل والعقد، عازم على بناء هذه المؤسسات.. وواجب المسؤول السعي لتوليد ذلك، ولسد اكبر مساحة من الفراغ النظري والمفاهيمي الذي بدونه لن تبنى لا المؤسسات ولا الاعمال الناجحة.

هناك صراع قد لا يراه البعض يجري بين المسؤول والرأي العام ومراكز القرار التشريعية والتنفيذية والقانونية والقضائية والرقابية.. وكذلك بين المسؤول ومحيطه الذي يعمل فيه، وما يُقترح من افكار للانجاز والتجديد والتي قد تعارضها بعض العقول التي تقولبت على الافكار التي برهنت التجربة فشلها، او التي لا تمتلك القدرة لاستيعاب الافكار الناجحة. ففي احيان كثيرة لا تنفع الشروحات والمذكرات الداخلية فيلجأ المسؤول للشرح علناً لاحداث الضغط اللازم لترويج الافكار والسياسات التي يؤمن بها.. فان كانت خاطئة فقد يصوبها النقد والبرهان المضاد.. وان كانت ناقصة فقد تكملها الشروحات والمساهمات.. وان كانت صحيحة فستوفر قناعات وبيئة تحاصر الافكار الجامدة، وتتجاوز الروتين، وتتسلل الى الوعي والعقول، لتساهم في بناء العقل المؤسساتي والسياسات الناجحة، او بعضها.. يساعدها في ذلك الازمات المتكررة والظروف الصعبة، التي تحطم اي عناد يقوم على الاخطاء واعادة انتاج السياسات الفاشلة.

ففي عراق اليوم لا مكان "لقائد الضرورة" الذي يستطيع تنفيذ افكاره ورغباته، فتطاوعه الدوائر، وتفتح امامه كل الابواب.. على العكس فان ازاحة الدكتاتورية وضعتنا امام مهمة قاسية.. تتمثل ببناء العقل والممارسة المؤسساتية، القادر على صناعة وانتاج السياسات الصحيحة المدروسة التي تساند المسؤول وتوفر له عوامل النجاح.. فالمسؤولون يأتون ويذهبون.. اما المؤسسات وعملها فباقية، وتتطور باستمرار، لتتطور معها البلاد.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك