ملايين من الشعب لا تؤمن بالتخصص مطلقاً، قد تُظهر إحتراماً للمتخصصين وقت الحاجة؛ لكنّ هذا الإحترام يتحوّل إلى فضول وجدل وكذب في أقرب فرصة يجتمع بها أحدهم مع زميل أو صديق أو حتى في مواقع التواصل الإجتماعي!.. أي حدث يستجد، تضرب به الآراء طولاً وعرضاً حتى صدقنا بأننا (شعب الله الذكي)..!
السياسة لها الحصة الأكبر من النظريات التي أسسها رواد المقاهي والمساجد والنوادي على حدٍ سواء، ورغم كونها -السياسة- تتحمل حماقات كبيرة وتخضع لأهواء أكبر، غير إنّ التطبيق العراقي وصل حد النزق.
عندما يمارس السياسة رجل (مثقف) غير معرف بتعريف محدد، وتكون ممارسته عبر قلم ليدلي برأي محاولاً توجيه الرأي العام؛ يتحوّل النزق إلى (قلة أدب) وجنون فكري. وعلى ذكر الجنون، هؤلاء أو أغلبهم لا يختلفون كثيراً عن (ستار ابو الميمونة) سوى في المظهر الخارجي وطريقة الكلام، وإلا فالمنطق والتفكير متشابه حد التطابق!..
ذات يوم قرأت لأحدهم (مقالاً) تكفيرياً يبدأه بمعلومة خاطئة يقول بها: "في إنتخابات 2012". وعندما وصل إلى سمعه إنتقادي له، عاتبني بشدة معتبراً إنه إكتشفني! حينها قلت له: لا توجد إنتخابات في 2012، وكنت متيقناً إنه سيعتذر عن هذا الخطأ، لكنه أصر على 2012!.. هذا أحد خبراء العراق، وقد لا يؤثر كثيراً، وربما لا أحد يستمع له، فالمصيبة تهون.
تعود المصيبة لتكبر حينما تتدخل نماذج مشابهة وبالآلاف في قضية أمن الدولة وسياساتها الإقتصادية والخارجية، وقي ظل الأزمة المالية الناتجة عن هبوط أسعار النفط، أخذت التحليلات تصدر عن خبراء الشعب، وكل يدلي بحلوله التي يؤمن بها إيماناً مطلقاً ويتهم من لا يأخذ بها بالغباء وأحياناً بالخيانة. والخيانة في العراق مفهوم سهل التداول، يستطيع أي عراقي توجيهه إلى أي عراقي آخر دون المطالبة بمحاكمته حتى!..
بيد أنهم يتوقفون عن تخوين أسباب الأزمة المالية التي تعصف بنا، وفي تزاحم الحلول والآراء التي ترد الحكومة، سيما إن بعضها قُدِّم كإتهام مسبق للحكومة بعزمها على إيقاف رواتب الموظفين في منتصف 2016؛ تستعرض الحكومة كل خبرتها في إدارة الدولة (المسطحة) ولم يتبق سر يمكن إعتبارها من تخصصات أحد.. كل شيء متاح على صفحة الرئيس في (فيس بوك)!..
الحكومة جزء من الشعب، وأثبتت إنتماؤها للشعب وأصالتها عندما نفت الأخبار وطرحت البدائل الممكنة لتفادي قطع الرواتب!.. هل حدث لحكومة أن تطرح خططها المرتبطة بأمنها وسيادتها علناً وبهذا الشكل؟! من واجب الحكومة تطمين الشعب، وليس جائزاً لها كشف خططها التي قد تفسد عندما يعرفها عدو أو ربما صديق!.
دائرة الإرتباط السياسي في العراق مشوّهة جداً، فعندما تضطر الحكومة لقول ما لديها بطريقة علنية؛ هذا يعني إن عقلية رجل الدولة ما زالت مفقودة، وبنفس الوقت هو دليل على حجم الخراب الذي تسببه الأصوات الناشزة في بحثها المستمر على طريق السلطة. في كل تلك الهزائم، يوضع الشعب كحكم وحاكم بغية تجييره لصالح فئة يختارها فيما بعد، غير إنّ هذا الشعب لم يُشرك مرة واحدة في مغامراتهم المالية وعملياتهم التجميلية، والشعب لم يشرك نفسه في البحث عن مستقبل أفضل، وما زال مصراً على إن هناك "مختاراً" و"زينباً" لهذا العصر!..
لغة التعميم توازي خطر الإرهاب، وما زالت هناك عقول كبيرة، لذا فالخبراء (الأدعياء) صفة لا تعم الجميع؛ إنما هم حفنة ملايين لها أثر في هبوط الدولة!..
https://telegram.me/buratha