يعتبر الدخول الى قلب الرمادي انتصاراً كبيراً للقوات المسلحة العراقية.. فكما ان سقوط الرمادي كان انتكاسة كبيرة، فان استعادتها له من الدلالات ما يجب الوقوف عنده. صحيح ان الحرب كر وفر.. لكن الحرب ايضاً صفحات ومسارات ينتصر فيها في النهاية من يكسب الحرب كلها وليس من يكسب معركة او معركتين فيها. فلو قاد سقوط الرمادي الى مزيد من التدهور الامني.. والى سقوط المزيد من المدن والساحات، لكان سقوط الرمادي مقدمة لانتصار "داعش" علينا.. لكن عندما تأتي معركة الرمادي وتحريرها من ايدي "داعش" بعد معركة تكريت وبيجي وسنجار وغيرها من مناطق، فانها يمكن ان تكون مقدمة لتحرير الفلوجة ونينوى وباقي مناطق العراق، ذلك ان تم الحفاظ على روح النصر، ولم يأخذنا الغرور والتباهي، والاهم من ذلك كله الحفاظ على روح الوحدة بين القوات المسلحة والحشد الشعبي والبيشمركة وقوى العشائر والمتطوعين وغيرها من قوى تتصدى لـ"داعش"، وكذلك الحفاظ على الزخم والتأييد الاقليمي والدولي الذي تحقق للعراق في معركته ضد الارهاب.
لاشك اننا اصبحنا نحاصر "داعش" في بؤرها المتبقية في الرمادي والانبار عموماً.. بعد ان بقيت "داعش" تحاصر مواقعنا وقطعاتنا ومدننا لسنوات عديدة. ولاشك ان تعبئتنا الشعبية وقدراتنا العسكرية باتت افضل بكثير عما كانت عليه بالامس.. وان العمل الاستخباراتي اليوم افضل بكثير عما كان عليه بالامس.. وان الاوضاع الامنية في تحسن مضطرد.. فقبل اسابيع جرت مراسم زيارة اربعينية الامام الحسين عليه السلام.. وسار ملايين الزائرين لعدة اسابيع دون حادثة تذكر.. وان الاوضاع الامنية في العاصمة وفي مجمل المحافظات قد تحسنت كثيراً.. وان المزيد من الدول والشعوب تدرك ان المعركة ضد "داعش" باتت معركتها ايضاً. لكن ذلك كله يجب ان يدفعنا للمزيد من الحذر والانتباه.. فالعدو خبيث، وسيقوم باعماله الاجرامية التي يجب ترقبها واحباطها لمنع الخسائر او على الاقل لتقليلها. فالانتصار في ساحات القتال يتطلب الانتصار ايضاً في الساحات الاستخباراتية.. لكنه يتطلب ايضاً تحقيق النجاحات الاعلامية والتعبوية. والا فان العراق قادر موضوعياً اليوم على تحرير الفلوجة ونينوى وغيرها من بؤر ومدن ما زالت بيد "داعش"، فاذا كان النصر ممكناً في الرمادي، فهو ممكن اكثر في بقية المناطق.. فعندما ينقلب ميزان القوى لصالحنا وبالضد من العدو، كما يحصل الان، فتتراكم المنجزات، وترتفع المعنويات، وتزداد القدرات، امام عدو ظهرت الكثير من الدلائل على تراجعه وخسارته للارض والرجال والقدرات، وفقدانه المبادرة، فان المعارك القادمة تبشر بميل نهائي للكفة لصالح قوى الخير ضد قوى الشر.. وهنا يجب التشديد على عدة امور، تتلازم مع الاستعدادات العسكرية والاستخباراتية، ولعل اهمها:
1- رعاية العلاقات الوطنية بما يحقق الوحدة والانسجام.. وان مفهوم التعددية، يجب ان لا يفقد الاغلبية حقوقها كما لا يفقد بقية المكونات حقوقهم.. وان مشاركة جميع المكونات في المعركة جزء اساس لتحقيق النصر.. وان الوقوف مع النازحين والعمل على عودتهم الى ديارهم هو واجب وطني اساسي.
2- اتباع سياسة خارجية تنطلق من واقع العراق وعلاقاته بجيرانه ودول العالم.. فالعراق الحامي لسيادته والمدافع عن وحدته، سيكون عراقاً قوياً عندما يتحد الاخرون له وحوله، وذلك بغض النظر عن اختلافاتهم.
3- اعتبار التنمية والاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية جزءاً من تقدم وقوة البلاد الضروريتان لحماية امنها.. فعندما يحمي الوطن المواطن، فان المواطن سيحمي الوطن.. ولعل ابرز مقولة في هذا الشأن ما رواه السيد وزير الداخلية عن احد الشهداء قبل ان تنتقل روحه الطاهرة الى بارئها، قائلاً "قاتلت لتحرير ارض لا املك شبراً منها".
4- اعتبار تنمية القدرات الفكرية والعلمية وسلامة المناهج التربوية، الاساس في بناء الامم وفي توفير الامن لها ومنع قيام اي فراغ يمكن ان تملؤه الافكار المريضة.. فالفكر التكفيري –كما هو الطائفي والمتعصب او المتحلل- له مولدات ومحفزات جاهزة لغزو العقول الفارغة وغير المحصنة.
عادل عبد المهدي
https://telegram.me/buratha