لم تأت القيم الاخوية التي يتمتع بها ابناء العراق والتي أشتهروا بها من فراغ ، ولم تكن الدعوات للتمسك بالقيم النبيلة والجميلة التي ارادت السلطات الشوفينية المتعاقبة على حكم العراق ان تمسحها أو تشطبها من حياة العراق دون أساس أو اعتبار .فقد كانت علامات الخير والمحبة هي الوسام التي حملها على صدره ليألق في ضوء الشمس.
ينتظر المسيحييون في العراق اعياد رأس السنة الميلادية مثل كل عام ،ويأمل المجتمع بكل اطيافه في أن يكون العام الجديد عام أمن واستقرار يتوج بطرد تنظيم الدولة التكفيرية داعش من كافة المدن العراقية، وأن يعم السلام ربوعه ويعود النازحون إلى ديارهم للعيش بأمان واستقرار. ولأول مرة في تاريخ العراق قامت أمانة بغداد بوضع أكبر شجرة لأعياد الميلاد في مدينة ألعاب وحديقة الزوراء بطول 25 مترا وتم تزيينها بأنواع مميزة من مواد الإنارة الملونة والأجراس وبمنظومة حديثة على غرار ما يجري في دول العالم في مشهد يعكس رغبة العراقيين في مشاركة العالم هذه المناسبة رغم قساوة الوضع الأمني واشتداد القتال مع تنظيم داعش في مساحات واسعة من أرض العراق .
ومما يدل على ان المجتمع العراقي ممتلئاً بالقيم الجميلة والأعراف الرائعة التي ورثها نتيجة الحضارات المتعاقبة التي تشكلت فوق ارضه والممتلئة بالخير والمحبة والتلاحم الأجتماعي وبناء الأنسان ، و تدخل البساطة في تفاصيل الحياة العامة للناس مثلما يدخل التماسك الأجتماعي والالفة ضمن المجتمع في هذه القيم والتي تطورت بشكل واضح مع تطور الزمن ، و انعكست هذه القيم على بساطة المجتمع العراقي وعلى تميز تلاحمه وشدة أواصر العلاقات الأنسانية بين الناس فأنتشرت على بساطتها وأنسانيتها ، وعمت مجتمعات العراقيين بغض النظر عن أديانهم وقومياتهم وأفكارهم السياسية وظل المجتمع يحافظ عليها . بل والحرية الشخصية العفوية التي لم توفرها السلطة ولم تتدخل بها وأنما تراكمت بفعل القيم والأعراف بالفطرة العراقية ، والمساحة التي تسمح لكل أنسان أن يمارس الطريق الذي يريده دون ان تحدث تلك الممارسة ضرراً على كائن من يكون ، لاتعارض ولاتطاحن ولاتقاطع ولاخلاف في كل شيء.
وانتقل التسامح الأجتماعي الى علاقة حميمة بين الناس مهما أختلفت أديانهم أو مذاهبهم أو قومياتهم ، لم يحسب العراقي أي حساب لحواجز العلاقة الإنسانية بين المسلم واليهودي أو بين المسلم والمسيحي أو الصابئي المندائي أو مع الأيزيدي .والامة المسيحية هي جزء من تاريخ ما بين النهرين . عاشت المسيحية جنباً الى جنب الإسلام لقرون في هذا الوطن , ورسمت أجمل لوحة حب وتعايش سلمي بين الديانتين بل ومثال يقتدى به في الشرق , الى أن هب إعصار من ألأفكار الدخيلة هزت كيان البيت الواحد وهبت عليها عاصفة بعد ان كانت نموذجاً للمحبة في عام 2005 ورسمت صورة مشوهه غيرت ملامح قرون من التعايش السلمي.
ويضم العراق أربع طوائف مسيحية رئيسية منهم هي الكلدان أتباع كنيسة المشرق المتحولين إلى الكثلكة، والسريان الأرثوذكس، والسريان الكاثوليك، وطائفة اللاتين الكاثوليك، والآشوريين أتباع الكنيسة الشرقية، فضلا عن أعداد قليلة من أتباع كنائس الأرمن والأقباط والبروتستانت، عدد المسيحيين قبل الثمانينيات كان ما بين 750 الف إلى مليون ونصف مليون نسمة ، وانخفضت هذه النسبة خلال فترة التسعينيات بسبب توالي الحروب وتردي الأوضاع الاقتصادية .
وهاجر القسم الأكبر منهم بعد عام 2003 بسبب أعمال العنف التي طالتهم في مناطق مختلفة من العراق.
وأجواء التوتر والحزن يخيم على مشاعر العديد منهم في و سورية و الأراضي الفلسطينية والعراق الى جانب ابناء شعوبها الاخرين الذين جل ما يريده من أعياد الميلاد هو العدالة والسلام اللذين ابتعدتا عن هذه البلدان المنكوبة بسبب العنف مع ارتفاع أصوات المعارك ونزوح آلاف الأسر، الذين هجرهم المتطرفون من بيوتهم، واغتصبوا نسائهم، وقتلوا رجالهم ، والنازحون منهم يعيشون منذ سنة ونصف السنة ظروفا قاسية في مخيمات من دون عناية تذكر .
ان العصابات المجرمة اساءت الى الدين الاسلامي الحنيف والمسلمين وشوّهت مبادئ ديننا الحنيف القائم على المحبة والتسامح والرحمة في محاولات اذكاء نار الفتنة في العراق واشعال الحرب الطائفية من خلال استهداف المساجد والحسينيات والكنائس والمكانات المقدسة الاخرى ومن دور للعبادة .
الحفاظ على الوحدة الوطنية اليوم في العراق هي الحل الحقيقي والحاسم لكل المشاكل التي يعاني منها العراق فالعراق عبر التاريخ شعب واحد بكل اطيافه و قومياته واديانه ومذاهبه ومع كل المحاولات لزرع الفتنة والفرقة بين ابناء الوطن الواحد اثبت العراقيون انهم شعب واحد.
ان التطلع للمستقبل يتجه في ظل الظروف الحرجة والمأزق الذي يمر به العراق ودول المنطقة نحو ضرورة بناء دولة مؤسسات مدنية رصينة والعودة الحقيقية لمفهوم المواطنة وتذليل كافة المسميات والمفاهيم الطائفية والعرقية الضيقة ومغادرتها الى الابد بتعميق روابط الانتماء والولاء للوطن وتفعيل دور المجتمع المدني في صناعة القرار وتوفير مقومات البناء الرصين للدولة المدنية الفاعلة التي تحترم الانسان وتقدس المواطن وتضمن حقوقه كاملة دون تفريقاً او تمييز ونشر الثقافة الديمقراطية واحترام الاخر بغض النظر عن الاختلاف والخلاف الفكري والسياسي وتنوع الخلفيات الدينية والعرقية دون المساس بالاديان والقوميات مع الاخذ بعين الاعتبار ضرورة الفصل التام لثقافة الفكر الديني والقومي المتعصبين في العلاقة والاستفادة من الامور الايجابية من الثقافة القومية والدينية .
قد تكون السياسة تشق صف الوطن لكن ما دام الإنسان حيا وهو يحب أخيه الإنسان ويقبله رغم الاختلاف فهو أساس كل تغير مستبقلي قادم ليحرر وطنه من كل فرقة وأخلاقيات طارئة اليه . علينا ان نعمل على المحبة في العمل والتطبيق لترجمة الأيمان وهي مفتاح الوجود ، وأمّا الرجاء فهو التركيز على الهدف الأسمى للحياة في اليقين مما سنحصل عليه في ما وراء هذه الحياة .
لنجعل من هذه المناسبة عيداً للمحبة و التآخي وان يكون تتويجا لنضال شعبنا على طريق نهوض ورفعة أبنائه وان يكون منطلقاً للتأكيد على أهمية الحفاظ على التنوع العراقي المتكامل باعتباره عنصر قوة باتجاه بناء الدولة العراقية العصرية ".
https://telegram.me/buratha