جمال العسكري
انتهى منطق السيف المعوج، وأثبت عجزه عن مقارعة القيم العليا،وإرتكبت جريمةالعصر!، التي لطخت جبين الإنسانية، بالعار والشنار، "فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها ابدا"، وبدأ دور الكلمة، بعد أن استفاق الضمير البالي.
بيد أن الكلمات التي تكسرت على رؤوس عتاة أهل الكوفة المتوحشين، ولم تستقبلها نفوسهم المريضة، من لسان حفيد الرسالة قد استعادت تأثيرها؛ ربما لكونها كانت بحاجة إلى أن تتلون بمداد أحمر قاني، طاهر زكي،تقي نقي؛ حتى تؤتي ثمارها.
كانت زينب عليها السلام حادية الكلمة، والسجاد إمامها، هما من وقع عليهما إبراز هدف الثورة، وإظهار غاياتها.
لما كانت الثورة تتحرك بأتجاه إعادة الإسلام المحمدي إلى الأذهان، وتركيز الثقافة الإسلامية الاصلاحية في شعور الأمة، كان لابد للكلمة أن تبدأ من هناك، كذلك كانت تستهدف تذكير الأمة بأن المقتولين والمنتهكين والسبايا هم أهل البيت عليهم السلام وأنهم امتداد الرسول الطبيعي والشرعي؛ لتتحسس الأمة فداحة وفضاعة ماجنته أيديها.
فكانت البداية عند مرور العائلة الثاكلة!، على أجساد الضحايا في عرصات كربلاء! حين صرخت عقيلة الطالبيين قائلة:"يامحمد اه يامحمداه، صلى عليك ملائكة السماء، هذا الحسين بالعرا، مرمل بالدماء، مقطع الأعضاء ... فأبكت كل عدو وصديق."، كانت هذه تمثل الصعقة الأولى لأهل الكوفة، التي أعادتهم إلى رشدهم، ورفعت يد الغفلة عن عقولهم.
الصعقة الثانية، حينما أستقبل أهل الكوفة العائلة الثاكلة، وكان المشهد يضج بالبكاء وينضح بالحياء، حتى سيطرت على أفراده مشاعر الندم واﻹحساس بقباحة الفعل، فبادرت إحدى الكوفيات تسأل أم المصائب زينب عليها السلام، من أي السبايا انتم!؟،فأجابتها نحن سبايا ال الرسول!، صعقت المرأة وصعق كل من سمع الإجابة،وتكشفت الحجب أمامه،وعاد يستنطق ذاته من جديد،ويسألها، عن فعلتها الشنيعة، فتمنى ان ينسلخ من ذاته،ولم يفعل مافعل..
إن نسبة السبايا إلى رسول الله، مثلت طعنة حقيقية إلى صدر الكوفيين، وهاجس مخيف،يقلق مضاحعهم ماداموا احياءا.
ومشهد آخر، تفاعلت فيه الرمزية مع الحدث، لتنتج معنى جديد، ذلك لما ارسل عبيد الله بن زياد العائلة الثاكلة، إلى غرفة في قصره، حينها طلبت السيدة زينب وقالت:لاتدخل علينا في دارنا، إلا جارية أو أم ولد؛ لإنهما ذاقتا ويلات السبي مثلنا، هذه الخطوة شكلت إيحاءآخر،أثبتت من خلاله أن الأمة الإسلامية أقدمت على سبي أبناء الرسالة؛ لتنتزع من قمة هرم السلطة الشرعية الدينية، وتثبت أيضا أن هذه السلطة، المتمثلة بيزيد،لاتنطلق من أصالة حقيقة الرسالة؛لأنه عاد عليها، مغتصب لها.
بهذه الكلمات الملونة بمداد الدماء، فضلاعن الخطب الطويلة، واجهت الحوراء زينب عليها السلام، المنطق المتعجرف، وبهذا الصوت العلوي أخرست صوت الغابة الأموي، وبهذا البيان، أبطلت سحر هند إبنة عتبة، بعصا كلماتها التي تلقفت كل مايأفكون،من كذب وزور وبهتان وإنحطاط وتعقيد، وأسقطت دولة السفيانين وهي واقفة، فسلام عل بنت أبيها، يوم ولدت ويوم خطبت فأذلت ويوم تموت،ويوم تبعث حيا، لتكون شاهدا على جنايةالأنسانيةالكبيرة
https://telegram.me/buratha