عندمَا اخبرت اصدقائي وزملائي في العمل حول خططي ونيتي لزيارة العراق، تلقيت العديد من عبارات النقد المليئة بالمخاوف والمحاذير. وعندما نفهم ان العراق، مثل باكستان تماماً، يقع تحت تهديد مباشر للارهاب، فان الجواب وردة الفعل هذه مقبولين. ولكن عكس باكستان، فان العراق يمتلك تأريخاً في ضيافته للزوار والسياح – حتى في اوقات المحنة. وكان ذلك الذي شجعني على قراري واصراري في زيارة هذا البلد التأريخي الغني بأمجاه وربما يكون اقوى من السابق.
فالزوار عادة ما يزورون مراقد الامام علي (ع) والامام الحسين (ع) والامام موسى الكاظم (ع) والامام تقي الجواد (ع) والامام علي الهادي (ع) وشهداء كربلاء، وخاصة حضرة الامام العباس (ع). واكثر من 10 ملايين زائر مسلم يزور مرقد الامام الحسين (ع) في شهر محرم وصفر لوحدهما. وتأتي هذه الزيارة بمشاعر وروابط روحية يمتلكها هؤلاء الزوار مع الامام الحسين (ع).
لذلك، فان الامان بالكاد يكون قضية او مسألة لهكذا زوار وكانت هذه الحالة معي ايضاً. وما يدعو للغرابة، شعرت بأمان واكثر سلاماً في كربلاء والنجف اكثر مما اشعره في مدينة كراتشي في باكستان.
وكان السكان المحليين لطفاء وحميمين ومساعدين. وبغض النظر عن اللغة التي يتحدث بها الزوار، فانهم يبذلون جهداً لمعرفة ما نريد قوله. واقول هذا لانه لانها لم تكن التصرفات والضيافة التي شهدتها عند عرب آخرين فهم مختلفون ولا يعيرون اهتماماً للزائر وبالكاد يكلفون انفسهم لما يحدث للزوار او الحجاج من خارج الجزيرة العربية.
وفي الوقت الذي كان من المفترض ان تكون رحلتي رحلة روحية، فاني عندما وصلت الى مدينة الكاظمية التي تقع شمالي العاصمة بغداد، دفعني فضولي السياسي لمعرفة المزيد عن البلد واصبحت مولعاً بمعرفة السيناريو الاجتماعي-السياسي في العراق. واخبرنا المسؤولون عن الرحلة ان نكون حذرين وان نبقى جنباً الى جنب بغض النظر عن الخاوف الامنية. وخلال الرحلة بأكملها، كانت عائلتي متفاجئة وهي ترى العديد من الجنود في الشوارع. ولكن ما اثار دهشتنا حقاً انه لم يكن هناك اي ظل لوجود عناصر مسلحة ولا وجود لداعش ولا ناس تموت ولا يوجد رجال مسلحين في دباباتهم. وكان الناس هناك يبدون سعداء ولم يبد عليهم القلق والخوف. ولو لم امكن باكستانياً، لكنت قد ارتبكت بالفعل. إذ كنت استخلص الامور من وسائل الاعلام التي كانت تظهر العراق بشكل سلبي.
ومنذ ان اندلعت شرارة الفضول عندي، اردت ان اجمع معلومات اكثر عن الاماكن التي تتواجد فيها داعش وعن التفجيرات وعن المسلحين. وبما ان مهاراتي باللغة العربية غير موجودة اصلاً، لذلك أخذ مني بعض الوقت لأجد أناس محليين يجيدون التحدث باللغة الانكليزية. وبعد العديد من عمليات البحث والاستقصاء، التقيت بكاتب سياسي يدعى نزار الحائري. وكان يبيع الخواتم مع الاحجار الكريمة الاصلية وهو عراقي من كربلاء – وولد اسلافه وترعرعوا في كربلاء. وكان جزءاً ايضاً في الثورة ضد صدام حسين في 1991. ولكن عندما عرف الجيش بنشاطاته وارادوا اعتقاله، هرب الى السويد مدة 10 سنوات.
وكما لو ان ذلك لم يكن كافياً، تعرفت على علي، مواطن كردي عمره 35 عاماً ويعمل مدرساً لمادة الكيمياء. انظروا الى تأريخ العراق، وستفهمون لماذا هذا الامر ممتعاً.
وعندما سألته عن النقطة التي اريد معرفتها، اخبرني نزار ان تهديدات داعش محصورة في اربع محافظات. بعض المحافظات امنة والاخرى في وضع قلق وحساس. فيما وضح لي علي ان مشكلة داعش وتفجيراتها تتركز في وسط العراق – بغداد وكركوك وديالى وتكريت والانبار والموصل.
وعندما دخلنا بعمق في المواضيع قال علي ان المشاكل في العراق ليست محدودة بداعش فقط. وقال “مشكلة الاديان والاقسام الطائفي، كلها بقايا حقيقية من فترة حكم الديكتاتور صدام حسين، وهناك مخاوف ايضاً تتعلق بالتسامح الوطني والديني والطائفي”. وعندما طلبت من نزار ان يشاركني رأيه حول القضية، قال ان الجيش يقوم بما يستطيع ولكن للاسف ما يزال الجيش غير قوي بما فيه الكفاية.
وكان آية الله العظمى السيستاني قد طلب من الرجال في العراق مساعدة الجيش في قتاله ضد داعش، واصدر فتوى مفادها ان كل من يموت في هذه الحرب سيكون شهيداً. ولم يكن مفاجئاً لي وانا ارى الناس يأتون بجثث الشهداء الى المراقد المقدسة في النجف وكربلاء والكاظمية. وعندما سألناه عن اداء الحكومة الجديد علق نزار قائلاً “في عهد صدام كانت هناك الكثير من المخاوف ونحن نمارس طقوسنا وشعائرنا اما الآن فان الحكومة افضل بكثير ولكننا بحاجة للمزيد”.
حتى علي اتفق مع مع كلمة نزار الاخيرة “نحتاج الى المزيد”، ولكن في كل مرة اسألهما عن ما يعنيانه “بالمزيد”، لم أحصل على اجابة ملموسة. هل كان عائق اللغة او ان الامور الحقيقية كانت معقدة وصعبة بحيث لا يستطيعان توضيحها؟ ولا استطيع القول، ولكن نزار ومهاجر باكستاني التقيت به في العراق، كلاهما اكدا لي بأن الوضع في تحسن وان الحكومة احتوت التهديدات الخطيرة.
وقبل ست سنوات، كانت هناك هجمات في كربلاء، وهي الحقيقة التي اكدها لي احد الأدلة السياحيين، ويدعى ازهر مالك، الذي كان يزور العراق باستمرار منذ ست سنوات. وقال نزار بشيء من التأكد بأن تهديدات داعش ستندحر في غضون ستة اشهر. وعندما سألته اذا ما كان مقتنعاً بحياته في العراق، لم تكن اجابته مؤكدة. ولكن علي قال انه لم يعد يكترث كثيراً.
واذا ما حاولت ان اصل الى خلاصة، ستكون ان الناس ينظرون الى الواقع في العراق اعتماداً على الاخبار او الصورة التي تحاول ان ترسمها وسائل الاعلام، والتي تعطي منظوراً سلبياً حول الوضع في العراق. ولذلك، عندما سألني اصدقائي فيما اذا كنت اتمنى الموت وان ذاهب الى العراق، ذكرتهم بالكيفية التي كان ينظر فيها العالم الى باكستان، وخاصة بعد ظهور حركة مسلحي طالبان.
وكان العراق في حالة حرب مع ايران لمثاني سنوات وتحت حكم الديكتاتورية لسنوات طويلة. والديكتاتورية لوحدها بامكانها ان تدمر البلد، وكان العراق دائماً في حرب حالة منذ اليوم الاول. ولكن بما اننا لم نزر المكان ونلتق بشعبه هناك، فان اشارتنا الى الحالة السيئة او الحالة الجيدة من دون ذلك سيكون امراً لا يمكن تبريره.
ومهما كانت الحقائق، فاني تجربتي الشخصية عن العراق كانت جيدة. ولم يكن علي ان اتحقق من جيوبي في كل ثانية او دقيقة او ان ابقى بحالة انتباه اذا ما كانت سراويلي ستتعرض للسرقة.
وكان الحرس والشرطة انا مساعدين فعلاً ويوصلوننا الى فنادقنا كلما اقتضت الحاجة لذلك. وهو ما اضاف للطف ومحميمية موقف السكان المحليين، وخاصة الناس المسؤولين عن الامن، وهو ما اجبرني على ان اصل الى خلاصة بأن هكذا موقف هو امر غريب لشعب تضربه الحرب والارهاب، ولذلك، فان الامور ليست سيئة بالقدر الذي قد يتوقعه احدهم.
وبالتأكيد فان العراق ليس بالمنتجع الحلم ولكنه بالتأكيد ليس حفرة من الحجيم. وان نخمن بأن كل من يذهب الى هناك سيموت، فهذا امر غير صحيح على الاطلاق. نعم هناك مخاوف امنية هنا وهناك، ولكن العراق كبلد اجده مسالماً ومرحب بالزائرين والضيوف.
https://telegram.me/buratha