هنالك أحداث عبر الأزمان والعصور, يمر عليها الانسان مرور الكرام, بينما نجد حوادث, تجعل من الشخص ملتصقاً بها, متأملاً بحيثياتها وأسبابها, منبهراً بغنى الدروس التي تحملها.
حدث ليوم واحد, سبقته أيام هادئة, لتباعد أحداثها الأولى, وعدم وجود تواصل متطور, يجعل من عاش ذلك الزمن, محيطا بما يجري, فلا هواتف ولا أجهزة إلكترونية, وتوارد الأخبار يأتي عن طريق الطيور, أو شُخوصٍ مرسلين ومسافرين.
مسافة بعيدة بين مكة والمدينة المنورة والعراق, تفصلها صحراء شاسعة, مع ذلك فقد كانت أخبار تلك المدن او الولايات, تصل ولو لتأخرها بعض الشيء, مما يجعل المَرءَ متسمراً, من هول الأحداث المتسارعة وبشاعتها, وخلوها من أدنى صفات الإنسانية.
ترتجف يداي وترتعد فرائصي, عند الوصول للفاجعة الإنسانية, التي قام بها عتاة المجرمين, الذين ادعوا الاسلام, ليعملوا على الثأر من قتلة المشركين, رافضين طريق الحق الإلهي, لاهثين خلف ملذات الدنيا الفانية, عميت بصيرتهم عما يريده الخالق العظيم, متناسين جبروته في العقاب, مستخفين بما قاموا به, طاعة لأمير الدينار والفسق والفجور.
تلك هي واقعة الطف, يوم واحد بل بعض من يوم, اختصر رسالة سماوية, سعى الرسول محمد, عليه وآله أفضل الصلوات وأتم التسليم, وتحمل الأذى والقهر والهجرة, من أجل أن تعيش البشرية في أمن وسلام, وحب ووئام عابدة لرب الأنام, تاركة عبادة الأوثان, مؤتمرة بأمر باريها, بعيدة عن أهواء الطغيان, المفعمة بحقد الشيطان على بني الإنسان.
لقد جُبِل الأعراب على الغلظة والعصبية القبلية, ولم يفد معهم النصح ورؤية المعاجز الإلهية, اعتادوا على الذلة فعادوا إليها, بعد أن أراد لهم الباري العزة, لم يجدوا من الحسين عليه السلام زلة, فنادوا" هذا ابن قَتّال العرب", واتهموه بالخارجي, وأشاعوا أنه قُتِلَ بحديث جده, عليه الصلاة وعلى آله, متناسين الحديث النبوي الشريف, الذي يصفه بسيد شباب أهل الجنة, فلم يتفكروا كيف يكون خارجياً, سيدا لشباب أهل الجنة!
إن الوقوف على بعض ذلك اليوم, يختصر المسافات الطويلة, ويقلص الزمن, بل أن قرآناً سماوياً وأحاديث شريفة, حضرت جميعها ذلك اليوم, ليمزقها حقد أحفاد آكلة الأكباد, ومن معهم من المتملقين والانتهازيين, لهفة منهم للتسلط على رقاب الناس, بغير حق خلافاُ لما أراده الخالق العزيز, وأدوا القرآن الإلهي, لأجل الثأر للمشركين.
فأي كلام يُقال من بعد ما قيل, بذلك اليوم المُفجع, وكأن الزمن قد توقف, وعجزت الأقلام عن الكتابة, ليس بسبب جفافها, بل لبيان الحق من الباطل بأوضح صورة, فمن تبع الحق تبعه, ومن خالف إمام زمانه, فقد باء بالخسران العظيم.
فالإصلاح يحتاج لتضحية كبيرة, لا يتحملها إلا مَنْ امتلك الشجاعة والإصرار, فاتِّباعُ الحق لا يحتاج لخيارٍ ثانٍ, ولا يوجد منطقة وسطى, فإما جنة دائمة, أو نار صاليه.
https://telegram.me/buratha