محمد أبو النواعير
لم تتعرض فكرة بشرية- إلهية للنقاش والجدل, وكثرة التوصيفات والمدح والذم والتسفيه والتعظيم, كما تعرضت له القضية الحسينية؛ ولم تُهاجم قضية في أدواتها التثقيفية والإعلامية والفكرية, كما هوجمت القضية الحسينية, والعلة الرئيسية في ذلك, هو أن أعداء هذه القضية هم أنفسهم- في اغلب الأحيان- من نفس البيت الديني (وأحيانا المذهبي) الذي ينتمي له الإمام الحسين عليه السلام.
عملية التثقيف (البشري) تجري عادة بإتجاهين متعاكسين, فمرة يكون التثقيف على الأفكار أو النظريات من خلال الطريق النازل, أي من خلال الطبقة المثقفة أو النخب الفكرية والعلمية, أو من طبقات المجتمع ذات السطوة الإجتماعية؛ وهذا النوع من التثقيف غالبا ما يكون مرتبطا بأجندات خاصة, تمثل توجهات أيديولوجية أو مصالح برغماتية لهذه الفئة من الناس.
النمط الثاني من التثقيف البشري هو الطريق الصاعد, والذي يكون من خلال قوة وصلابة وتماسك أفكار اجتماعية أو أخلاقية يتميز بها مجتمع من المجتمعات, يؤثر في تركيبته وقوته ووهجه, في تربية وتنشأة الطبقات الفكرية والنخب العلمية والدينية المذكورة آنفا.
عادة ما تكمن الخطورة في عملية التثقيف النازل, حيث تكون في الأغلب الأعم مدروسة بعناية, ومرتبة على شكل مراحل منهجية, تراعى فيها عوامل كثيرة, تمكن أصحابها من التحكم بوعي الطبقة المستهدفة من الجمهور, ومحاولة تفتيت أسس ما يحملونه من أفكار وتقاليد وأخلاق, وإعادة صياغتها بما يتلائم مع مشاريعهم المراد تطبيقها.
الحسين ع هو مشروع الهي كبير وعظيم. هو اكبر من ان يُحبس بين جدران توصيفات بشرية, هدفها توظيف القضية الحسينية للتسقيط السياسي أولاً ، ولاضعاف وتتفيه وتسفيه الشعائر الحسينية ثانيا, سواء بعلم ممن يفعل ذلك، او بغفلة وجهل منه؛ ويكون ذلك غالبا من خلال اطلاق احكام ما انزل الله بها من سلطان: توصف القضية الحسينية! ولماذا قام بها الحسين! ولمن هي موجهة ومحددة! وان هذا لا يحق له اقامة الشعائر! وذاك لا يحق له! وهذا سارق وذاك حرامي! والتطبير حرام والبكاء بدعة!! والزيارة اشراك بالله!
هؤلاء لا يعلمون بانهم, يقومون باضعاف صورة القضية الحسينية او كيانها المتكامل، خاصة اذا طبقنا مبدأ تداعي المعاني الذي قال به ديفيد هيوم، سنجد ان الانسان البسيط عندما يقرأ لهؤلاء، ستبقى في ذاكرته معنى لصورتين: الصورة السلبية المظلمة التي يحاول هؤلاء توصيف الشعائر الحسينية بها, وتحديد الناس الذين لا يحق له اقامة الشعائر!
المستهدفين من الجمهور بعد فترة, ومن حيث لا يعلمون, سيقومون عملية ربط بين الاثنين (وهو مفهوم تداعي المعاني)، حيث سيكون المنبر الحسيني والقضية الحسينية عندهم, مدعاة لاستجلاب واستحضار الصور التي وُصفت بأنها سلبية! وبعدها, سيكون انجذاب الفرد، نحو الشعائر الحسينية انجذابا ضعيفا، وهذا هو هدف الذين يدعون الثقافة او المدنية, او يدعون انهم يفهمون من الدين والاسلام والاخلاق، اكثر مما يفهم فيها علمائنا ومراجعنا وفقهائنا.
هذه الافكار التهديمية والتخريبية, ستبقى كالمعاول مستمرة مع اعداء الحسين في محاربة القضية الحسينية, ومحاربة ادوات القضية الحسينية وهي الشعائر, وكل مرة بعذر, وكل مرة بصورة او قالب جديد, وعادة ما يهاجم هؤلاء القضية الحسينية والشعائر الحسينية, بأفكار وتوصيفات يعتقدون أنها الحق, وهي العكس تماما !
(قل هل ننبئكم بالاخسرين اعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ،وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا).
https://telegram.me/buratha