المقالات

دحر داعش "سلمياً"!

974 12:33:33 2015-10-17

أفرز استفحال الارهاب التكفيري، والذي تزعمه تنظيم داعش ونظائره، خصوصاً بعد نكبة الموصل وتمكّن الارهابيين من التسلط على مساحات واسعة من الأراضي في سوريا والعراق وليبيا، أفرز "ظواهر" عديدة مستحدثة، وإحداها تدعو الى "عقلنة المواجهة" ضد الارهاب! والمراد بتلك "العقلنة" النظر برَويّة وشمولية الى المناشئ الفكرية والعقائدية والاجتماعية والسياسية التي أنتجت (فيما أنتجت) تيارات الارهاب التكفيري، التي تضخ داعش ونظائره بمقدرات البقاء، من عدّة وعدد، وامكانات مادية وبشرية، إضافة الى غطاء "عقائدي" يمثل هوية الارهاب الحقيقية ووقوده الذي يحركه!

يمثل المتبنون لـ"عقلنة المواجهة" طيفاً متنوعاً من السياسيين والمفكرين ورجال الدين والنخب المثقفة، ويتلخص متبنى هؤلاء بأن "الأسلم والأجدى والأنجع" على المدى البعيد لـ"كسب المواجهة" يتم عبر معالجة الأخطار والنكبات والكوارث المجتمعية من "جذورها"، وذلك بإطلاق ثورة ثقافية في المجتمع الاسلامي، مصحوبة بآليات لتنقية المعتقدات مما علق بها من تزييف وانحراف وتشويه، والذي أفضى كله الى تغذية التطرف والفرقة والتعصب والطائفية، وتوظيف الدين لمآرب دنيوية وفئوية مقيتة، كما ينبغي إحداث ثورة في المناهج التربوية والتعليمية، وإخضاعها لجراحة علاجية لاستئصال الأورام التي تشوّه النصوص والروايات والوقائع التاريخية، ناهيك عن مهام القضاء على معضلات معاصرة، كالأمية والفقر والفساد السياسي، إضافة الى البطالة والانفجار السكاني ونقص الموارد وهجرة العقول!

لاشك ان الجميع يتفق مع هؤلاء بخصوص ما تم إيراده، بما يشكل جزءاً من "وصفات علاجية" طويلة الأمد، وكخارطة طريق لإنقاذ واقعنا السقيم، ولكن الى جانب ذلك لا ينبغي أن يغيب عنا اليوم بأن معظم هؤلاء المتبنين لـ"عقلنة المواجهة" هم ممّن يأثرون السلامة بكل وجوهها، أو ممن أدمنوا رؤية الواقع وتعقيداته من ثقب التنظير فقط، دون الأخذ بنظر الاعتبار فداحة أثمان المنعطفات الخطيرة القائمة، التي تقلب أحياناً كل الحسابات و"المسلّمات" المقادة بالتنظير والتنظير المضاد! وفيهم أيضاً ممن كانوا يغضّون الطرف طويلاً عن ظواهر التكفير والانحرافات العقائدية والمنهجية التي تعبّد بها التكفيريون، تدعمهم خزائن البترودولار، والملفت ان هناك طائفة من هؤلاء الداعين لـ"عقلنة المواجهة" كانوا وما زالوا يداهنون التكفيريين وقواعدهم الفكرية، بطريقة أو بأخرى! ثمة أمر آخر يفرض أهميته، هو ان الارهاب التكفيري الذي يصول شرقاً وغرباً، لم يخرج فجأة من تحت الأرض؛ بل كان نتاج عقود طويلة لأنشطة التكفير وخط الانحراف المنهجي والعقائدي، الذي تفشى في المناهج الدراسية ومن على منابر التكفير، وفي متون المؤلفات التي سطرتها أقلام الانحراف وغصّت بها رفوف المكتبات لما تملكه من إمكانات مادية كبيرة، إضافة الى تسخير وسائل الاعلام لبث سموم الفرقة والانحراف، وتشويه المعتقدات والإجهاز على كل قيم الاسلام الحضارية، ومن ثم تقديم كل الذرائع والأسلحة لأعداء هذا الدين بأن يوصموه بالإرهاب والعنف والتعصب، لتشكّل هذه بمجملها مرتكزات "الاسلاموفوبيا" التي لن تزول آثارها بسهولة طبعا!

وحتى لا نغوص في جزئيات متبنى "عقلنة المواجهة" مع الإرهاب في هذه المرحلة الخطيرة والدرامية التي تمر بها الأمة، بينما سيف الارهاب مشهر على رقاب العباد، وناره تعيث في الأرض فساداً وتحرق الأوطان، وتؤلب المتربصين ضد الاسلام والمسلمين، وبما وصلت إليه الأوضاع الإقليمية - بفعل الارهاب - الى حافات حرب عالمية لا يعلم أهوالها سوى الله، لا يمكن لنا أن نضع كل هذه المخاطر المحدقة الراهنة في الثلاجة، وننتظر عقوداً طويلة قادمة ندفع أثمانها من دمائنا وعافية أوطاننا وأجيالنا، على أمل أن تعطي متبنيات "عقلنة المواجهة" ثمارها السحرية (هذا طبعاً اذا أحسنا الظن وسلًمنا بحتمية نجاحها)!

ولا نتوقع بحال أن يقبل عاقل بأن الطريق الى رفع سيف الارهاب عن رقاب العباد في هذه المرحلة التي تشهد استفحال خطر داعش ونظائره، يتم عبر تجرّع عقار "عقلنة المواجهة".. هذه الوصفة التي لا يُعرف لها لحدّ الآن أية "خطط وبرامج"، متفقاً عليها أو متسالماً بشأنها، تضمن إجماعاً عريضاً في الأمة، ودعماً من التيارات الفاعلة والنخب المؤثرة الرافضة لنهج الارهاب والتكفير!

لقد بقيت متبنيات "عقلنة المواجهة" تدور حتى الآن في فلك التنظير والرؤى والتصورات النخبوية ليس إلاّ.. ولم تحرّر شبراً أو تنقذ ضحية أو تصرع إرهابياً!

لذا؛ فمن دواعي إعمال العقل أيضاً، أن ندعم الآن المهمة العاجلة المطلوبة في غرفة الإنعاش، وذلك بحشد الجهود والطاقات والامكانات، ورفع سيف الارهاب عن رقاب الضحايا المباشرين وغير المباشرين، والعمل بواقعية مدعومة بـسلطات العقل والعدل وإحقاق الحق، لدحر هذا الارهاب الهمجي الذي يتغذى استفحاله على أمور كثيرة متشابكة، منها تشتيت جهود الأمة وتفتيت اندفاعتها باتجاه المقارعة والمواجهة، وهذا التفتيت توفره دعوات ومتبنيات "عقلنة المواجهة" التي باتت عامل تثبيط وإحباط في ظل غياب الإجماع عليها، والتوافق حول آليات تطبيقها الشامل، بينما نرى انها تتحول يوماً بعد آخر - للأسف - الى حالة ضبابية أو شعارية، أو وصفة أقراص مسكنة للألم - ليس إلاّ- لتعالج بها سرطان الارهاب، الذي يفتك في جسد هذه الأمة المنكوبة!

والمواجهة الحقيقية المطلوبة حالياً لمقارعة الارهاب التكفيري ينبغي أن تكون في ميادين القتال وبلغة الحديد والسلاح، وهذه الحقيقة لا تحجب بحال ضرورة المواجهات الأخرى طويلة الأمد، والتي تغطي مساحات كبيرة من واقعنا المعاش، في الأبعاد العقائدية والتربوية والفكرية والمنهجية، وفي غير هذا الفهم والمنطق، سنشهد بأن متبنيات "عقلنة المواجهة" التي نحن بصددها، لن توقف تمدد داعش ونظائره في بسط همجيته في أوطان أخرى مستهدفة، بواقع ان هذا الوحش التكفيري لا يُردع فقط بالنظريات ورفاهية التنظير، كما ثبت للجميع..! 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك