المقالات

لغة الحوار في المجتمع العراقي بين فرضية العقلانية, وسطوة المجتمعية

1369 17:58:29 2015-10-15

يعتبر الحوار أقدم وسيلة أوجدها الإنسان, لإيجاد نوع من انواع التبادل المعرفي بينه وبين بقية البشر, بل ويعتبر صلة الوصل الأولى والأقوى , المعتمدة في تطور الجنس البشري, وتفوقه على غيره من المخلوقات.

إن الحوار الهادف فعلاً هو الحوار الجيد والعلمي والموضوعي, والقائم على أسس أخلاقية جيدة, والذي يفرز بطريقة غير مباشرة: المبادئ والعادات والسلوكيات الصحيحة والرائدة؛ ومع الأسف فإن هذا النمط من الحوار غير موجود في أدبيات السلوك العراقي, فقد تغلفت أدمغة أغلب نخبه ومثقفيه- فضلا عن عوامه- بدوغمائيات الجهل, والكسل في طلب الحقيقة, فتتحول كل محاورة فيه بين طرفين- بصرف النظر عن صحة ادعاء طرف, أو خطأ الطرف الآخر- إلى معركة عقائدية دينية جهادية, يستشهد أحدهما في سبيل إثبات وجهة نظره التي لا يحيد عنها أبدا! . 

لقد أصبح معيار الحوار في بلدنا, قائما على فلسفة اللاوعي الجمعي, وما تجمعت فيه من قاذورات المواقف التسلطية, والتربية الاجتماعية العشائرية القائمة على عصبية, مملوءة بعناصر السوء الخُلُقي: (تَكَبُر, عُجُب, نِفاق, إظهار العِلمية والتَمَكُّن, عدم الاعتراف بالخطأ, عدم قبول الرأي الآخر, محاولة صنع هالة من -الهيبة- الاجتماعية الكاذبة! الاهتمام وبالدرجة الأولى بالموقف من المجتمع, لا الاهتمام بالوصول إلى الحقيقة أو الصواب( , مما ولد منظومة وعي وفكر وحوار, يتجه بشدة نحو انفعالات يحاول أصحابها, إلباسها أثواب الصحة واليقينية, لا يمكن زعزعتها, كل ذلك غالبا يكون ممزوجا بجهل منطقي, وجهل علمي وجهل منهجي مطبق , مضاف له كسل في طلب المعرفة, وكسل في استخدام الاستقصاء المعرفي. 
النتيجة النهائية كونت لدينا مركب اجتماعي (أحمق- يعتقد نفسه من أذكى المجتمعات), تعاضدت أسباب كثيرة- ذكرنا جزءا منها- على خلق حالة من الجهل المركب المدقع فيه, توزعت بين بعض فئات المجتمع (من النخب, والمثقفين, وعوام الناس- ومع الأسف اكتشفت مؤخرا, أنه بدأ يغزو العديد من طلبة العلم في الحوزة العلمية)! وعلى أشكال ومراتب متنوعة, بحسب مستويات تحقق الوعي المنهجي بالمشاكل المطروحة.

نحن بحاجة ماسة في العراق, إلى إيجاد بل وتربية الكثير من النماذج البشرية, المتطبعة والمؤمنة بشكل كامل بأسلوب التحصيل المعرفي الصحيح, وعدم الاعتماد مطلقا على آليات التعليم المجتمعية العراقية (البائسة) , والناتجة عن كثرة (متخمة) في عملية التواصل الاجتماعي بين أفراد المجتمع, والتي عادة تكون مصحوبة بابتعاد عجيب عن حالة الفردية (ولو الجزئية), أو الانعزالية التأملية في طلب المعرفة أو الاستقصاء الصحيح.

إذا أردنا عمل مقارنة بسيطة بين آليات التفكير لدى الشعوب الغربية, أو على العموم الغير عربية والغير عراقية, سنجد أنها قد نجحت في وضع آليات تفكير وتعاطي في سلوكياتها اليومية, حققت لها الكثير من النجاح في تجاوز الكثير من مشاكلها الخاصة, ببناء دولة قوية تحترم الإنسان وتحترم القانون؛ فعندما تحاور وتناقش أحد الغربيين- مثلا- تجده كله آذان صاغية وعقل منفتح برغماتي نفعي, يحاول قدر المستطاع الاستفادة مما لديك, سواء على صعيد النقد أو التأييد, بعكس ما هو موجود لدينا, فعندما تحاور أحدهم (ومع الأسف وجدته عند الكثير) تحس نفسك وكأنك تحاور حمارا أهوج!
ما دام سوء التفكير, وخراب أدواته ومعطياته العقلانية, هي المسيطرة في تقييم المواقف, مع إبتعاد اغلب المثقفين والنخب عن أية منهجية علمية استقصائية, في تحصيل المعارف والحقائق الخاصة بكل حدث, علمي, أو حياتي يومي, فإن النتيجة ستكون دوما هي خراب مستمر, ودماء تسيل, وتسلط أبدي للظالمين وللسراق!

*ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر- باحث مهتم بالآديولوجيات السياسية المعاصرة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك