من الحقائق الدينية الكبرى هو أن الله تعالى قال "إنا نحن نحب الموتى ونكتب ما قدموا وإثارهم وكل شي احصيناه في إمام مبين"
من الحقائق الدينية إن الإنسان مرصودة في ما يعمل،كل عمل من أعمال مرصود،تسجل علية أعماله ليجازى به،كل شيء يكتب وكل شيء يبقى، الكذبة تبقى،الحسنة تبقى،السيئة تبقى،شهادة اعضاء انسان على الانسان، شهادة الأيدي والعين والرجل والبشرة، شهادة الأنفس على النفس،وشهادةالنفس على النفس.
حقيقة أن ما جرى في منى أشبه بحبلى دائمة تلد دائما،منى والجمرات حبل دائم وولادة دائمة، في كل هناك مأساة وولادة.
بعد إكمال الموقفيين عرفة والمشعر الحرام وعند طلوع الشمس عند الساعة السادسة والربع من يوم العيد ،بدءنا بالمشي باتجاه مخيم منى،وصلنا المخيم عند الساعة السابعة والربع ،وضعنأ امتعتنا وتناولنا الإفطار وخرجنا إلى رمي جمرة العقبة،ونزلنا إلى النفق المؤدي إلى الطريق 204 في منطقة سوق العرب لأننا نريد أن نرمي من أسفل الجمرة،وصرنا نمشي ونمشي، والسير يمشي بكل انسيابية،ثم لاحظت بأن هناك تجمع من قبل بعض الحجاج أغلبهم من أفارقة يطلبون الماء من المخيمات،فقلت لأخي سيد رياض الحكيم سيدنا الوضع غير طبيعي وهناك من يوزع الماء على جنب الطريق ،قال لي ان شاء الله ما في شيء،لعله سوء إدارة وتنظيم، توكل على الله، وصرنا نمشي ونمشي،حتى تثأقل المشي،إلى أن توقف المسير نهائيا، ونفذ الأوكسجين ،وصارت حالت الهلع والهياج .
سمعت سيد رياض يقول للحاج حازم أمامي انا لا استطيع ان اكمل الطريق،أريد الخروج،فخرج سيد رياض ومعه حاج حازم باعجوبة ،كأن يدا غيبية أخرجتهما من وسط هذا البركان ، وكلما حاولت الخروج وإلحاق بهم لم أستطع!
فسلمت أمري إلى ربي، وأنا في وسط هذا الموج الهادر من البشر،يأخذنا يمينا وشمالا ،لأكثر من ساعة ،وانا أردد سبحانك لا اله الا انت اني كنت من الظالمين....... إلى أن صرت اول الواقفين على الأجساد المتساقطة من الحجاج،وهذا التساقط له سبين أو أكثر والله العالم،سبب الأول التدافع والعصر والغليان والغثيان والضعف والشمس التي لا تقاوم ،وقلة الأوكسجين ،والسبب الثاني هو رمي قناني المياة على الحجاج من المخيمات المحيطة،لما ترمى القنينة الماء تسقط ينحني الحاج لكي يأخذها، فتاتي الدفعة فيسقط وهكذا.......صارت حالة التدافع والهلع، فرأيت بعض الحجاج يخرج من إحرامه صاعدا عمودا لكي ينجو ،وهو عاري، وبعض آخر يصعد على الخيمة ،فيكرب على الخيمة ،وهي من البلاستيك ، فتنهار بهم،حتى أن بعض صور الضحايا كالتل.
لما أصبحت اول الواقفين على الأجساد ،رأيت من الحجاج أخلاق وايثارا، وهما في حالات الموت والحياة ما حيرت العقول السني يسقي الشيعي ويموت معا، ورأت المرأة تستر الرجل، والرجل يستر الرجل،رأيت أخا يترك أخاه وينقذ أخ له في الدين لم يعرفه،صورة جميلة للإسلام والإيمان وخلق آل محمد صلى الله عليه وآله.
وأنا واقف انظر الى الأجساد المتداخلة والمتشابكة ،بحيث لايمكن فصلها عن بعضها بالحالة الطبيعية،فكيف بحال التدافع والهلع.
كلما هممت أن أقفز مسكني حاج من خلفي متمسكا بحرامي لكي ينجو ،فكرت طويلا أن امشي على الأجسام بحذر ،لأنها كانت كأنها مطلية بالدهون نتيجة التعرق.
فقررت أن امشي لأنني اذا أبقى سأنهار كبقية الحجاج،خيار صعب ؟
خيار صعب ولحظات مؤلمة،وانا ارى من يستغيث ولايمكن الإغاثة ولا المساعدة.
الحدث في بدايته لحظات لايمكن وصفها ولاتصويرها،وهي مسافة عشرة أمتار من الاجساد، ولعلها أطول مسافة اقطعها طوال حياتي.
عبرت ولكن لم أصدق اني عبرت، واصابتني حالة وذهول والدوران،ومع ذلك مشيت حافي منهارا،قاصدا الجمرات ،وكأني امشي على الجمر من شدة حرارة الارض،لكن لم أشعر بها.
ما أن وصلت إلى الجمرات ،رأيت أخي سيد حسن صدفة فالبسني أحرام واستحيت منه أن أطلب منه النعل، رجمت جمرة العقبة ، وبعدها أخذت تلفوني ،واذا به خاليا من الشحن، فأخذ سيد حسن وشحن تلفوني من شاحن مع الحملة ، اتصلت بالجميع ،فلم يرد علية احد،فبكيت وتألمت،وقلت يارب نحن عبيدك وضيوفك، أكرمنا برؤيا من نحب؟
وماهي إلا لحظات ويرن هاتفي واذا به سيد حيدر الحكيم ،يسأل عني وعن باقي اخواني ، أخبرته وسألته عن سيد رياض والحاج حازم فقال معي وهما بخير.
أما الأخ الكبير ، السيد حيدر الحسني وولده السيد علي،فكنا معا، ثم افترقنا بسبب التدافع،أخبرني سيد علي بأنه بلحظة لم يرى والده ، وأما هو فقد طم بالأجساد وهو عاري، فقد أحدث فيه الله امرا.
وأما والده السيد حيدر الحسني فاشهد انه كان يحب الموت،رافقته في بعثة المرجع الكبير ايه الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم مد ظله ،منذ أكثر من اثني عشر سنة ،دائما يردد ، يارب بس ترضى عني خذ عمري، وكان لايقبل أن يعبر أحد عن ملك الموت بعزائيل ،بل يقول هو ملك الموت.
أما نجاة الأخوة سيد رياض وسيد حيدر،أظن أن هناك رعاية ،ولعل وردا معينا نجاهما .
وأما المشايخ الإيرانيون الذين كانوا بالبعثة وهما الشيخ محمد رضا مؤيدي وشيخ مسلم قلي زاده وقد فقدا، والشيخ طاهر زاده والشيخ عباس حيدري وهما بخير وسلامة.
ربي استغفرك إذا ارتكبت ذنبا، فسبحانك،سبحانك ،من مبدىء معيد، حميد مجيد ، تقدست اسمأؤك، رب بم أنشأتني فأحسنت صورتي، رب بما احسنت الي وفي نفسي عافيتني، رب بما كلاتني ووفقتني، رب بما أنعمت علي فهديتني، رب بما اعنتي واعززتني، رب بما البستني من سترك الصافي ، وأعني على بوائق الدهور ،وصرف الليالي والأيام وصلي على محمد وآل محمد.
https://telegram.me/buratha