يتظاهر البعض هنا وهناك مطالبين باصلاح النظام القضائي،او استقالة رئيس السلطة القضائية مدحت المحمود،ولايعلم معظم هؤلاء ان لم نقل كلهم دور السلطة القضائية في كل ما آلت اليه الامور،وإنها هي من شرع الديكتاتورية وغلفها بغلاف قانوني ودستوري.وفي بضعة مقالات متتالية ،مستلة من بحث اكاديمي بتصرف-للامانة- ، سنقف على الكوارث التي الحقتها السلطة القضائية بقيادة المحمود بالعراق ونظامه السياسي،وسنفهم الاسباب الكامنة خلف مسرحية استقالة المحمود ورفض مجلس القضاء طلبه،بالاجماع.
2- تحويل الهيئات المستقلة الى ...تابعة... لرئيس الوزراء
أفرد المشرع فصلاً كاملاً في الدستور لتنظيم عمل الهيئات المستقلة.إلا أن الملاحظ على النصوص الدستورية إنها في الوقت الذي عددت فيه تلك الهيئات، عمدت إلى إخضاع بعضها لرقابة مجلس النواب،أو النص على مسؤوليتها أمامه.فنصت على ارتباط ديوان الرقابة المالية وهيأة الإعلام بالمجلس،وارتباط دواوين الأوقاف ومؤسسة الشهداء بمجلس الوزراء (م103-104)،من دون النص على ارتباط الهيئات الأخرى.وكانت هذه الهيئات مقترحة من بعثة الأمم المتحدة ،فضلا عن إنشاء سلطة الإتلاف لبعضها سلفا.وقد ورد في أمر إنشاء الهيأة العراقية العامة لخدمات البث والإرسال رقم66لسنة2004،إن معنى الإستقلال هو (القدرة المالية والتحريرية والإدارية على ممارسة العمل بدون الخضوع لتأثير أو سيطرة الحكومة) (المادة2-5)، كما تضمن أمر إنشاء مفوضية الإنتخابات العراقية المستقلة رقم92لسنة2004 على أن تكون المفوضية (مستقلة عن فروع الحكومة التنفيذية والتشريعية والقضائية)(المادة3-1).وقد ذهب بعض الباحثين إلى إن ميل الدول لإنشاء مثل هذه الهيئات ناجم عن رغبتها في كسب ثقة المواطن بالسياسات التي تتبناها،كما ذهب إلى"أنَّ الحيادية في عمل الهيئآت المستقلة يضمن إستقرارها وهذا شرط ضروري لإنجاح عملها وفعاليته، لأنَّ الإستقرار يجعل الهيئات المستقلة بعيدةً عن المتغيرات السياسية التي قد تصيب العمل السياسي للدولة وكذلك يجعلها بعيداً عن مواجهات التيارات والتوجيهات الحزبية" (هشام جميل كمال ارحيم،الهيئات المستقلة وعلاقتها بالسلطة التشريعية في العراق،اطروحة دكتوراه مقدمة الى مجلس كلية القانون بجامعة تكريت،2012،ص12ومابعدها. ).وكانت المحكمة الإتحادية العليا قد أعطت رأياً تفسيرياً بشأن معنى الإستقلال الوارد في المادة (102) من الدستور ،مفاده إن أعضاء تلك الهيئات مستقلون لاسلطان لأحد عليهم غير القانون وإنهم يخضعون لرقابة مجلس النواب(ينظر الرأي التفسيري للمحكمة بالرقم (228/ ت 6/2006) ). كما تضمنت نصوص القوانين المنظمة لعمل بعض الهيئات مايؤكد ذلك،كالنص على أن(لا يتلقى البنك المركزي تعليمات من أي شخص أو كيان آخر، بما في ذلك الكيانات الحكومية)( تنظر المادة(ثانيا-2)من قانون البنك المركزي ).
إلا إن السلطة التنفيذية في حقيقة الأمر هي من كان يتولى إدارة كل تلك الهيئات،والمثال الأبرز في هذا السياق،تعيين مدير الرقابة المالية محافظا للبنك المركزي،ثم تعيين علي العلاق.وكان مبرر السلطة التنفيذية هو إنها تقوم بالتعيين بالوكالة.وإثر اعتراض مجلس النواب على تدخل مجلس الوزراء هذا،سارعت المحكمة الإتحادية بالاستجابة لطلب رئيس مجلس الوزراء بإصدار قرار(يضع الأمور في نصابها) -كما ورد في الطب- فوضع قرار المحكمة زمام الهيئات المستقلة بيد السلطة التنفيذية. فقد ألغت المحكمة استقلالية تلك الهيئات بدعوى إنها ليست إحدى السلطات الثلاث المنصوص عليها دستوريا،وإنها لابد من أن تكون جزءاً من إحدى هذه السلطات،ومرجعيتها يلزم أن تحددها(طبيعة المهام التي تقوم بها).فنسفت المحكمة بذلك مبدأ الاستقلالية المنصوص عليه دستوريا من جهة، والنص على مرجعية بعض تلك الهيئات من جهة أخرى،لتبتدع قاعدة المرجعية وفقا لطبيعة عمل الهيئة.وذهبت المحكمة إلى انتقاد المشرع الدستوري وتخطئته صراحة بالنص على أن(مانص عليه الدستور بربطه بعض الهيئات المستقلة ذات الطبيعة التنفيذية بمجلس النواب أمر لايتفق مع اختصاصاته الرئيسية المنصوص عليها في المادتين(61)و(62) من الدستور وهما اختصاص التشريع واختصاص الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية ويتعارض كذلك مع مبدأ الفصل بين السلطات الذي تبناه دستور جمهورية العراق لسنة 2005في المادة(47)منه ولايتفق كذلك مع ماهو جار العمل عليه في برلمانات العالم إذ لاتناط بها إدارة هيئات أو مؤسسات ذات أنشطة تنفيذية)( قرار المحكمة الإتحادية العليا88اتحادية2010. ). ويبدو إن المحكمة كانت قد أفرغت مافي وسعها من أجل إصدار ما(يضع الأمور في نصابها)،حتى وصل بها الأمر إلى انتقاد الدستور وتخطئته في تعديل دستوري صادر عن جهة غير مخولة بالتعديل.
وقد تضمن قرار المحكمة -فضلا عن مخالفته النص الدستوري- جملة من المغالطات؛فهذه الهيئات مستقلة وليست تابعة لأي من السلطات الثلاث،إذ أفرد المشرع الدستوري لكل واحدة منها فصلا خاصاً بها،وأفرد فصلا مستقلا للهيئات المستقلة. وبرغم سلب المحكمة نفسها للسلطة التشريعية للبرلمان،إلا إن عمل البرلمان لايقتصر على التشريع فحسب،بعد ان عُهد إليه بالعمل الرقابي ذو الطبيعة التنفيذية.يزاد على ذلك إن المحكمة سوّغت قرارها كذلك بزعم إن برلمانات العالم (لاتناط بها إدارة هيئات...)،والنص الدستوري لايشير إلى إدارة البرلمان لتلك الهيئات،بل إنه أخضعها للمجلس وجعلها مسؤولة أمامه ليس إلا،وهو سياق يجد نظيره في بعض الدساتير.فقد أوجد دستور جنوب افريقيا ست مؤسسات لدعم الديمقراطية،ونص على إن(هذه المؤسسات مستقلة ولاتخضع سوى للدستور والقانون)،وحظر على (أي شخص أو جهاز في الدولة التدخل في عمل هذه المؤسسات)،ولكنه مع ذلك نص على أن(تخضع هذه المؤسسات لمسائلة الجمعية الوطنية)وألزمها (أن تقدم تقريرا عن أنشطتها وأداء مهامها للجمعية الوطنية مرة كل سنة على الأقل) (تنظر المادة(181)من دستور جنوب أفريقيا لسنة 1996. ).وقد عرفت بريطانيا ماعرف بـ(الهيئات شبه المستقلة)،ويراد بهذا التعبير هناك"بأن هذه الهيئآت غير مرتبطة حكومياً أي مستقلة عن الحكومة"،مثل مجلس أبحاث الدواء وهيأة الإذاعة البريطانية.وعرفت فرنسا مثل هذه الهيئات فتم إنشاء أول لجنة مستقلة عام 1941 وهي لجنة الرقابة على البنوك ، وأُنشئت لاحقا هيئات مستقلة أخرى مثل اللجنة الوطنية للاتصالات والحرية،وظهرت بعدها لجان عديدة ،منها لجنة التعددية والشفافية CTP.وكانت أهم الهيئات المستقلة في الولايات المتحدة الأمريكية ،اللجنة الفيدرالية ETS ولجنة التنظيم النووي ٍSES ووكالة حماية البيئة EPA(هشام جميل كمال ارحيم،الهيئات المستقلة وعلاقتها بالسلطة التشريعية في العراق،مصدر سابق،ص12.).
كما إن المحكمة في قرارها سالف الذكر،أشكلت على بعض القوانين الصادرة عن مجلس النواب والخاصة بتنظيم أعمال بعض الهيئات المستقلة،كقانون المفوضية العليا لحقوق الإنسان ،وقانون مجلس الخدمة الإتحادية،لأنها ربطت تلك الهيئات بمجلس النواب،وذهبت إلى عدم وجود نص دستوري يجيز ذلك!.مع إنها تجاهلت النص الدستوري المتعلق باستقلالية تلك الهيئات من جهة، أو ذاك الذي ينص على ربط بعضها بمجلس النواب من جهة أخرى،وجعلت منها جميعا هيئات تابعة لمجلس الوزراء،حتى تلك التي قد تستحدث مستقبلا استنادا للمادة(108). وعلاوة على كل ما تقدم،فإنه لايمكن تصور أن تكون هيأة مثل مجلس الأمن الوطني للسياسات الستراتيجية التي سبق أن تم اقتراحها،بتلك التشكيلة والإختصاصات آنفة الذكر، هيأة تابعة لمجلس الوزراء. ولايمكن كذلك تصور خضوع بعض الهيئات لمجلس الوزراء، كالرقابية منها مثل هيأة النزاهة،أو الحيادية كالمفوضية المستقلة العليا للإنتخابات،التي نُصّ على اختيار وإعفاء أعضاء مجلس الأمناء فيها من مجلس النواب(تنظر المادة(3-ثانيا)قانون المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات رقم11لسنة2007.)،والذي كان في جملة اختصاصاته (حق استجواب مسؤولي الهيئات المستقلة...وله إعفاؤهم بالأغلبية المطلقة) المادة(61-ثامناهـ)،ولاشك في إن من يملك التعيين،هو الذي يملك العزل.وإذا كان تركز السلطة السياسية بيد السلطة التنفيذية يعني "هفوت وهج الديمقراطية" في دولة مثل فرنسا(د عامر حسن فياض،تركز السلطة السياسية وهفوت وهج الديمقراطية،مجلة العلوم السياسية،العدد34، 2007. )،فإنه يعني في العراق أن تتصدر السلطة التنفيذية بفرعيها،وفقا لتقارير ديوان الرقابة المالية،قائمة الجهات المخالفة للقوانين في مختلف أنشطتها(تنظر تقارير الديوان للسنوات2012-2013مثلا المنشورة في موقعه على الرابط http://www.saacb.ps ).
وبذا تكون المحكمة الاتحادية ، قد ألغت مبدا الفصل بين السلطات في العراق ، وقوضت اركان النظام البرلماني الذي نص عليه الدستور ، وجعلت كل السلطات خاضعة أو تابعة للسلطة التنفيذية، بل لرئيس الوزراء تحديدا. وبذا تحول النظام السياسي في العراق الى نظام رئاسي على الطريقة العربية ، حيث يكون رئيس الجمهورية هو الحاكم بأمره. واذا كانت المحكمة الاتحادية قد نجحت في اصدار قرارات ، تضع الامور في نصابها ، الذي يريده السيد الرئيس ، فانها لم تستطع ان تكمل المطلوب بتحقيق رغبته في تعديل الدستور والنص رسميا على تبني النظام الرئاسي ، تلك الرغبة التي يشاطره اياها اردوغان في تركيا، والتي يتمسك بها مسعود بارزاني في اربيل بخلاف رغبة الاحزاب الكردية الاخرى في تحويل نظام الحكم في الاقليم الى نظام برلماني.
فهل يعقل بعض من يرفع لافتات المطالبة بتحويل النظام الى نظام رئاسي في العراق كمطالب (اصلاحية)...حقيقة الاهداف التي تقف خلف تلك الشعارات، ومن هو الذي رفعها اول مرة وطالب بها؟.
فقط للتذكير..راجع مانشر في 2009
(المالكي يذكي تكهنات حول طموحاته بانتقاده الديمقراطية التوافقية.. نواب: النظام الرئاسي أقصر طريق للدكتاتورية لذا اخترنا النيابي) على http://www.akhbaar.org/home/2009/05/68901.html
(كلام المالكي حول تفضيله النظام الرئاسي على البرلماني لم يلق ترحيبا) http://www.alsumaria.tv/news/10035/
وهذا مافهمه بعض العقلاء في 2015
هل سيعود المالكي إلى الحكم بتطبيق النظام الرئاسي؟ http://www.sotaliraq.com/mobile-news.php?id=208726
ملاحظة:يمكن مراجعة متون القرارات الصادرة عن المحكمة الاتحادية على الموقع http://www.iraqja.iq/
هشام حيدر - الناصرية
https://telegram.me/buratha