الأشجار لا تخطئ أبداً، فلم نشاهد يوماً أن شجرة البرتقال قد أثمرت موزاً، ولا سنابل القمح طرحت رزاً، فكل شيء قدره الخالق (عز وجل) تقديراً، وجعل له سبباً، أما الحاكم فلا يريد من المفكر تفكيره الحر، الذي يطرح أفكاراً مثمرة، وإنما تفكيره الموالي، أي أن يدعم الطاغية في طغيانه وسطوته، ويثمر عنفاً، وتطرفاً، وتعصباً، وهذا ما قاله توفيق الحكيم، حول الطغاة الشياطين العرب، الذين يستطيعون أن يكونوا ملائكة الوحدة العربية، لكن أمام الحمقى والسذج فقط!
الطاغية المقبور، وخفاش الليل الذي صور للعالم، بأنه القائد الضرورة، وكأنه نسر يرتع أعالي المجد الزائف، ولم يدرك أن ثورات الكراهية التي زرعها، وأسهمت في رسم صورة القمع والإستبداد، إبتداءاً من الجبل، والسهل، والهور، والصحراء، ستتظاهر كلها ضده، فلم يجد إلا حفرة جرذ تأوي نفاياته القذرة، وأمسى القرش الأوحد نافقاً يأكله النمل، مستكرهاً جسده النتن، المحمل بأنواع الأحقاد والضغائن، لا لشيء إلا لأنهم موالون لأهل البيت (عليه السلام)، ويرفضون الخضوع، والخنوع لحكم بين أمية البغيض!
رفض الموت في أي بقعة غير العراق، وأنتظر عشرات السنين ليكمل مسيرته الفذة، رغم أنوف العفالقة المجرمين، صاغ من الأهوار ملحمة جهادية، وعلم الأحرار كيف تكون الحياة، فأستحق أل الحكيم البقاء والخلود، شع بها الضمير العراقي، فبات أسد الجنوب صوتاً للثائرين، موشحاً بالفضيلة والحرية، فشهد النهر زحفه الخالد، نحو المسيرة الحمراء مدافعاً، عن العراقيين سنة وشيعة، فبث الوحدة والتسامح، في ظرف حساس مر به العراق، أبان سقوط الطاغية، فأضحى الرابط الموحد، والعروة الوثقى لعراق جديد!
السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره الشريف)، لم يكن شجرة معطاءة فحسب، بل لوحة تصدح بالبطولات، والمآثر، والمناقب، في زمن ساد فيه الظلم والخوف، من دكتاتور أنتجته أصابع الإستكبار العالمي، ليمزق وشائج الطيف العراقي، وليجد مجالاً لأقصاء الطائفة الأغلبية، ويسحقهم في غيابت الجب، ولم يدرك إخوة يوسف، أن الأفكار الخاطئة التي روجوها في أيامهم، ما كانت لتأخذ قدم صدق عند الأحرار والشرفاء، فأنار بفكره وجهاده، الطريق الثوري لمجاهدي العراق، الذين فضلوا الموت بين ذراعي الوطن!
القانون الدموي، الذي أقامه الطاغية المقبور لازمنا لعقود مضت، على أن آفاته وصعاليكه، بقيت تحصد أرواح الأبرياء، ورغم ذلك فأننا ماضون على درب آل الحكيم، الذين تعلمنا منهم دروس الشهادة، والتضحية، والفداء، فهم يمثلون طريق المرجعية الحكيمة، وصمام الأمان، وهي إمتداد طبيعي لنهج الإمام الحسين (عليه السلام)، فليس من باب الصدفة، أن تجتمع الحكمة والعدالة، في شخصية كالسيد محمد باقر الحكيم (قدس سره الشريف) فإختار لقاء ربه راضياً مرضياً، في مدينة جده علي (عليه السلام).
بطل للثورة الجنوبية وسط الأهوار، في صور مملوءة بالإعتدال، والرؤية الثاقبة، فأخذوا يصولون طولاً، ويجولون عرضاً، ليخدموا شعبهم العظيم، وأتحفوا العراق بزعامة، تمثل عمق التلاحم الفكري والثوري لشهيد المحراب، فسلام عليه يوم أنتفض من أجل حرية العراق، في مسيرة جهادية سيرها الإيمان بالقضية، والتوكل على الباريء (عز وجل)، ثأراً لصمت القبور، ورفات الشهداء المغدورين، وصراخ الثكالى، وأنين الأيتام، ((فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)) فعهداً علينا نحن الحكيميون، إنا على درب شهيد المحراب، وعزيز العراق لسائرون.
https://telegram.me/buratha