عند إختلاف طرفٍ مع طرفٍ آخر, لابد أن يكون أحدهما جاهلٌ والأخر عالم, فـ (لو سكت الجاهل لسلمت الأمة) كما قال أمامنا الجواد محمد بن علي (عليهما السلام) أو إن أحدهما على
حقٍ والأخر على باطل, وإن للنوايا دورها الأساس, والعلمُ عند من أخفاها. شعوب تقدس رموزها, وتنحتُ بذاكرة أطفالها, لِتُشيّدَ تمثال الكرامة بعقول شبابها, وتقيم صرح حضارتها بشجاعة قادتها, والشرفاء من رجالها, الذين خطوا بدمائهم, أجمل ترانيم العشق للوطن, حتى بانت صفحتهم التي إبيضَّت بدماء شهدائها الأحمر, لتُنير من بين عِتمةِ صفحات التأريخ السوداء.
وجهٌ آخر, لشعوبٍ كثيرة النسيان؛ سريعة الإدمان, الوقاحةُ عندهم جرأة, والجرأةُ عندهم وقاحة, يمجدون الصغير في عمر السياسة, ويهينون الكبير وهم لهُ بأمسِّ الحاجة, ينشدون النصر في قمة الهزيمة, ويبكون على الشهداء وهم أولى بالجريمة, يلبسون الباطل تاج الحقِّ, ليُجلِسوه على عرش الدكتاتورية. الكلام هنا كثير, وهناك يكون أكثر! هنا وهناك يجتمعان في وطنٍ واحد, تحت خيمةٍ واحدةٍ, لا تميِّزهُم أصابعهم البنفسجية, بل تميزهم صناديق الإقتراع, بهم تُعمَر الديار, أو يعمَّ الخراب والدمار, يتوحدون بمواجهة العدو, ويختلفون بخطط المجابهة, يتوحدون في الدين ويختلفون في التدين. عادةً ما تقاس الأوطان بالشعوب, فتمجد الأوطان ويعلوا أسمها, بإنجازات شعوبها, لأن الشعوب هي من تصنع حضارتها, والشعوب هي من تكتب تأريخها, وهي التي تقول كلمتها لتحديد مصير أوطانها, بل أكثر من ذلك!
يستطيع الشعب أن يُغيِّر أسم الوطن والعلم والنشيد. تذهب الشعوب وتُخلد الأوطان, ولكل قاعدة شواذ, والعراق شذَّ بعض الشيء عن هذه القاعدة, فلو لم يصنع لهُ شعبهُ أيَّ مجدٍ, اكتفى بكونهُ أرضُ الرافدين؛ وأرض المقدسات والأنبياء والأوصياء, كما أنَّ ترابه تفتخر بملامسة ستةِ أجسادٍ طاهرةٍ من أئمتنا المعصومين(عليهم السلام). العراق الذي تفرد بذكورةِ أسمه, دوناً عن أنوثةِ باقي أسماء الأوطان, يُخلِدُ أبناءهِ البررة المضحين من أجله, وينعاهم ويَذكرهم ويُذكِّر بهم عند حلول ذكرى رحيلهم, سيما الراحل عنه عزيزٌ عليه,
لُقِبَ بعزيز العراق, ذلك الذي عاشَ بعمر التسعةَ والخمسين عاماً من العلم والجهاد والتضحية. ثلاث كلماتٍ أختصرُ بها, من عمامةٍ أعجزُ عن فكِّ رموزها, لما حملتهُ من رؤى ناضجةٍ, وسطَ عقولٍ مُتصحِرة,العلمُ الذي أغترفه من منهلِ العلمِ وساداتهِ, والجهاد الذي حمِلَ فيه سلاح المجابهة؛ ومواجهة السياسة, والتضحيةُ التي جعلت منهُ أباً للتحالف الوطني مع أبناءً مارسوا معهُ مختلف العقوق.
https://telegram.me/buratha