أكثرُ مفردةٍ سُخّفت في العراق واصبحت بلا معنى ومثاراً للسخرية والتهكم هي كلمة تحقيق ! هذه المفردة التي عادة ما يُعلن عنها بعد كل جريمة ترتكب في العراق ، وهي أول وأسرع إجراء يتخذه المسؤول التنفيذي ، تشكيل لجنة تحقيقية لكشف ملابسات القضية ألف أو باء ، وبعد تشكيلها والأعلان عنها مباشرة تمارس مهمتها التسويفية للحدث وتعمل على طيّ ملابسات الجريمة لتركنها على رفوف النسيان والإهمال ! وهذا هو مصير جميع اللجان التحقيقية التي شُكلت خلال الأعوام العشرة المنصرمة ، وكلّها مكلّفة بملفات خطيرة وكبيرة جداً ،
فمنها مايتعلّق بدماء العراقيين وسرقة أموالهم وتهريب السجناء وتسليم مدن عراقية لداعش كالموصل والرمادي وغيرها ، ومجزرة سبايكر، تلك المذبحة التي أودت بحياة المئات من الشباب العراقيين ألأبرياء الذين زجَّ بهم المضاربون السياسيون في أتون الجريمة بعد أن جرّدوهم من سلاحهم وسلّموهم ببرودة أعصاب وراحة ضمير الى عصابات القتل الإرهابية كتسليم نينوى وصلاح الدين ، ولازالت لجنتهم المكلّفة بالتحقيق في ملّفهم تراوح في مكانها بعد مرور عام على تشكيلها ،وتتخبط في صياغة تقاريرها، وتتراجع خطوات للخلف كلما إصطدمت بأحد الرؤوس المسببة لهذه المجزرة فتدخل في غيبوبة الغموض وتلتف بشرنقة المتاهات خوفا من هذا السياسي أو ذاك وهي في طريقها الى الضمور! اليوم طالعتنا الصحف والوكالات الإخبارية عن إعلان اللجنة المالية البرلمانية أنها تحقق في ملف تحويل 312 مليار دولار خارج العراق خلال العشر سنوات الماضية بطرق مشبوهة !!! ويقول عضو اللجنة المالية أحمد حمه "ان اغلب هذه الاموال حولت الى حسابات شركات استثمارية و جهات سياسية و رجال اعمال عن طريق شركات التحويل المالي ، لافتا الى ان التحويلات في بعض الحسابات وصلت الى ارقام فلكية " .
ليش مشبوهة ياسيادة النائب ؟ مو الحرّاس كلهم من المؤمنين ... المفروض الميزانية العراقية وأموال الشعب في أيدي أمينة، لأن الذين تولّوا إمورنا وحكمونا كلّهم من الإسلاميين ومن الطراز الأول سنّة وشيعة ! ووزارة المالية من سقوط النظام عام 2003 الى نهاية العام 2014 تناوب عليها وزراء من المتدينين وتم إختيارهم وفق النظرية القرآنية اليوسفية (أجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم )...! 312 مليار دولار فقط خلال عشر سنوات ولو قسّمنا هذا الرقم على عشر سنوات بالتساوي فيكون المبلغ المسروق 31,200 مليار ومائتان مليون دولار في السنة الواحدة أي مايعادل ميزانية جمهورية مصر ! ولكن ليس بالضرورة أن يكون هذا الرقم قد حُوّل بنسبٍ متساوية على طول العشر سنوات ربما نصفه أو أقل أو اكثر حوّل بسنه واحدة حسب حجم وقوة السارق المتنفذ والمتحكّم بميزانية الدولة ! ولكن السؤال الكبير هو أن جريمة بهذا الحجم تهريب 312 مليار من اموال الشعب الفقير الذي يتظاهر يوميا في الشمس الحارقة ليعيدوا له راتبه المقطوع منذ اربعة او ستة اشهر مثل عمال النسيج وغيرهم وهو راتب لايكفيهم نصف الشهر...اقول جريمة بهذا الحجم أليس القضاء أولى بالتحقيق فيها بمشاركة الأجهزة المخابراتية والأمنية ؟ أم تضحكون على الشعب بهذه اللجان الصورية المسيسة ؟ وتحققون بلا نتائج لأنكم جزء من الجريمة وقادتكم رأس الجريمة ،وستبقى كلمة تحقيق ولجنة تحقيقية مفردات بلا قيمة وبلا معنى .
صالح المحنّه
https://telegram.me/buratha