المقالات

أسلوب غربي لتسويق الإرهاب!

969 00:26:49 2015-02-03

لم تنقطع الدلائل والإثباتات يوماً لتعزيز الاعتقاد بأن المطبخ السياسي الغربي (بقيادة أميركية) ومؤسساته المرتبطة ماضون جميعاً في تورطهم (بشكلٍ أو بآخر) في تخليق وتحديث ومن ثم تسويق الإرهاب التكفيري بنُسخه المتعددة لمآرب شتى، مع الأخذ بنظر الاعتبار اتّساع رقعة الأساليب التي ينتهجها الغرب في تلك المهام، وأخطرها الاستعانة بواجهات دولية (غربية بحتة) لها طابع الأنشطة الإنسانية، ومغلفة بـ"الحيادية" التي تتباهى بها لتوطئة "مصداقيتها"!

ويندرج في الإطار السالف، التصريح الإعلامي الأخير (والخطير) لـ"كينيث روث" المدير التنفيذي لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" ليعزز مجدداً شبهة الأدوار المنوطة بمثل هذه المنظمات الدولية، حيث أدلى بدلوه هذه المرة في موضوع الإرهاب، ولكن من زاوية ذكية ربما تكون مورد أخذٍ وردّ لو تناولها (بنفس المضمون) زعيم سياسي غربي، فقال "كينيث": "إذا نظرت إلى الأيديولوجيّة السعوديّة الوهابيّة، فإنّك ستدرك أنها الأيديولوجية الحقيقية التي أدّت إلى ظهور مجموعات مثل داعش.. صحيح أنه (داعش) ذهب إلى أبعد ممّا أراده السعوديون، لكنها أيديولوجية خطيرة جداً لا دور فيها لحقوق الإنسان من خلال ممارسة الدين"، وكتصور غربي لطرح البديل، أضاف مصرّحاً: "انّ السماح للرئيس المصري السيسي بسحق (الإخوان) يجعل داعش (الخيار الوحيد) لممارسة (الإسلام السياسي)، وأن تنظيم (الإخوان) يؤمن بالإسلام السياسي عبر صناديق الاقتراع والانتخابات"!!

جوهر الإشكال هنا؛ هو كيف يخرج "كينيث روث" عن الإطار المعلن لمهام منظمته، ويلج نفقاً معتماً ثم يتحول بدوره الى منظّر وخبير في "الإسلام السياسي" ليميز بين "الصالح والطالح" ومن هو الأصلح لـ"ممارسة الإسلام السياسي"؟! وهذا ليس مستغرباً في هذه المرحلة التي ينشط فيها المطبخ السياسي الغربي في إضفاء لمساته وتعديلاته على الطبخة المعدّة للمنطقة، وخصوصاً في شق الإرهاب التكفيري، وتهيئة البدائل التي تؤدي أدوارها بما ينسجم مع التطورات والمستجدات.

لقد تكشفت بتصريح "كينيث" المشار اليه، إحدى وظائف هذه المؤسسات والمنظمات "الإنسانية"، وهذا ليس "خروجاً عن النص" لها، بل هو انتقال الى مرحلة فيها الكثير من الجرأة، ضاربة بعرض الجدار كل الكلام الذي يقال بشأن انها ذراع خفية لأجندات الدوائر الغربية، وتلبي رغباتها في التدخل بشؤون الدول والمجتمعات، من زاوية "الدفاع عن حقوق الإنسان، والحريات المدنية، وإرساء الديمقراطية"!

ان المتتبع لأنشطة "هيومن رايتس ووتش" ونظيراتها المدعومة غربياً، يلمس انتقائية مقيتة وتعددية معايير مفضوحة، مع توقيتات مدروسة بعناية، اذ تصب جمعيها في سلة السياسات والمخططات الغربية المهيأة سلفاً لبلدان وساحات وبؤر بعينها، حتى غدت تلك المؤسسات في نظر الكثيرين مخالب السياسة الغربية التي تشهرها في أوقات وملفات معينة حينما تقتضي مصالح تلك السياسة! ولتقريب الصورة، كانت تلك المؤسسات والمنظمات "الإنسانية" تلامس قشرة الوقائع والأحداث في موضوع استباحة حقوق الإنسان وهدر دمه وكرامته بشتى الذرائع، والحِجر على حرية الرأي إبان الحكم الصدامي، وتحديداً ما قبل حرب الخليج الثانية (قبل أن يتحول الى "نظام إجرامي" في الخطاب الغربي)، وكانت تلك الاستباحة تفوق الخيال في مفاصل معينة، في حين كان تعامل تلك المؤسسات آنذاك مع الملف العراقي المتفحم لـ"حقوق الإنسان" يتّسم بالسطحية واللامبالاة والتعامي عن الحقائق! كما كان يتم الاكتفاء بـ"استنكار أو تنديد" بين فترات متباعدة، أو "مطالبات" خجولة وبعبارات لا تثير حفيظة وحنق النظام الصدّامي المدلل حينذاك، بيد انها -المؤسسات- كانت تتعمد في ذات الوقت تجاهل كل التقارير والمستندات والشهادات والأخبار التي تؤكد بوضوح بأن فرّامة النظام الدموي كانت ماضية في فرم المعارضين والمناوئين والأبرياء، واقتراف أبشع المجازر، والزج بعشرات الآلاف في السجون والمعتقلات، مع انعدام أية فرصة حقيقية في توفير حق الدفاع لأولئك، وصولاً الى المقابر الجماعية التي ميّزت حقبة ذلك النظام. فكان هذا المشهد التراجيدي يُصوّر من قبل تلك المنظمات والمؤسسات "الإنسانية" الدولية المرتبطة بالغرب على أنه لا يتعدى "اعتقال تعسفي لعدة معارضين"، ثم تذيّل تقاريرها بأنه "لم تتوفر معلومات دقيقة من مصادرة محايدة"! وكأن المطلوب أن يجلب كل ضحية (أو ذويه) وهم بمئات الآلاف، حزمة من المستندات "الدامغة" ليوثق لتلك المنظمات "المعلومات الدقيقة بحيادية"! ثم تتكرم تلك المنظمات أحياناً بإصدار بيان يندد بـ"الإجراءات المتبعة" أو يطالب بالحرية لأولئك المعتقلين (تعدّهم بضع أو عشرات) وضمان "حقهم في محاكمة عادلة"! وللمرء أن يتخيل كوميدية العبارة الأخيرة حينما توجه حينذاك لنظام دموي يرأسه الطاغية صدام! وعلى هذا المنوال كانت معاناة العراقيين توصف على أنها "تهويل إعلامي" يمارسه المعارضون للسلطة الحاكمة!

في المقابل، كنا نشهد وما زلنا حماساً ونشاطاً محموماً ومتابعة حثيثة مدججة بمخالب مشحوذة حينما يتم التعامل مع ذات ملفات "حقوق الإنسان" لدول "غير مرْضيّ" عنها غربياً، كإيران وسوريا والسودان وليبيا (إبان حكم القذافي)!

ان القراءة الواعية لتصريح "كينيث روث" الذي تصدّر المقال، تفضي الى ان الإعداد لبديل الإرهاب التكفيري المحموم في المنطقة وبقاع عديدة في العالم يتم بخطوات جادة، وتطفو على السطح بين الحين والآخر إشارات غربية تدلل على ذلك (وأحدثها التصريح المشار اليه)، بواقع ان هذا الارهاب ربما يصل قريباً الى محطة استنفاد أغراضه، وتتظافر عوامل كثيرة لتقريب هذا الأجل! ورغم الأدلة والمعطيات والقرائن التي تلاحق المطبخ السياسي الغربي بتورطه في صعود تنظيمات الإرهاب التكفيري، كداعش والنصرة ونظائرهما، وما كشفته الأجندات الغربية (بزعامة أميركا) في الملف السوري منذ بداياته عام 2011، رغم ذلك لم يتوقف الغرب أو يتحفّظ في موضوع تورطه بالتمهيد لاستلام تنظيم الإخوان المسلمين مقاليد السلطة في مصر بعد "الربيع العربي"، ولاحظنا كيف رحّب وبشّر هذا الغرب حينها بـ"عصر جديد" في المنطقة، وسوّق لحكم الإخوان على انه "يمثل تيار الاسلام السياسي الذي يؤمن بالعمل السلمي، والتعددية والديمقراطية"! ولكن سرعان ما انقلب السحر على الساحر، وتوضح زيف تلك المزاعم، حينما أطاح المصريون بالإخوان، ومن حينها دخلت الدوائر الغربية على الخط الساخن، وساندت تنظيم الإخوان و"حقه باسترداد الشرعية" بكل الوسائل، ووصف الغرب ما حصل ضد حكم الإخوان عام 2013 بـ"الانقلاب على الشرعية"، وما زال يتعامل (بصيغة أو بأخرى) مع الواقع السياسي المصري الجديد بهذا الفهم! كما احتضن الغرب قيادات الإخوان الهاربة وفتح لها حواضن تنشط لصالحهم حتى اللحظة! لذا فليس مستغرباً بعد القراءة الواردة، بأن تصر الدوائر الغربية بزعامة أميركا على تسويق تنظيم الإخوان (وهو يعيش ذروة هزيمته وانحطاط مقولاته وتهافتها)، مع ان الحقائق توضح ان التظيم كان ملهماً ومسانداً لنشأة كل حركات الإرهاب السلفي التكفيري، وداعماً لها (سّراً وعلانية)، وقد صرّح مؤخراً المجرم "الظواهري" زعيم القاعدة بأن الهالك "بن لادن" كان "إخوانياً"، وصرّح "القرضاوي" قبل فترة بأن زعامة داعش انحدرت من تنظيم الإخوان!

لقد أماطت الهزيمة المدوية للإخوان في مصر في 2013 اللثام عن عمق بئر الإرهاب "المستتر" الذي يغترف منه التنظيم على مدى 80 عاماً منذ تأسيسه المشؤوم، وكيف طفح إرهابه الى سطح الأحداث في مرحلة "التمكين" والحكم الإخواني بعد سقوط نظام مبارك، وكيف مارس الإخوان الإرهاب (في مدة حكمهم القصيرة) بأبشع صوره، قتلاً وتنكيلاً وتفجيراً واغتيالاً وسحلاً وحرقاً للأحياء أو رميهم من أسطح البنايات جهاراً! كما تجلى إرهابهم تآمراً على الشعوب والأوطان، ومصافحة علنية مع كل قوى الإرهاب التكفيري شرقاً وغرباً، واحتضان مجاميع منهم على أرض مصر، وتكرس هذا التعاون أكثر بعدما أصبحوا خارج الحكم؛ بل في قفص الاتهام، وما يحدث من أنشطة إرهابية يومية في مصر تشهد على ذلك، ويفتخر الإخوان به ويتبجحون باقترافه! رغم قتامة المشهد القائم، تنبثق "إيجابية" ربما أهدتها الظروف، وهي اهتراء أقنعة الغرب وما يضمره لمنطقتنا والعالم الإسلامي، وذلك عبر استماتته لإنقاذ للمشروع الإرهابي الإخواني في المنطقة، بعدما تلقى ضربات قاصمة في مصر وسوريا! كما تبنت الدوائر الغربية مهام إبراز المشروع الإخواني بأنه يحمل "خياراً ديمقراطياً" لشعوب عديدة في المنطقة، وعلى رأسها مصر، وانه -المشروع- يمثل نسخة "الإعتدال" في الإسلام السياسي، ونظرية الحكم البديلة عن "إرهاب القاعدة وداعش ونظائرهما"!

ان نظرة سريعة على المشهد الملتهب اليوم في منطقتنا، ستفصح عن وجود انسجام كبير بين المشروع الإخواني التآمري، وبين المشروع الظلامي للإرهاب التكفيري، وأفضل تكريس لهذا الانسجام، هو ما ينشط فيه شيخ الإرهاب التكفيري "يوسف القرضاوي" للمواءمة بين المشروعين وعلى انهما إثنان في واحد، مع فارق الأدوار والتكتيكات. ولم يعد خافياً انتقال الدوائر الغربية (في هذا الظروف الخطيرة) الى خطوات تسويق الإخوان على انهم "بديل" عن الإرهاب التكفيري، ويمكن "التعامل" معهم لأنهم يلبون شروط "إرضاء" الغرب في تبني "الإعتدال" وترويض الإسلام السياسي بما ينسجم مع المصالح والمخططات الغربية، حتى لو ملأت دوائر الغرب الدنيا صراخاً ضد "الأصولية" التي لا يتنكر منها الإخوان! ولو قُدّر لهذا التصور أن يتحول الى واقع في المستقبل القريب -لا سمح الله- فهذا يعني ان النفق الذي وُضعت فيه منطقتنا المنكوبة بفعل الإرهاب، كان يُعدّ له مَخرجاً واحداً يؤدي به الى إرهاب بنسخة أخرى، يتصدره "تنظيم الإخوان الدولي" والذي شهد -ويشهد- الجميع زيف "إعتداله" حينما مارس القتل والاغتيال والتفجير والسحل ودعم الإرهاب وإقصاء الفرقاء وتدمير الممتلكات العامة، كما تخبرنا بذلك اليوميات المصرية إبان حكم الإخوان الأخير، وبعدما أطاح بهم الشعب المصري (غير مأسوف عليهم). 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك