كنت صغيراً أجلس مع أبي, الذي كان كثيرا ما يستمع للأخبار, من إذاعة لندن وغيرها, سمعت بمصطلحات عدة عن العراق, فهو بلد مهد الحضارات, وأرض السواد, كما وصف بأنه غَنيٌ بالذهب الأسود! الذي عرفت فيما بعد أنه النفط. بلغت من العمر خمسة عشر عاماً, سمعت بتأميم شركات النفط, لينتعش الاقتصاد العراقي أيما انتعاش, لكن هناك كلمة كانت ترن في أذني, سمعتها من الإذاعة البريطانية, مفاده لقد أمم العراق شركات النفط الاستثمارية, وسيدفع الثمن عاجلاً أم آجلاً. فعلمت أنهم سينتقمون.
خططوا لاستنزاف الثروة, فافتعلوا الحرب العراقية الايرانية, التي وقفت رغماً عن مخططاته الشيطانية, فأدخلوا العراق بحرب أخرى, مع حصار أجهض الاقتصاد العراقي, فأصبح مُداناً! إلى أن تم إسقاط النظام الصدامي, ليبدأ عصر جديد, حصل الشعب على حرية التعبير, مع التحفظ من قبل بعض الساسة!
توالت الحكومات, ولم ينهض الاقتصاد العراقي, بالرغم من الموازنات الانفجارية, التي لم يشهدها البلد, منذ اكتشاف الذهب الاسود, لعدم تنسم من تليق به المناصب تخطيطا وإدارة! فقد سيطرت على غفلة عقول فاشلة, همها الثراء حتى ولو من السحت الحرام.
نجح ممثلو الشعب باختيار حكومة الأقوياء, من أجل إنقاذ العراق, وبما أن موازنة العراق, قد بنيت على ريع أحادي, فقد تسنم وزارة النفط, رَجُلٌ ذو اختصاص باقتصاد, إضافة لمقبوليته كسياسي داخليا وإقليمياً,
فما الذي قام به وزير النفط؟ يعلم المتابعين جيدا بالأزمات المثارة, بين الإقليم والمركز, فلم يقم بإذابة الجليد بطيئاً, إنما خرق الجليد المتراكم, لينفذ الى لب الأزمة, فعالجها, كطبيب جراح , يستأصل الورم الخبيث من جذوره.
كان الإتفاق بين الحكومة السابقة وحكومة أربيل, يتضمن تصدير 100000 برميل يومياً, مقابل دفع ملياري دينار عراقي الى الإقليم, بينما ضمن الاتفاق الجديد, تصدير150000 ب/ ي, من الإقليم, وليس كما يشاع, أنه من آبار كركوك.
توقف تصدير النفط من كركوك, بسب العمليات الإرهابية لسنين, نخرت الأنبوب الناقل, حيث تم سحب قوات الحماية, لعدم جدوى وجودهم, ليتم الاتفاق مع الوزير الجديد, على ربط آبار كركوك, بخط أنابيب الإقليم, مع وضع عدادات للسيطرة على الانتاج.
وكما يقول السيد الوزير" العراق أكبر من الأزمات, ولن ننحني للأزمات, ولكن سنحني الأزمات, فمن يخدم وطنه, لا مجال له إلا النجاح".
مع التحية.
https://telegram.me/buratha