رغم الضجة المُثارة, والجدل الدائر, منذُ شهرين أو أكثر, حول ضعف الموازنة, إلا أنني أعتقد أن في الأمر شيئاً من المبالغة, فالـ95 مليار دولار أو يزيد, رقماً قد لا تحظى به موازنات دول عديدة كإيران وتركيا ومصر, إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار فارق نسبة السكان بين العراق وتلك البلدان.
مع الفرض (في ضل التراجع الكبير لإسعار النفط ), أن ميزانيتنا لهذا العام تبدو شحيحة, ولا تكفي لسد حاجات البلد الأساسية, بسبب تكاليف الحرب المستمرة ضد تنظيم داعش الإرهابي, وكذلك ما ورثته الحكومة الحالية, من خواء مالي, بسبب الفساد, والسياسات الإقتصادية الفاشلة, والهدر غير المُبرر للميزانيات (الإنفجارية) كما أُطلق عليها, طيلة السنوات السابقة, وإذا كانت الحكومة والبرلمان الجديدان, يحاولان إيجاد صيّغ وحلول مناسبة ومقبولة لتمشية الأمور, من خلال وضع ضوابط تحدّد أوجه الصرف, وتقنين الإنفاق, وإعتبار هذه السنة, سنة تقشّف, فلا مانع لدينا (كشعب), من التنازل عن بعض حقوقنا, ومشاركة حكومتنا في حل تلك الأزمة, ولكن بشروط.
أولى تلك الشروط, تشريع قوانين, تكون مِلزمة وصارمة, لإستحصال الضرائب من الأثرياء, وأصحاب المشاريع الكبيرة, في القطاع الخاص, وكذلك أصحاب (الدرجات الخاصة), وكبار الضباط, وبنسبة لا تقل عن 50 % وتحقيق العدالة, في توزيع رواتب الموظفين, وتوحيدها حسب الدرجات, في جميع المؤسسات الحكومية.
و ثانيها, ضغط وخفض نفقات الرئاسات, وأعضاء البرلمان, ومجالس المحافظات, وإلغاء الإمتيازات, والإيفادات (بإستثناء الضرورية), وتقليص عدد الحمايات, و منع شراء سيارات جديدة, وأثاث جديد, لمكاتبهم, فحسب مختصين أنفق العراق حوالي 10 % من موازناته السابقة, على الكماليّات (السيادية)!!.
و ثالثها, إصلاح النظام القضائي, وإنشاء محكمة خاصة, تمتلك الحصانة المُطلقة, للتحقيق في كشف المفسدين, والسُرّاق, وإجبار المُشتبه بهم على الوقوف أمام قضاتها, وبشكل علني ومكشوف أمام الرأي العام, وإنزال أقصى العقوبات بحق من تثبُت إدانتهم, أياً كانت مناصبهم, و مواقعهم القديمة والحالية, (وبمناسبة الحديث عن المحاكم, أتمنى تشكيل محاكم عسكرية مؤقتة, تُحل بعد إنتفاء غرض تشكيلها, مثل (محكمة سبايكر), أو (محكمة سقوط الموصل), أو (محكمة هروب سجناء أبو غريب), وهكذا.. أعود لحديثي حول محكمة الفاسدين, حيث أقترح تسميتها, (محكمة من أين لك هذا).
و رابعها, تحريك الدعاوى القضائية بحق المتهمين بإختلاس أموال الشعب, من الهاربين خارج البلاد, والتّحري عنهم, والتنسيق مع الشرطة الدولية, لإلقاء القبض عليهم وجلبهم إلى بغداد.
و خامسها, التدقيق الشديد في الإستثمارات الممنوحة للشركات, خلال فترة (الولايتين المظلمتين), ومطابقتها مع التشريعات والقوانين, والأسعار الحقيقية السائدة.
و سادسها, تشكيل لجان (حقيقية) فاعلة ومتخصصة, مهمتها مراقبة المصروفات في جميع المؤسسات الحكومية, في بغداد والمحافظات, ولا بأس من الإستفادة من خبرات الشركات الأجنبية, في هذا الجانب.
و سابعها, حل المشكلات المالية والنفطية, العالقة, ما بين الحكومة الإتحادية وأقليم كردستان, بما يضمن حقوق وواجبات الطرفين.
و ثامنها, يجب, مغادرة (لعبة) كشف المسؤولين عن ذممهم المالية, فتلك حالة (صورية مُخادعة), أصبحت من السخريات, فيمكن لأي مسؤول, وبسهولة متناهية, أن يسجل أمواله وعقاراته بأسماء أقاربه ومعارفه.
و تاسعها, توفير الضمانات الصحية والمهنية والتقاعدية, للعمال والكسبة, وتأهيل المصانع المُعطّلة, والعمل على تنويع مصادرالثروة الحيوانية وتطوير الواقع الزراعي, في (بلاد ما بين النهرين), ومن الممكن أيضاً أن نُفيد من الدول المتقدمة في هذا المجال.
و عاشرها, رعاية العمال وذوي الدخل المحدود, وحمايتهم من جشع أرباب العمل, وإيجاد برامج حكومية تحفظ حقوقهم وكرامتهم, وتؤمن مستقبل عوائلهم.
و حادي عشرها, وثاني عشرها, و ...
حينذاك, سوف نتقشف ونحن (الممنونين), أما أن نتقشّف وغيرنا متنعّمين, وسُرّاقنا, لا زالوا يكرعون كؤوس المناصب والمواقع والإمتيازات, فذلك ما لا نقبله أبداً.
https://telegram.me/buratha