بين هُنيهات الأمل البعيد، وطول الطريق، ووعورة مسلكه، وشدّة ظلام الليل، وقساوة البرد، ونفثات السباع الساعية وراء فريستها، تسير تلك الطفلة البريئة، باحثة عن أمّ لها، غيّبتها يد الأقدار! تجفّ الدموع في مقلتيها، وقد أجتمعت حولها وحوشٌ ضارية، إذ يمتزج الأملُ بالألم، فتضطرب السماء، وتضرب بسياط البرق، وتصرُخُ بأزيز رعدها!
في مشهد السماء المهول؛ ملائكٌ تكادُ أن تُطفأ أنوارها، لشدّة ذهولها، رافعةً أصواتها بالتهليل والتقديس، والشياطين تصاعد لتسترق السمع، والشهب مُحجمةٌ عن المسير! يكاد الكونُ أن يتصدّع، والجبال تنهارُ متهاويةً عن السُحب بلا توديع، وأنبياء الله في منازل السماوات، تخرج من مخادعها، متسائلةً عما جرى! ياترى مالذي زلزل عرش الرب؟!
فزعٌ في كل مكان .. قامت قيامة الرب! حيث ظننا أنها تجري لمستقرٍ لها، فإذا بنا نحنُ من يحفرُ هاويتها، ويسجرُ نيرانها، والرب بريء مما يصفون! وها قد أغلِقت أبواب التوبة؛ بوجه السباع، وظلامِ الليلِ الذي حُكمَ عليه بالنور الأبدي، والثلج بالذوبان، والشياطين المغلولة، والشُهُب تحترق في مواضعها، وأولئك الساسة ..!
في زاوية من زوايا الأمل الموءود، في مشهد السياسيين؛ منهم من يرتشف الخمر، وسط جمعٍ من الغواني، تتراقص وتترنم مُطربة، تناغيهم بمودّة مصطنعة! وآخرون يحملون على أكتافهم، أحمالاً من أوساخ الدنيا، ممتلئة جيوبهم، وبطونهم، وأرصدتهم في المصارف، غير آبهين بما يجري، وإن إحترقت الأرض ناراً، وسُيّرت الجبال، وطويت السماء!
منهم من يفترش سجادة الصلاة، حاملاً قرآنه، وآخر يحمل إنجيله، يضمه على صدره، لا يعلمون أن غضب الربّ إن حلّ، فلا الصوم ينجيهم، ولن ترقيهم شمعة القدّاس، ولا كرامة لصومعةٍ، ولا كنيسٍ، ولا مسجد! فقد إجتمعت قوى الظلام في الأرض، على وأد تلك الطفلة اليتيمة، وقُتلت النفس الزكية، وقُضي الأمر!
على قارعة الطريق، ضرب المستضعفون أخبية العزاء، ماتت الطفلة المسكينة! ومازالت عدالة الربّ تلاحق الجناة، ماذا يرتقبون؟! إلا مزيداً من العذاب، ولن ينجو إلا من كُتب عليه، أن يُذبّح أبناءه بسكّين إبراهيم! وسط جمعٍ من الملائكةِ، تتلوا عليهم كتاب الرب: إنّ بطش ربك لشديد، إنّه هو يُبدء ويُعيد ..!
https://telegram.me/buratha