مشكلتنا نحن العراقيون، في كل حادثة تحصل؛ أننا نبقى نلف وندور في حيز تلك القضية، دون التقصي عن الأسباب والدوافع التي أدت الى ذلك، ومن يقف وراء تلك الحادثة، من الحلقات الظاهرة والخفية، كذلك فإننا نكتفي بالظاهر، ولا نسعى الى تشخيص العلل الأساسية!
قضية الفضائيين في المؤسسات الأمنية، التي طرحت في وسائل الإعلام مؤخراً، بدت وكأنها وليدة اللحظة! حيث أخذ الرأي العام، بالتهجم على الفضائيين، وعلى الضباط الذين اختلسوا تلك الأموال، وعلى وزير الدفاع السابق سعدون الدليمي، ولم يتم البحث في أصل المشكلة!
القضية أعمق من بضعة عشرات الآف من الجنود والشرطة الوهميين، في الحقيقة فإن المعضلة أكبر من ذلك، فمجمل الدولة العراقية تعاني من هذه المشكلة، ولا يقتصر الأمر على الوزارات الأمنية، بل يشمل جميع وزارات ومؤسسات الدولة. الفكرة أن الحديث عن جنود فضائيين، يسفه المشكلة الحقيقية، فالفساد في الرأس الضاربة جذورها في الدولة العراقية، فما هي قيمة 50 ألف جندي وهمي، قبالة مئات الآلاف من الموظفين الوهميين؟!
في بعض القطاعات كانت المسألة رسمية! كما في وزارة الصناعة مثلا؛ حيث آلاف الموظفين يتقاضون رواتباً بلا عمل، لأن المصانع نهبت أو دمرت، وكذلك ثمة آلاف من منتسبي التصنيع العسكري السابقين، يتقاضون رواتباً بلا عمل، وفي معظم مؤسسات الدولة هناك بطالة مقنعة!
على مستوى رأس هرم السلطة؛ 106 مستشار لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي. وحتى مجلس النواب أيضا فضائي! والدليل أن أكثر عدد حضر من الأعضاء، منذ الدورة الجديدة هو 235 عضو، أي أنه على الأقل 150 عضو فضائي بلحاظ أن معظم الجلسات تعقد ب 175 عضو.
بعضٌ من دوائر الدولة تعمل بإسلوب (الشفتات) في نصف الأسبوع يعمل نصف الموظفين، وفي النصف الثاني يعمل الأخرون! وفي وزارة العدل تذهب الى المحكمة، فيقال لك أن القاضي الفلاني يحضر الأربعاء فقط، وفي المجال الصحي، تذهب الى العيادة الأستشارية لمدينة الطب، فتقرأ على باب الطبيب الأستشاري، أنه يحضر الثلاثاء فقط!
كذلك في الجامعات؛ فإن معظم الأساتذة يلقون محاضرات في نصف أيام الأسبوع، وطلاب الجامعات أيضا فضائيين، يحضرون متى ما يعجبهم، أو متى ما رغبوا بلقاء زميلاتهم! نصف طلاب الصف في الجامعة على الأقل غير حاضرين! القضية تأخذ طابعاً عاماً وواسعاً في التعليم العالي الأهلي؛ إدفع قسطاً تنجح صفاً، ولذلك يصبح لدينا خريجين أميين! كذلك مديرة المدرسة الابتدائية، لديها عدد من المعلمات الفضائيات، مع العلم أن دروس الفضاء، لا تدرّس حتى في الجامعات، ناهيك عن المدارس الإبتدائية!
المفتش العام في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، يتحدث عن نسبة التزوير في معاملات رواتب شبكة الحماية، تجاوز 50%، وأن آلافاً من المزورين انتحلوا صفة (ضرير) لغرض استلام رواتب شبكة الحماية! والأمثلة كثيرة، في وزارة التجارة، ومسألة الحصة التموينية، التي أصبحت المعضلة الكبرى، وفي وزارة الكهرباء، والنفط ..الخ
أينما تلتفت تجد الثقافة الفضائية هي السائدة، فالمشكلة إذن عامة، ولا تخص فضائيوا القوات الأمنية، ولا تنحصر بالمواطنين دون المسؤولين، ولا بفئة دون أخرى، وحل المشكلة، إنما يكون بوضع إستراتيجيات لتسيير أمور الوطن، تكون قادرة على إستيعاب معطيات الواقع، وتعمل على تحجيم الخلل البنيوي في كيان الدولة.
https://telegram.me/buratha