المقالات

في الطّريقِ الى كربلاء () السّنةُ الثّانية

1124 11:14:08 2014-12-07

انّ الملايين الزّاحِفة اليوم الى كربلاء، حيثُ مثوى الشهيد بن الشهيد، في مسيرة الاربعين، تحيي في كلّ خطوة ذكرى التضحية العظيمة التي اقدم عليها الامام الحسين بن علي السبط عليه السلام وأهل بيته واصحابه الميامين.
وانّ قيمة التضحية تأتي:
أولاً؛ عندما يَقدِمُ المرءُ على التضحية في زمن الخضوع والخنوع، فليس من الرّجولة بمكان او من الشجاعة بمكان ان تضحّي بشيء ما عندما ترى الكلّ يضحّي، فقد لا تكون تضحيتك هذه عن قناعة وإنما قد تُجبرُ عليها خجلاً او من اجل ان لا تشذّ عن الآخرين، اما المبادرة للتضحية في وقت لم يبادر اليها احدٌ لأي سبب من الأسباب، فتلك هي قيمة التضحية.
ولقد ضحّى الحسين (ع) عندما استكان الآخرون وخضعوا للحاكم الاموي الظالم إما خوفاً او طمعاً او هرباً من المسؤولية او لأي سبب كان.
ثانياً؛ عندما يختار المرء وقت التضحية ومكانها بنفسه فلا تُفرضُ عليه فرضاً او يُجبر عليها.
قيمة التضحية عندما تختار وقتها ونوعيتها بنفسك، فلا تضطرّ لها او تُجبر عليها، فستكون (مُجبرٌ اخاكَ لا بطلُ).
ولقد اختار الامام الحسين السبط (ع) التضحية بملء ارادته فلم يفرض عليه النظام الاموي شيئاً منها، وهكذا بقية شهداء كربلاء، فلقد كانت الظروف ملائمة لهم للهرب من التضحية والنجاة بأنفسهم، خاصة وان الامام أجاز لهم اكثر من مرة ان ينسحبوا من المعركة، فالقوم كانوا يطلبونه فلو طلبوه لاكتفَوا به دونهم، على حدِّ قول الامام عليه السلام، الا انّهم جميعاً اختاروا الشهادة بملء ارادتهم، فيما هرب منها او رفضها اخرون على الرغم من ان الامام دعاهم اليها.
ثالثاً؛ عندما يضحّي المرء من اجل المُثل العليا والقيم الرسالية، اذ كلما كان الهدف أسمى كلما زادت قيمة التضحية، والعكس هو الصحيح، ولذلك ترى الانسانية تميل بفطرتها لتخليد التضحية اذا كانت لهدف انساني نبيل، وهذا ما لمِسَتْهُ في تضحية سيد الشهداء عليه السلام، فلقد ضحى الامام من اجل قيم نبيلة ومثل عليا هي ليست دينية او قومية او ما أشبه، أبداً، وإنما هي قيم إنسانية يعشقها ويتغنّى بها ويتمناها ويحرص عليها كل انسان بغضّ النظر عن دينه او اثنيّته او لونه او جنسه او حتى خلفيته الفكرية والعقدية والسياسية وما الى ذلك، انها قيم الكرامة والحرية والمساواة والعدل، فقال عليه السلام {ألا وإنّ الدّعي بن الدّعي قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة وهيهات منّا الذّلة يأبى الله لنا ذلك، ورسوله والمؤمنون، وحجورٌ طابت وطهُرت، وأنوفٌ حميّة، ونفوسٌ أبيّة من أن نؤُثر طاعة اللّئام، على مصارعِ الكرام}.
رابعاً؛ وتعظُم قيمة التضحية عندما يجود بها المرء عن قلّة ما في اليد، فان تعطي الفقير درهما وانت ثريٌ متمكنٌ فليس في الامر تضحية أبداً، اما ان تعطيه فلساً وانت لا تملك الا قوتَ يومِك، فتلك هي التضحية، وهذا ما فعله الامام الحسين (ع) فلقد بادر عليه السلام للتضحية وهم قليلون، فكانت تضحيته عظيمة وقيمتها كبيرة، فقال عليه السلام يحدثنا عن ذلك {الا وانّي زاحفٌ بهذه الأسرة على قلّة العدد وخذلان النّاصر}.
خامساً؛ واخيراً، عندما تكون التضحية بأغلى ما عندك، فليس من التضحية في شيء ان توفّر الحياة لنفسك وتقدّم غيرك للموت، انما التضحية كل التضحية اذا تقدّمت الصفوف للتضحية ودعوت الآخرين لها، وهذا ما فعلهُ الامام الحسين (ع) فهو لم يجلس في خيمة القيادة يدعو الناس للتضحية، كما انه لم يُمسك أولاده ليحثّ الآخرين لتقديم اولادهم، ابداً انما قال لهم {نفسي مَعَ انفسِكم وأهلي مَعَ اهليكُم}.
وما اروع ان نتعلّم التضحية من كربلاء، فـ:
/ نبادر للتضحية عندما نؤمن بقضية.
/ لا نضحّي الا من اجل قضية مقدّسة وهدفٌ سام، شخصيّ كان ام عام.
/ لا نخجل من التضحية بالقليل، فان عدم التضحية اقل منه.
/ لا شيء نحصل عليه بلا تضحية، سواء على مستوى الفرد، او على مستوى الجماعة، فالتعليم بحاجة الى تضحية، كما ان الحرية تحتاج تضحية، وكذا الأمن والاستقرار الذي ننشدهُ اليوم للعراق في ظل الهجمة الإرهابية التي يتعرض لها من قبل التكفيريين القتلة، وان التضحيات الجسيمة التي يقدّمها أبناء القوات المسلحة وأبناء الحشد الشعبي، ما هي الا مصداق من مصاديق التضحية الحسينيّة العاشورائيّة الكربلائيّة التي سيستقر بسببها العراق باذن الله ويتعافى من العنف والارهاب.

/ وهذا هو الفرق بين تضحياتنا وتضحياتهم، فنحنُ نضحّي من اجل الحرية وهم يضحون من اجل العبوديّة، نضحي من اجل العزة والكرامة، وهم يضحون من اجل الذل والخنوع والخضوع، نضحي من اجل الحياة ويضحون من اجل الموت، نضحي من اجل الحق والعدل والنور، وهم يضحون من اجل الباطل والجور والظلام، نحن نضحي من اجل الحسين (ع) وهم يضحون من اجل يزيد، وكفى بذلك لنا فخراً ولهم ذلاً، لنا نجاحاً ولهم فشلاً، لنا رفعةَ رأسٍ، امّا لهم فرؤوسهم منكوسة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك