يعتقد بعض الناس أن الطائفية وليدة الدين والتمذهب، ولكنَّ هذا خلاف الواقع، لو عُدنا إلى الوراء، ليس بعيداً، إلى جيل آباءنا وجيلنا، الذي عاصر حقبة الفاشية البعثية القومية، كانت كلمة "شروكَي" هي المحور الذي يدور عليه التعامل الطبقي داخل السلطة.
بعد تخرجه من دراسته الأكاديمية، دخل أخي(محمد) إلى معسكر التدريب للإلتحاق بالجيش، وقبل أن يتم نقله إلى الوحدة العسكرية، جاءت مجموعة من إحدى الأجهزة الأمنية لتختار بعض المتدربين، للخدمة في أجهزتهم، فكان أخي ممن إختاروهم للوهلة الأولى، فقد كان طويل القامة، أشقر الشعر، أبيض البشرة، وأخضر العينين؛ لكن كل هذا لم يشفع له حين عَلموا أنه " شروكَي"، من خلال لقبه المكتوب في جنسية الأحوال المدنية.
كان اللقب له الريادة في كل شئ، ثم توسع الأمر ليكون مناطقياً، و(ثلثين الطكَ لأهل ديالى)، فأصبحت منطقة السكن، أيضاً لها ريادتها الخاصة، فما كان عليك سوى أن تقول: أنا من الجنوب، حتى يقال لك: أمممم شروكَي! بتهكمِ وإستهزاء، وأنت لا تعلم ما الذنب الذي إقترفته يداك، ألحبكَ وطنك!؟ أم لدفاعك عنه!؟ أم لسكنك أرضه أباً عن جد!؟ أم للهجتك ولغتك التي تحمل كلمات السومريين والأكديين!؟ آه.. نعم لقيت نسيت اللغة! فما كان عليك أن تنطق: جا، فيأتيكَ الرد: عوووع شروكَي!
يا أنتَ، إسمعني جيداً: لقد كَبرتُ، وعلمتُ أنك كنتَ تمدحني، من حيث لا تشعر، أنا أبن أسماعيل الذي فجر الربُ لهُ زمزم، أنا أبن إبراهيم الذي خمدتْ له النار، أنا أبن بابل أرضَ إبراهيم الخليل...أبي، أنا أبن أكبر حضارتين سكنت الأرض، أنا أبنُ من تدعي الإنتساب إليهم أيها العربي!
كنت أتسائل: لماذا إختار أهل بيت النبوة العراق؟! بالرغم مما لاقوه من المتاعب من سكانها؟ لكن زال عني التعجب، ووجدت جواباً لحيرتي، فقد قال الإمام علي(عليه السلام): إنما نحنُ قومٌ نبط(أي من سكنة بابل، النبطيين)، ووجدت الأمام الصادق(عليه السلام) يخاطب أرض الكوفةِ وما حولها، قائلاً: ما أطيبَ ترابكِ، وأخبث أكثر سكانكِ، واللـ... لا تدور الأيام حتى يهفوا إليك كلُّ مؤمن ومؤمنة.
يا أنتَ، أنا من تشتاق أرضي لدمي، أنا من تتشابك أرضي بطينها مع أصابع قدمي، حين تُخرج لي خيراتها، أنا مَنْ جعلتني أمشي عليها كالأسد في العرين، أنا مَنْ أشتاقُ لحضن أرضي، والنوم بين جنباتها مطمئنا،ً حين تطلبني للذودِ عنها، أنا كَلكَامش، أنا حمورابي، أنا سرجون، أنا علي، أنا الحسنين، أنا الحكيم، أنا الصدر، هذا أنا... فيا أنتَ، أينكَ مني!؟
https://telegram.me/buratha