لا تخلوا الدول أو الأمم التي تتكون من عدة طوائف من مشاكل, أو إحتكاكات تحصل لأسباب, تعلق بنوع الإختلاف بينها, دينيا كان أو مذهبيا, قوميا كان أو غير ذلك.
مع بداية عصور الخلافة الإسلامية الأولى, أنقسمت الأمة الإسلامية بين مؤيد لأهل البيت وحقهم بتولي الخلافة,وكما نصت عليه أحاديث كثيرة, وهم شيعة أهل البيت, ومعارض لذلك, سمّوا السنة أو الجماعة, وكل لديه أدلته وما يستند عليه في مواقفه, وأنشق عنهم طوائف مؤيدة ومعارضة, تطرفت بعضها فكفرت الأخر, بل أن بعضها أخرجه من الملة وأباح قتله حتى.
لم يسلم العراق من تلك المشكلة, لكنها تهدأ غالبا, وتثار أحيانا, وتراق الدماء فيها, ورغم أن العصر الحديث, شهد حكم الأقلية السنية للغالبية الشيعية, نتيجة لخطأ إستراتيجي من الشيعة, بعدم تعاملهم مع المحتل, بعد سقوط الدولة العثمانية, كما يراه بعض المحللون, وإستعداد زعماء السنة, لتولي السلطة بأي ثمن حينها.
بعد سقوط نظام حكم البعث, والإحتلال الأمريكي للبلد, تغيرت المعادلة, فقاوم الشيعة المحتل بمختلف الأساليب, فكانت مقاومة مسلحة من بعض الفصائل, فيما عمل الساسة, ومن خلال مشاركتهم بالحكومة, بأسلوب الضغط السياسي والدبلوماسي, والاستفادة من العلاقات الواسعة, التي امتلكوها خلال سنوات المعارضة, على إخراج المحتل, و المرجعية تدعم هذا العمل بمختلف توجهاته, بطريقتها الغير مباشرة المعهودة.
كرر السنة ما فعله الشيعة سابقا, فلم يشاركوا بداية, بحجة أن التعامل مع المحتل هو خيانة, وأن مقاومته واجب ديني ووطني, وأن الحكومة التي تشكلت بوجود الإحتلال غير شرعية, بل وأوصلوا الأمر أبعد من ذلك, فصار غالبية الشعب العراقي صفويا, وعميلا لإيران, بحكم تشابه المذهب, وخونة بحكم تعاملهم مع سلطات المحتل, التي تواجدت بقوانين دولية مفروضة, لم يكن لأي فرد من الشعب العراقي خيار فيها, فما الذي يحصل اليوم؟!.
قبل الخوض في إجابة هذا السؤال, لنسترجع أحداثا تاريخية قريبة, فعند دخول الانكليز أوائل القرن الماضي, قاومه الشيعة, ودعموا الدولة العثمانية, لأن ظاهرها خلافة إسلامية, رغم أنها ناصبتهم العداء, فكانت النتيجة أن تسلم النقيب حكم العراق بالتعاون مع المحتل, وأقصي الشيعة منها تماما؟!.
عند سيطرة البعثيين على الحكم, كان أغلب الجيش الذي حارب إيران, مشكلا من الجنود الشيعة, وهم من كانوا ضحيتها, وقلة من الضباط والقادة السنة, وبعد نهاية الحرب, كان إدعاء النصر والتكريم للضباط والقادة, وكرم الجنود بأن منحوا حريتهم في التسريح من الجيش, بلا عمل ولا مستقبل؟!.
مع قرار أمريكا بإزالة حكم الطاغية صدام, وعند نزول قواتها, فمن قاوم تلك القوات, كانت مناطق البصرة والناصرية والنجف, وكلها مناطق شيعية, فيما دخلت القوات إلى مناطق, تكريت والرمادي, بإتفاق بين شيوخ تلك المناطق والقوات المحتلة, ودون إطلاق رصاصة واحدة؟!.
بعد تشكيل النظام الجديد, وتولي حكومة من الغالبية الشيعة مقاليد الحكم, قاتلها كثير من أبناء السنة, بحجة مقاتلة المحتل, وأنها عميلة للمحتل, وراح ضحية ذلك الكثير من الأبرياء, بأسلوب قتل قذر, لا يفرق بين المقاتل والمدني, أو الطفل والمرأة.. لا أدري كيف توصف تلك الأفعال بأنها مقاومة؟!..فيما مقاومة الفصائل الشيعية للمحتل, ندر أن ذهب ضحيتها أبرياء من المدنيين العزل, وبغض النظر عن هويتهم أو مذهبهم.
اليوم مجلس الأنبار, أهم منطقة سنية, يطالب بدخول القوات الأمريكية إلى مناطقه, لحمايتها من داعش.. عجيب, ما حدا مما بدا؟!أو ليسوا هم نفس المحتل الذي أدعوا قتاله؟! وذبحوا الأبرياء بأسمه؟!
بالأمس كانت الحكومة عميلة للمحتل, وصنيعته ويحركها المحتل, اليوم طلب مباشر, وبالأسم للقوات الأمريكية؟!
هل أختلف المقياس؟ أم أن الكلام الأول خداع, والآن هي الحقيقية؟ أم العكس هو الصحيح؟.
أم أنها..قسمة ضيزى؟
https://telegram.me/buratha