المقالات

المتنبي يستنطق النخوة والقيم في قصيدته "على قدر أهل العزم"

2415 18:41:42 2014-10-10

يعوز تحليل النص الشعري طائفة من المسائل والمباحث تحدد ملامح فهمه والتوصل إلى مغزاه وترسم معالم هذا الكائن الذي يكتنز في داخله روح المعنى المتجذرة في أحشاء النتاج الشعري, التي تظهر بخطوات عدة تفهم من الفكرة المهيمنة والخيال الشعري الذي يُظهر لوحات ثلاث، فضلا عن لغة النص بمستوياتها الصوتي والصرفي والتركيبي للوصول إلى ثمرة القصيدة. 

إذ تتمحور القصائد حول طائفة من الأفكار تنساب في الكائن الشعري محملة إياه فكرة رئيسة تقوم عليها البنية العميقة للنص وتوظف لها جلّ الأدوات الشكلية والمضمونية وما تثيره المصطلحات النقدية كأفق التوقع وشفرات الخطاب النصي والبنى الأسلوبية وغيرها مما يدعم هذه الفكرة ويقوي أساساتها في بناء مشيد يحيط بأهدافه؛ ويضاف إلى هذه الفكرة الرئيسة أفكارا ثانوية أخرى تتنوع بتنوع احتياجات الملقي والمتلقي, وهذا التنوع عرفت به القصيدة العربية منذ عصرها الجاهلي حتى العصور المتأخرة, وعصر المتنبي واحد من هذه العصور التي نسج شعراؤها قصائدهم فضمّنوها أفكارا وموضوعات متعددة كالغزل والطلل والخمريات والمديح والهجاء والفخر وغيرها من الأغراض التي عرفها الشعر العربي.
وليست قصائد المتنبي ببعيدة عن هذا التنوع فهو يقول للفخر ومعه يذكر العتاب أو المديح, أو أنه يأتي بالمديح ثم يرفد بوصف الطبيعة أو غير ذلك من التنوع الذي فرضته البيئة بتنوعها وتنقله فيها, فضلا عن البدائية التي ورثت عن الشعر القديم.

لذا فالتنوع في الأفكار وتعدد الأغراض في القصيدة حتى العصر العباسي هو أمر طبيعي, ولا يكاد شاعر يخرج عن الأفكار الفسيفسائية التي تتعاور على القصيدة، ولكن الأمر مختلف هذه المرة في قصيدة "على قدر أهل العزم" التي حشد الشاعر لها طاقاته الفكرية واللغوية ووظفها في خدمة مدح سيف الدولة الحمداني, والقصيدة على كثرة أبياتها لم تغادر المديح لرجل ارتبط به الشاعر ارتباطا وثيقا حتى راح النقاد يصفون العلاقات القائمة بينهما بأنها من أعمق العلاقات الإنسانية في تاريخ الشعر.

وقد وظّف الشاعر جل طاقاته وطاقات القصيدة بفضائها لهذا الغرض الذي سخر له الفاعلية النفسية والفاعلية المعنوية بإنساق بنيوية ماج فيها الإيقاع راسما ملامح نتاج أدبي ظل يمور في أحشاء الأدب ليكون في مقدمة النصوص الخالدة, ويدل على ذلك تأجج ملامح الفروسية والقوة التي تتطور صعودا من بيت إلى آخر لتصنع فارسا شجاعا يستقر في مخيلة المتلقي ولا يغادرها, وحسب ذلك قوله في القصيدة: 
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم 
هل الحدث الحمراء تعرف لونها وتعلم أي الساقيين الغمائم 
سقتها الغمائم الغر قبل نزوله فلما دنا منها سقتها الجماجم 
وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائم 
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ووجهك وضاح وثغرك باسم 
تجاوزت مقدار الشجاعة والنهى إلى قول قوم أنت بالغيب عالم 

وغيرها من الأبيات التي وردت في القصيدة وهي تحمل سمات المديح التي تلحظ جلية في صياغات اللغة بمستوياتها الصوتية والصرفية والتركيبية والدلالية التي تذكر في حينها وحسبنا منها ضمير المخاطب الكاف وكذلك التاء اللتان لحظتا في قوله "وقفت- كأنك- وجهك- ثغرك- تجاوزت- ضممت..." وغيرها مما يكثر وروده في هذا النص الشعري.

لذا فالقصيدة تحمل غرضا شعريا واحدا وتسيطر عليها فكرة مهيمنة واحدة ليس أكثر, والذي يطفو من هذه الفكرة هو عنوان المدح الذي ظل لصيقا بالقصيدة من أولها إلى آخرها, وهي فكرة ظاهرة على السطح في المعنى الأول؛ ولكن معنى المعنى الذي يظهر من تتبع شفرات النص يشير إلى دلالة ثانية قابعة خلف المعنى الظاهر تؤججها خلجات الشاعر وارهاصاته التي راحت تستنهض معاني البطولات العربية وأمجادها التي تظهرها الألفاظ تارة, وتارة أخرى تنساب من البنى المتحولة عن اللغة واستنباط المعاني في القصيدة ومنها قوله: 
هنيئا لضرب الهام والمجد والعلى وراجيك والإسلام أنك سالم 
ولم لايقي الرحمن حديك ما وقي وتفليقه هام العدى بك دائم 

وخلاصة الفهم للفكرة هي كونها فكرة مهيمنة واحدة قائمة بذاتها لا تنصرها أفكار ثانوية, وظاهر هذه الفكرة وما جاءت له القصيدة وهدفها هو مدح سيف الدولة ولكن باطنها الماكث بتجذر هو التفاخر بالمجد العربي واستنطاق التوحد بين مكونات المجتمع الذي ظهر انفراط عقده في عهد المتنبي فتحول إلى دول تتقاسمها الأعاجم, وتحتوشها القوميات غير العربية كالرومية والفارسية والمماليك وغيرهم, مما دفع الشاعر إلى أن يجعل سيف الدولة رمزا للعروبة ووحدتها, وأن يصوره مظهرا من مظاهر قوتها وشجا

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك