كنت جالساً يوماً ما في مَحَلٍ, يبيع العباءة العربية, كان يجلس رجلان كبيران في السن, تكلم أحد هما فقال: كم يُحِبُ الخالق العراق, حيث وضع به ألحضارة, واختاره ليكون مَهدَ الأديان, ومرقداً للأنبياء والصالحين.
فبادره الرجلُ الثاني قائلاً: بل قل كم نحن جاهلون ومنافقون! بحيث أرسل لنا الباري العزيز, هذا العدد من الرسل والأولياء, فلم نتعظ ولم نرتضي لأنفسنا, أن نكون سادة العالم, بل جهلاء خاضعين, ننعق مع كل ناعق!
بقيت هذه الكلمات راسخة في ذهني, كأنها كلمات مسمارية, تم حفرها, من قبل كاتب سومري أو آشوري حاذق. بين فترة وأخرى, تُراودُني أفكاراً كأنها هذيان مجنون, فينشغل عقلي بأسئلة تُحيرني, هل أصبحت انساناً غير طبيعي؟
نحن العراقيون, كما نقرأ في دروس التأريخ, بكل مراحل الدراسة, شَعبٌ ذو فكر واسع مبدع, فأول الحضارات هنا, بابل حمورابي, آشور شلمنصر, أور أتوحيكال الملك, الزقورة والقيثارة, إمبراطوريات غزت العالم, ملوك يهابهم العالم, قوانين مكتوبة برمزية على اسطوانات ورقم طينية, تحدد مناحي الحياة, كيفية التعامل مع العقوبة لمن يخالف, لكِنَّي لَم أجد من تلكم القوانين تطبيقاً.
بُعث الاسلام في بيئة جاهلية, وسط جزيرة العرب, دخل العراق ألمُمَزق, مابين شرقي وغربي, كالحمل يتعاركُ عليه ذِئبان, مع ثعلب ماكر, رابضٌ في أقصى الشمال, متحينا ألفرصة, ليأتي على ما تبقى من الفريسة! الإسلام دين التشريع ألكامل, والمعاملة الطبيعية بين الإنسان وأَخيه, عبادةٌ للواحد الأحد, رسولٌ كريم, أخوة ومحبة.
أرى نفسي عندما أقرأ تلك الايام, أني في عالم مثالي, فأُفاجأُ بإنتكاسة الأفكار الإسلامية الإنسانية, فأول ما قام به الأعراب بعد وفاة حامل الرسالة, إغتصاب للحكم, قتلٌ لأحفاد الرسول ص, سبيٌ لنسائه من بلد الى بلد! حيث جرت الواقعة الكبرى في كربلاء ألعراقية, وكأنهم يقولون: يجب ذبح الإنسانية في مهد ألحضارة.
غَضَبَ الرحمن على الأمة فسلط عليهم شِرارَهُم, أراد لهم أن يرتقوا, فأبوا إلّا الهبوط إلى أدنى الرتب, فتعساً لقومٍ حُمِّلوا أرقى رسالة, لم يُكَلفوا أَنفُسهم بالحِفاظ عليها.
فمتى تتم صحوة العراقيون؟ ليختاروا طريقهم الحقيقي, الذي أراده لهم رب الكون, ليقودوا العالم إلى بر الأمان, بعد الخلاص من الطغيان.
بدل التباكي على التأريخ السحيق, والتباهي بأول حرف, كأن الرحمن لم يقل في سورة العلق/5" عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ".
قبل أن يبتلع العالم سَيل من الدماء كالطوفان, فما نراه اليوم هو كأيام الجاهلية الأولى, ما بين قتل وسبي نساء وإغتصاب, ناهيك عن التخريب وسلب الأموال.
لِحِين تَحقيق المعقول, أبقى تائهاً كالمجنون, عسى أن أجد المجهول.
مع التحية.
https://telegram.me/buratha