المقالات

المصالحة الوطنية في العراق بين الشعار والتطبيق

2384 23:54:12 2014-09-15

يعود تعبير المصالحة الوطنية إلى الزعيم الفرنسي التاريخي شارل ديغول، وقد استخدمه فيما بعد على التوالي كل من جورج بومبيدو وفرنسوا ميتران، وذلك عندما رسخ عندهما الاعتقاد بضرورة تحمل مسؤولية محو ديون وجرائم الماضي التي وقعت تحت الاحتلال أو إبّان حرب الجزائر. واستخدم مانديلا هذا المفهوم في جنوب أفريقيا عندما كان قابعاً في السجن، إذ رأى أن من واجبه أن يضطلع بنفسه بقرار التفاوض حول مبدأ إجراء العفو العام، الذي سيتبع أولاً عودة منفيي المؤتمر الوطني الإفريقي ويطمح إلى مصالحة وطنية، بدونها سيكون البلد عرضةً لمزيد من الاحتراق وإراقة الدماء التي سيقف وراءها الانتقام بكل تأكيد.

ويطلق مفهوم المصالحة بشكل عام على الحالات التي يكون فيها  طرفان متعاديان ومتخاصمان ومتحاربان وليس مجرد مختلفين  في الرأي والرؤى الايديولوجيه وغيرها من الأطروحات الفكرية  حول قضية ما من القضايا . 

والمصالحة كمشروع طويل الأمد تعني انجاز توافق وطني  بين مختلف مكونات المجتمع ، وبالتالي فأن المصالحة ليس تعبير عن مرحلة معينة بذاتها وإنما إطار عام واستراتيجي وهي بالتأكيد تحتاج إلى توافق وطني يستهدف تقريب وجهات النظر المختلفة ، وسد الفجوات بين الأطراف المتخاصمة أو المتحاربة . فالمصالحة أذن درجةٌ ساميةٌ في درجات النضج السياسي للدولة وكذلك تشير إلى الوعي السائد بين أفرادها، وتدل على اكتمال رشد الدولة ومؤسساتها والتطور الثقافي والسياسي واستقامة الممارسات فيها . 

وهناك من يُعرّف المصالحة بأنها تنشأ على أساسها علاقة بين الأطراف السياسية والمجتمعية ، وتقوم على قيم التسامح، وإزالة آثار صراعات الماضي، من خلال آليات محددة وواضحة وفق مجموعة من الإجراءات الهدف منها الوصول إلى نقطة الالتقاء ، بينما يعدهاّ البعض الآخر صيغة تفاهم بين أبناء الوطن الواحد للوصول إلى برنامج متفق عليه لإنقاذ الوطن من أزمته ووضعه على الطريق الصحيح أما المصالحة بالمعنى الشامل فهي ، توافق وطني يستهدف تقريب وجهات النظر المختلفة، وسدّ الفجوات بين الأطراف المتخاصمة أو المتحاربة، وتصحيح ما ترتب عليها من أخطاء وانتهاكات وجرائم، مع إيجاد الحلول المقبولة، وذلك لمعالجة تلك القضايا المختلف حولها بمنهجية المسالمة والحوار، بدلاً من منهجية العنف وإلغاء الآخر، والنظر بتفاؤل إلى المستقبل والتسامح مع الماضي وترسيخ المشاركة وتعميق لغة الحوار . ويعتمد النهج الحقيقي للمصالحة الوطنية على إيجاد حلول للقضايا الأساسية في الصراع، والعمل على تغيير العلاقات بين الخصوم من الحقد والعداء والكراهية إلى الصداقة والوئام والشراكة، ولا بد أن يكون الجميع على قدم المساواة في الحقوق والواجبات ،

ومن هنا نقول أن المصالحة الوطنية الحقيقية التي نريدها ، لا تعني أن يتساوى فيها الضحية والجلاد ، لأنها في النهاية مصالحة مع الذات أولا ومع الشركاء الذين لا بد لهم من الإيمان بأن القتلة والمجرمين خارج نطاق المصالحة والتسامح . ولذا فأن المصالحة لا تعني نسيان الآلاف من الشهداء والمعتقلين والمجازر البشرية في الأنفال وحلبجة والمقابر الجماعية وسياسة الظلم الممنهج للإنسان العراقي والاضطهاد التي عاشها العراقيين في الحقبة المظلمة من نظام البعث الفاشي على امتداد 35 سنة من دون محاسبة قانونية أو تطبيق العدالة بحق مرتكبيها . كما لا يمكن أن نتصالح مع الإرهاب والمجرمين الذين سفكوا الدم العراقي تحت عناوين الجهاد والمقاومة ، وكانوا الامتداد الحقيقي للبعث وفلول النظام البائد الذين يحلمون بإعادة المعادلة السابقة في الحكم والتسلط . ولكي تكون المصالحة حقيقية وواقعية علينا تطبيق المسؤولية الجنائية والمدنية على جميع من ارتكب الإجرام والإرهاب بحق الإنسان العراقي ، والاعتراف الصريح بالمعانات التي سببتها تلك الأفعال وإدانتها .

فالمصالحة هي شكل من أشكال العدالة الانتقالية التي تكون ضرورية لإعادة تأسيس الدولة على أسس شرعية قانونية وتعددية وديمقراطية في الوقت ذاته. لكن المصالحة تتطلب نوعاً من الصفح والشخص الوحيد الذي يملك صلاحية الصفح هو الضحية، ولا يحق لأي مؤسسة أن تتدخل كطرف ثالث . وفي العراق نسمع الكثير عن مشروع المصالحة الوطنية والمشاركة في العميلة السياسية من اجل بناء عراق ديمقراطي اتحادي حر تعددي،ولكنها وللأسف الشديد لم تكن بمستوى المرحلة أو توازي الطموح ، حيث لم يتم التعريف الحقيقي للمصالحة ، ومع من تكون ، ولصالح من ، والكثير من مشاريع المصالحات كان حبر على ورق ولم نرى الآليات والبرامج الواقعية للتطبيق والتي يمكن لها أن تحوله من مجرد شعارات وخطابات سياسية إلى واقع عملي ومدروس يرتقي إلى ثقافة التسامح بين المكونات وحتى الأحزاب والتيارات السياسية المتنازعة والمتخاصمة على السلطة .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك