الحقيقة التي يجب أن يعيها الجميع، وأن يسلم بها القاصي والداني، وأن يثقف عليها الحاضر والبادي هي أن عهد التهميش والاقصاء وامتهان الآخر قد ولى الى غير رجعة. ومن يحاول الغاء بقية مكونات الطيف العراقي واحتكار القرار فهو غارق في وهم الحكم الفردي الشمولي الذي لم يعد له مكان في العراق. وأن حكومة الوحدة الوطنية ليست شعارات فضفاضة ولا لافتات براقة للتسويق والاستهلاك المحلي بل هي حكومة تستوعب كل اطياف ومكونات الشعب العراق الصابر دون استثناء أو تمييز. ومن هنا -وتأسيسا على هذه الحقيقة- نصّر على إشراك الجميع في الحوارات والمباحثات للحيلولة دون الانفراد بطرح الآراء والأفكار مهما كانت بساطتها بحيث يعرف المشاركون أن مقترحاتهم محل تقدير وترحيب وأن قبولها ورفضها متعلق بمدى ملائمتها للوضع الجديد، وبالمقدار النفعي الذي يصب في خدمة المجتمع وبناء العراق الجديد، كما أن رفضها بسبب أو لآخر لا يعني تهميش أو إقصاء مقترحيها. لا بل يتجاوز الأمر ذلك ويتعداه عند مناقشة القرارات الهامة والتي على تماس مباشر بالحياة اليومية للمواطن الى إشراك مؤسسات المجتمع المدني ليتسنى للرأي العام الاطلاع على الأهداف المرجوة من ذلك القرار قبل أن تفاجئ الجماهير بمفرداته المعلنة.
إن مرحلة الشد والجذب في تشكيل الحكومة الدائمة وما صاحب مسارها من تلكؤ وعثرات ستمر شأنها شأن سابقاتها من الشدائد والأزمات والمخاضات العسرة والمؤلمة ولا ضير فصعب العلا في الصعب، والسهل في السهل وهل تكون الحياة عظيمة بغير ألم عظيم؟.
ففترة السنوات الأربعة المقبلة تتطلب من الحكومة بكل مفاصلها تفعيلا جادا لدور القوى الوطنية المجتمعية لتكمل دور الحكومة في مرحلة البناء واعطاء الجماهير زمام المبادرة في تشخيص الانحرافات التي ترافق الممارسات الاقتصادية والانشطة الادارية والخدمية لأجهزة الحكومة. حيث أن وجود الجمعيات الانسانية، والمنظمات الشبابية، والنسوية، والنقابات المهنية والحرفية يساعد بشكل واضح في بلورة الحالة الديمقراطية إذ تساهم هذه القوى -المنفصلة عن الحكومة من جهة والمرتبطة بها عن طريق التمثيل البرلماني- تساهم بالحد من سلطات الحكومة بالقدر الذي يبرز الحالة الديمقراطية كممارسة عملية ميدانية. ومثلما يحتاج النشاط الجماعي الى الاشتراك الفعلي في العملية السياسية فإنه يحتاج بالمقابل الى متابعة مستمرة لسلوكه ومراقبة التفاعلات التي تحدث بين أعضائه لتذليل الصعوبات قبل أن تتفاقم وتحجيمها. كما إن مسالة إصدار القرارات منوطة بالدراسة الوافية للظرف المرافق والموافق أو المعارض للنتائج المتوخاة من إصداره فالقرار الناجح مرهون باختيار اللحظة المناسبة والظرف الملائم والاستعداد الكافي وإلا فسيكون متخبطا وفاشلا بالنتيجة.
وقد يؤدي تنفيذه الى مضاعفات ونتائج عكسية تضطر المعنيين الى إلغائه، وهذا اجراء يسبب حرجا وضعفا لمصادر ذلك القرار.
إن العمل الجماعي يتميز عن المحدودية الرسمية وقيودها بالانفتاح على التجارب العالمية والاستفادة منها بوضع آليات عمل ديناميكية متطورة تتماشى جنبا الى جنب مع الطفرات التي تخطوها أنظمة العالم المتمدن يوما بعد آخر وهذه النقطة بالذات توفر مرونة كافية في الاختيار والاداء وانسجام العمل.
لعل من أبرز مقومات نجاح الحكومة المقبلة التخطيط القائم على تراكم الخبرات، والاستعانة بالمختصين من خارج الإدارة لاسناد وتصويب عمل الملاكات الداخلية، على أن تكون هذه الخطوة مسبوقة بتحديد الأهداف وتقديم الأهم منها وفق متطلبات المرحلة والظرف الراهن. فخطوات بهذا التنسيق والتطلع البعيد للمستقبل من شأنها الابتعاد عن القرارات الفردية والحلول المتسرعة وهذا بحد ذاته يشجع كافة الأطراف على الدخول في العملية ويحث على الاستمرار في الحوارات التي تفضي الى ايجاد حلول لكل المشاكل المستعصية من خلال عرض البدائل من كل الأطراف المساهمة ليقع الاختيار على أفضلها مع مواكبة تقييمية مستمرة لنوع ومستوى الاداء في تنفيذ مضامين القرار.
https://telegram.me/buratha