البغي يأخذ معانٍ عدة، منها الحسد والعلو على الأخرين وسلب حقوقهم، وأخذ إصطلاحات عديدة منها التعدي الجنسي (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء [النور : 33]) ، وبالجملة نستطيع القول : بأنهُ الأعتداء على حقوق الأخرين بغير وجه حق ...
روي عن النبي(صلى الله عليه وآله) قوله لخليفته علي بن ابي طالب(عليه السلام) : يا عليُ أنا قاتلت على التنزيل، وأنت تقاتل على التأويل، يا علي تقاتل القاسطين والباغين والمارقين ... ويظهر لنا جلياً من خلال الأحاديث، أن الذين أختلفوا مع علي(عليه السلام) كانوا يردون حجتهم الى نفس التنزيل (القرآن)، وهنا لنا أن نسأل :
لماذ قسَّمهم النبي الى ثلاث مجاميع؟!
وما هو وجه الأختلاف بين هذه الجماعات الثلاثة؟! ...
إتفق المؤرخون على أن القاسطين هم أصحاب معركة الجمل التي وقعت في البصرة ، والتي كانا قائداها بالدرجة الأولى، الصحابيين (طلحة) والذي قُتل في تلك المعركة، و(الزبير بن العوام) الذي ترك المعركة بعد سماع خطبة الإمام علي(عليه السلام)، وتذكيريه إياه بحديث النبي(صلى الله عليه وآله) ...
بعد إنتهاء معركة الجمل أراد اصحاب الإمام علي(عليه السلام) أسر من قاتلهم، فأنكر علي عليهم ذلك وقال : أتأسرون زوج رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟!؛ ويقصد بذلك أم المؤمنيين(عائشة)، حيث كانت حاضرة في المعركة، وعندما سألوه عن كيفيت معاملتهم(أهم من الكفار أم من المسلمين؟)، قال : إنما هم إخوتنا بغوا علينا ...
إتفق المسلمون على أن خلافة الإمام علي صحيحة، وأن معاوية خرج على خليفته، وجعلو اعذاراً لذلك، لا يسعنا ذكرها فليست موضوع حديثنا، لكن النبي وصف اصحاب معاوية ايضاً بالبُغاة، حيث قال لعمار بن ياسر الصحابي المعروف : يا عمار تقتلك الفئة الباغية . وقُتل عمار في معركة صفين المشهورة .
من خلال تصرف الإمام علي مع القاسطين والباغين، الرحيم ، والذي إعتمد العفو والتسامح، إحتارت الفرق الاسلامية في إعطاء حكم نهائي في هذين الحربين، فقالوا : إن الإمام علي على حق، وأن القاسطين والباغين اجتهدا فأخطئا! ...
أما المجموعة الثالثة فهم المارقون، بمعنى الذين خرجوا عن ملة الإسلام، وأطلقت عليهم جميع الفرق الإسلامية تسمية (الخوارج)، وهم الذين قاتلهم الإمام علي في النهروان، بعد أن أرسل إليهم ابن عباس لنصحهم، فتاب جماعة منهم، ورجعوا الى صوابهم، وأما مَنْ بقي منهم، فقتلهم الإمام إلا بضعة منهم .
بمعنى أن الجماعتين الأولى والثانية لم يخرجوا عن ملة الإسلام، وإنما بغوا على الحق(خلافة علي)، وعلى تعبير أخر(إجتهدوا وأخطأوا)، وأما الجماعة التكفيرية(لإنهم كفّروا علياً واتباعه، ومعاوية واتباعه) الثالثة، فقد خرجوا عن ملة الإسلام بإتفاق جميع الفرق الإسلامية ...
اليوم نسمع مفتي السعودية الذي صمت عن " داعش " دهراً، ونطق أخيراً عدواناً وكفراً، حيث يقول : داعش فئة باغية يجب مقاتلتها إذا قاتلت المسلمين! ...
الله أكبر!
ألهذا الحد من الإجرام المعلن لداعش!، وتبنيها مباني النهج التكفيري للخوارج!، ولازال مفتي السعودية يدافع عنهم؟! بأن يصفهم (فئة باغية!)؟!
وماذا يعني قوله : إذا قاتلت المسلمين؟!
ألا يعتبر شيعة العراق وسنته من المسلمين؟! والذين ذبحتهم داعش جهاراً نهاراً وبدمٍ بارد؟!
وما ذنبُ غير المسلمين؟! من المسيحيين والإزيدين والصابئة وغيرهم؟!
أهي فتوى بجواز قتلهم؟!
الظاهر من هذه الفتوى الملعونة كما لُعن صاحبها، أن المفتي راضٍ عن فعل داعش ما دامت خارج حدود أولي نعمته من آل سعود، فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ .
https://telegram.me/buratha