المقالات

ميليشيا حلال..ميليشيا حرام

1289 20:27:44 2014-09-03

لا احد يختلف او يناقش في حقيقة ان ظاهرة الميليشيات تتناقض تناقضا كليا مع مفهوم الدولة العصرية، فهي ظاهرة تدلّ على انهيار مؤسسات الدولة او انها دولة فاشلة وغير قادرة على حماية شعبها ولذلك يلجأ الناس الى تشكيل الميليشيات لحماية انفسهم.
أنهما مفهومان متناقضان بكل المعايير، ولذلك ينبغي على الدولة العراقية بكل مؤسساتها الدستورية ان تبني نفسها بسرعة لتقضي على ظاهرة انتشار الميليشيات بشكل نهائي لانها تشكل خطرا كبيرا وعظيما على العملية السياسية والنظام الديمقراطي حديث العهد في العراق الجديد.
كل هذا صحيح ولا يجادل فيه عاقل، إنما الذي يثير الاستغراب حقاً هو تحليل البعض لنوع من الميليشيات وتحريم اخرى وكأن الظاهرة على نوعين، نوع حلال ونوع حرام!.

وقبل ان ألج في الموضوع ينبغي التنبيه الى حقيقة في غاية الأهمية يحاول البعض أغماض عينه عنها او ربما حتى توظيف ما يناقضها في الدعايات الطائفية الممجوجة، وهي:

ان الحشد الشعبي الذي شكلته فتوى الجهاد الكفائي التي أصدرتها المرجعية الدينية العليا، لم يكن حشدا منفلتاً ابدا، إنما هو حشد منضبط حرصت المرجعية منذ لحظة انطلاقته على ان يكون في إطار المؤسسات الأمنية الدستورية والقانونية، ولذلك فان كل تعبئة عسكرية شعبية لا تستظل بالقانون فهي تعبئة مرفوضة شرعا بنظر المرجعية الدينية، فضلا عن انها غير دستورية وغير قانونية.

هذا من جانب، ومن جانب اخر، فان هذا الحشد الشعبي ما كان ليتشكل لولا الهجمة الإرهابية الشرسة التي تعرض لها العراق (فجأة) والتي تمددت بين ليلة وضحاها لتحتل مساحات شاسعة من الاراضي العراقية، شملت الموصل وغيرها من كبرى المدن العراقية، لتقف عند بوابة العاصمة بغداد وهي تهدد النجف الاشرف وكربلاء المقدسة.

وما كان لهذا الحشد ان يتشكل لولا الانهيار المرعب الذي أصاب القوات المسلحة العراقية امام الهجمة الإرهابية، ولذلك يمكن اعتبار ان فتوى الجهاد جاءت لتقف امام الانهيار الشامل الذي كاد ان يصيب العراق برمته، فالحشد، بهذه الظروف الأمنية، يشبه اي حشد شعبي آخر تلجأ اليه الدول والأنظمة التي تتعرض الى ما تعرض له العراق، كما حصل مثلا في فرنسا وبريطانيا وغيرها من دول أوربا إبان الحرب العالمية الثانية، او كما حصل في الجمهورية الاسلامية في ايران ايام حرب الطاغية الذليل صدام حسين على الثورة الفتية، او أي حشد شعبي اخر تلجأ اليه حتى أعرق الديمقراطيات في هذا العالم.

ان الدفاع عن النفس والعرض والأرض حق مكفول وبكل الطرق الممكنة وغير الممكنة، فعندما تفشل الدولة في حماية شعبها من الارهاب مثلا فان من حق الناس ان تحمي نفسها بلا حدود ولا لوم عليهم ابدا. ولقد تشكل الحشد الشعبي في إطار هذا المفهوم الذي فرضه الواقع المر، وهو لحماية العراق، كل العراق، من الارهاب، وينافق من يَسِمُه بغير حقيقته، انه حشد وطني بكل المقاييس.

لقد وقف العراق برمته امام مفترق طرق، فامّا ان يظل العراقيون يتفرجون على الانهيار الأمني وهم يرون بأم أعينهم كيف يتمدد الارهاب ويستوطن في مدن وبلدات واسعة وفي ظل تأييد ودعم قوى (سياسية) واجتماعية وعشائرية كثيرة، بدت الامور وكأنها توظف الميليشيات الإرهابية في (حراكها) السياسي في بغداد مع بقية الشركاء في العملية السياسية! او ان يلجأ العراقيون الى تحشيد قواهم وتسليحها دفاعا عن النفس والعرض والمقدسات الى جانب الدفاع عن العملية السياسية.

طبعا، ما كان منهم الا ان يختاروا الطريق الثاني فهو خيار العقلاء ومن يمتلك ذرة غيرة، ولو انهم اختاروا غير ذلك لكان دليل على انعدام كل القيم والمبادئ عند العراقيين، وهل يُعقل ذلك؟.

لقد ابتلي العراق بظاهرة انتشار الميليشيات منذ أمد بعيد، فبينما كان نظام الطاغية الذليل يحكم قبضته على البلاد بالحديد والنار مسخّرا القوات المسلحة والأجهزة الأمنية بمختلف أسمائها ومسمياتها، مع ذلك تراه شكل عدد كبير من الميليشيات التي كانت تنشر الرعب والخوف في المجتمع، وبأسماء ومسميات عديدة مثل (فدائيو صدام) وأخواتها. 

ومنذ سقوط الصنم ولحد الان لم يخلُ العراق من الظاهرة الى جانب الفشل الأمني الذريع الذي منيت به المؤسسة والمنظومة الأمنية، الامر الذي دعا كل العراقيين الى المطالبة بمنحهم الفرصة القانونية للدفاع عن النفس من خلال تشكيل الأفواج الخاصة القادرة على حماية البلدات والمكونات، ولقد جاء قرار تشكيل الصحوات (السنيّة) في المحافظات الغربية تحديدا في هذا الإطار من دون ان يستشكل عليها احدٌ قانونيا بل طالب بدمجها في المؤسسة العسكرية، فلماذا يهرّج هؤلاء على الحشد الشعبي الذي تشكّل ربما لنفس الدوافع والأسباب التي تشكلت في أجوائها الصحوات؟.

واليوم، الم تستعن القيادة الكردية في الإقليم بالحشد الشعبي بالاضافة الى استعانتها بواشنطن بل وبكل المجتمع الدولي للدفاع عن حدود كردستان؟ لا شك ان ذلك من حقهم ولا يحق لاحد ان يعترض عليه، بعد ان اتضح للجميع بان الحشد الشعبي هو الطريق الوحيد لمواجهة الميليشيات الإرهابية المدعومة من (حشد شعبي) ولكن من نوع آخر.

ولو أتيحت الفرصة للايزديين والمسيحيين والشبك وغيرهم لتشكيل الحشد الشعبي لمواجهة الارهاب وعصاباته وميليشياته، هل كان سيجرؤ احد على لومهم؟ بدلا من كل هذه المآسي التي مرّت عليهم ليتركوا ارض أجدادهم ويهيمون على وجوههم في الوديان والسهول وعلى قمم الجبال في منظر حزين ملأ قلوب الأحرار دماً؟.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك