المجتمع الانساني كيان متحرك ومتغير، ولولا ذاك لكان شيئاً جامداً وميتاً ، ولذلك فان الكثير من خواصه تتبدل وتتغير باتجاهات مختلفة، وتدعى هذه التغيرات بالظواهر، حيث انها تكون جديدة في المجتمع، ظهرت بالتدريج او بشكل مفاجئ ...
من تلك الظواهر موضة الملابس، الهندسة المعمارية في بناء المساكن وطريقة السكن، اتيكيت الأكل والشرب والضيافة والسفر، التقليل من عدد أنجاب الأطفال، الزواج في سن متأخر أو متقدم (حسب الاطار الفكري لكل مجتمع)، وغيرها من الظواهر الأجتماعية الكثيرة، حتى ان اي مجتمع في وقتنا الحالي، يرصد ظاهرة اوظاهرتين جديدتين على الاقل في كل عام!، فنحن في عصر السرعة !! .....
ان اغلب المجتمعات، لا تتقبل تلك التغيرات بسهولة، بل تأخذ بمعارضتها أو تلجأ لمحاربتها ، ظناً منها انها بذلك تحافظ على موروث الاجداد !!، وكأن الاجداد على حق دائماً !!؛ يريد اباء تلك المجتمعات ان يبعثوا روح الاجداد في الاحفاد، وهم بذلك يجعلون الاحفاد نسخ للاجداد فيموت المجتمع !! ولا غرابة .
كذلك تظن المجتمعات، أنها بمعارضة او محاربة تلك الظواهر تستطيع القضاء عليها!!، وهو ظن خاطئ بكل تأكيد (كما سنبينه لاحقاً)؛ اذاً وجب على المجتمعات ان تقنن عمل تلك الظواهر وما يتوافق مع فطرة الانسان، في طلب الحرية، وكذلك باب الحقوق والواجبات ...
هذا لا يعني ان جميع الظواهر ايجابية دائماً، فأن الكثير من الظواهر دمرت مجتمعات بكاملها، ولكن السبب الحقيقي في دمار وخراب تلك المجتمعات، هو ان تلك المجتمعات لم تحسن التعامل مع تلك الظواهر، فهي تبدأ بالمنع والمحاربة، وكأنهم لا يعرفون القاعدة التي تقول ( كل ممنوع مرغوب)، فبدل ان يقضوا على تلك الظواهر قضت الظواهر عليهم !! .....
لنأخذ مثالاً لتقريب الموضوع وفهمه، وهي ظاهرة تعاطي المخدرات ...
ان هذه الظاهرة من المظاهر السلبية بلا شك؛ وليكن المجتمع الامريكي شاهداً، لنرى ماذا جنى من محاربته لتجار ومتعاطي المخدرات؛ لقد قدمت الحكومة الكثير من الخسائر المالية والبشرية، من اجل القضاء على تلك الظاهرة او الحد من انتشارها، ولكن الامريكان اكتشفوا أخيراً وبأحصائية بسيطة، أن عدد التجار والمتعاطين ازداد عما كان عليه !!، وكان الاجدر بهم ان يقننوا هذه التجارة وتعاطيها، كي تحصل امام مرأى ومسمع المجتمع، فلا خسائر بالارواح أو الأموال، بل بالعكس كان من الممكن للدولة ان تحقق كسباً مالياً من خلال فرض الضرائب على تجارها، وكذلك فأنا اعدهم بأن عدد التجار والمتعاطين سيقل ...
فعلت الحكومة المصرية ما فعله الامريكان، فأستغل المتطرفون الدينيون الشباب من خلال المخدرات، وجندوهم لصالحهم، لأنهم يتعاملون بالشريعة (على حد قولهم)!، واوجدوا فتاوى تحلل تجارة وتعاطي المخدرات !، ولذلك فنصيحتي تشمل الحكومة المصرية ايضاً من خلال تقنين هذه الظاهرة ...
يكتب اصحاب مصانع إنتاج السجائر، على علبتها، انها تسبب مرض سرطان الرئة !، وتصلب الشرايين!، وغيرها من الامراض الخطيرة؛ لكن نجد ان اغلب المجتمعات لا تعيب او تحضر استعمال السجائر، ولا تحرم او تمنع تجارتها، بل على العكس، تمنح حكومات تلك المجتمعات إجازات لتجارة و صناعة هذا السم القاتل والمميت !! ... وبالرغم من ذلك نرى بأن الحكومات استفادت من هذا التقنين بجانبين :
1. الربح المادي .
2. ان عدد تجار السجائر والمدخنين قل وهو في تناقص على مرور الايام .
مما تقدم نستطيع القول : إن تقنين الظواهر الاجتماعية، ووضعها تحت مرأى ومسمع المجتمع والدولة، أسلم وأنفع من منعها ومحاربتها .....
https://telegram.me/buratha