أخفقت العملية السياسية في العراق بانتاج نظام حكم ديمقراطي يتوفر على العدالة الأجتماعية والحرية والأمن والخدمات، كما فشلت بتحقيق الحد الأدنى من الحقوق لأبناء الشعب العراقي الذي صار في معرض الإستباحة في دمه وحياته وعرضه وماله .
اكثر من خمسة مليون عراقي يعيش تحت النار ، وداعش تحتل ثلاث او اربع محافظات عراقية ، واكثر من مليون وربع المليون مهجر ونازح ، وإبادات متواصلة للاقليات الأثينية والدينية والعرقية ، والخراب والفساد امتد لكل زاوية بالحياة (الجحيم ) العراقي ...!
باختصار نقول ان البلاد اصبحت في مهب الريح ، جراء اخطاء متراكمة لعشر سنوات من تجربة الحكم استغرقها المالكي في فوضى وارتجال تسيرهاعقلية منغلقة ن واسلوب حكم يقيم خارج التاريخ ، مما عجل في نهاية محققة ليس لحكومته المتخمة بالفساد وحسب ، وانما نهاية وطن اسمه العراق ..!
هذه الحقائق لم تعد خافية على احد ، ولعل السياسيين الشيعة ادركوها قبل غيرهم ، بل ان خطاب المرجعية الشيعية في النجف الأشرف كان يبعث برسائل اسبوعية ، تنعطف على ثنايا ذاك الفشل والفساد الكارثي الذي يحدث امام صمت واستهتارالحكومة ، وهي تعكس أسوء مقطع في تاريخ العراق .
خطوة قطع الطريق على المالكي وشهيته في دورة ثالثة تؤشر لفعل ايجابي متأخر اقدم عليه الشجعان من حزب الدعوة ، وبدعم من زعامات شيعية ، أدركت حقيقة ضياع البلد بوجود المالكي وفشله الصريح الذي انتهى الى تسليم الوطن لعصابات داعش والميليشيات .
الآن تبدو مهمة النخب السياسية الشيعية اكثر حراجة وأهمية تاريخية من اي وقت مضى ، خصوصا وان البلاد تغرق بازمات تقارب المصيبة وعلى كل الميادين ، لكن مهمة الاصلاح ليست مستحيلة ، اذ ينبغي ان تبدأ الحكومة الجديدة بوضع برنامج ورؤية لهذا الاصلاح ، ومحاولة رسم سقوف زمنية ومتابعة إجرائية ميدانية لتحقيق خطوات البناء و الاصلاح ونجاعتها .
المهمة الأولى تبدأ بإعادة الثقة للعراقيين بدورهم وحقوقهم ووطنهم وكرامتهم التي اهدرت في السنوات الماضية ، ثم محاولة إنتاج سلطة قضائية شريفة نزيهة غير خائنة أو خاضعة لسلطة رئيس الحكومة وتسويفاته كما عرفت في زمن المالكي ، سلطة قضائية أمينة وتمارس دورها على غرار مايحصل في مصر او الأنظمة الحرة والديمقراطية ، كما ينبغي ان تعمل الحكومة على إعادة الحياة لهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية والهيئات المستقلة لتمارس دورها بحرية وحماية حقوق المواطن .
الحكومة الجديدة يجب ان تدرك حقيقة خلو البلد من الخدمات وتزاحم الأزمات التي لابد من ادراجها وفق أولويات أهميتها الوجودية بدءا بالبطاقة التموينية وانتهاء بخدمات الماء والكهرباء والصحة وارتفاع نسب البطالة والفقر والمرض والتخلف التعليمي وانتشار الجريمة بكل انماطها وانواعها .
الحكومة الجديدة سترث بلادا مخربة وتركة ثقيلة ومهام عسيرة وصعبة لكنها في نطاق الممكن ، طالما نملك الثروة والتوجه السليم والنوايا الصادقة ، مع خفض سرقات حيتان السياسة والأحزاب النافذة .
تلك مهمة كبيرة وشاقة لكنها الفرصة الأخيرة التي تعيد العراق لمساره ، دولة يمكن ان تنشأ من جديد وفق عناصر القوة الكامنة بتا ريخه ومضامين شعبه الكريم الأبي ، وهذا التنوع الذي يعطي القدرة على الابداع في مناخات الحرية والسلم الأجتماعي والتكامل في ظل روح المواطنة والتشارك والتسامح .
https://telegram.me/buratha