الفرق بين التبادل والسقوط, أكبر من الديمقراطية نفسها, لا يحدده شكل النظام؛ إنما طبيعة أدوات الحاكم..لا ينحصر السقوط بالأنظمة الديكتاتورية, بل يتعداه أحياناً كثيرة, ليشمل القوى التي تحكم في دول ديمقراطية, لكنها لا تؤمن بها ولا بإلياتها..!
غالباً ما تحدث هذه الظاهرة, في البلدان التي تتميّز بعدالة مفقودة, ونظم فتية؛ فيكون الهدف الذي تسعى إليه تلك القوى الشمولية, هدفاً مخفياً, يتصارع الساعون لتحقيقه, مع الآخر الممثل لجوهر وجود الدولة وغايتها..المقامرة قاتلة, فإما الإستمرار على الكرسي, أو الرحيل دون عودة, وهنا يحدث السقوط الأخير!..
الحالة المرافقة لعملية السقوط,هي الإنشقاقات الحتمية التي تحصل في بنية الحزب أو الكيان, الذي ينتمي إليه رجل الحكم..كدليل ومؤشر, على حالة الإستئثار, والتفرد والسعي للتسلط؛ إذ لا دولة, بأرضها وشعبها, أو حتى آيدلوجيا؛ مقدّمة على حلم "السلطة المزمنة". أفدح وأخطر آفة تصيب العقلية السلطوية, حين تستمر الغاية بالإنكماش والتقزّم؛ لتصير بحجم الكرسي والمنطقة التي يُمارس فيها الحكم, كالخضراء في العراق..!
خطط التنمية والإعمار, والأمن, وكل شيء لا أثر له في التركيبة الفكرية لرأس الحاكم, فيُختزل فكره ويتركز على أمر واحد فقط؛ كيفية الحفاظ على السلطة وديمومة التواجد فيها لإطول فترة ممكنة..النتيجة نراها بوضوح, في حجم الدماء المراقة, وكم الأموال المنهوبة, وشكل الفساد المرعب, المرافق لعهد أولئك المتشبثون, فالإهمال الذي تعانيه الملفات الحساسة المرتبطة بالناس, لا تعني بالضرورة, فقدان قدرة فريق السلطان على التفكير وحسب؛ إنما حصر تفكيرهم في هم واحد, يتحوّل إلى حقيقة في أذهانهم, "الكرسي ملك سيدهم"..تكثر المشاكل وتفقس, في بية الدولة بعمومها, ويفقد الأمل بحدوث أي تغيير ديناميكي طبيعي, فيكون للقوة الأثر الحاسم والأمل المقيم, في تغيير الوضع, المختزل بالأشخاص, يكون رحيلهم بالقوة, ندبة مشوهة للديمقراطية, وعلامة فارقة تمنع إعادتهم إلى مركز القرار مرة أخرى.
إنّ سنة الرحيل من البديهيات الملازمة لإي جانب من جوانب الحياة, وتحكيم الشعوب من خلال إنصافها, هو الطريق الأسلم لضمان أطول فترة ممكنة في الكرسي..من لا يتعض من تجارب الآخرين لا يستحق الحياة, فأعملوا بما ينفع الناس, لكي لا تتحولوا إلى "زبد" يذهب مع أول موجة..!
https://telegram.me/buratha