المقالات

الإرهاب الفكري

1264 19:00:03 2014-08-03

هو أخطر انواع الإرهاب، بل هو المنبع الحقيقي له، فهو الذي يؤسس للإرهاب السياسي وإرهاب السلطة والإرهاب الديني والإرهاب بالقتل بالسلاح والسيارات المفخخة والاحزمة الناسفة، كما انه الحاضنة الدافئة للفشل والهزائم والتراجع والتأخر.
ولكل ذلك استهدفته بعثة الرسل والأنبياء قبل اي شيء آخر، فقال تعالى {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} وهي كل ما يقف حجر عثرة ويحول دون حرية الفكر والتفكير من مصالح ضيقة وانانيات او من عبادة الشخصية، فإذا استطاع مجتمع من المجتمعات ان يسيطر ويقضي عليه، يكون قد جنب نفسه التورط بكل انواع الإرهاب الاخرى، والعكس هو الصحيح، فإذا انفلت من عقاله انتشرت كل انواع الإرهاب الاخرى في المجتمع.
وهو ارهاب يمارسه الجهلة والإمعات والمستفيدين من الحاكم والمطبّلين للقائد الضرورة وعبَدَ الطاغوت والمزمّرين للزعيم الأوحد، والذين يلحسون بقايا موائد السلطان وأبواق السلطة والجبناء والشياطين الخرساء التي تخاف من كلمة حق تقولها او حتى تسمعها او تقرأها.
ولكم ابتُلِي المجدّدون والمفكرون بمثل هذا الإرهاب، ففي العراق الحديث مثلا ابتلي به الامام الميرزا النائيني الذين يسميه المراجع كالحكيم والخوئي باستاذ الفقهاء، وذلك عندما اصدر كتابه المشهور (تنبيه الامة وتنزيه الملّة) فكاد ان يقتله الهمج الرعاع لولا لطف الله تعالى به، الامر الذي اضطره الى جمع نسخ كتابه من السوق وحرقها في ساحة داره، طبعا، فان الجميع اليوم يفتخر بكتابه ويعدّهُ احد ابرز المصادر التي يستند عليها الجميع لشرعنة أسس ومبادئ الديمقراطية.
اما الدكتور علي الوردي، فهو الاخر ابتلي بما ابتلي به اي مصلح عندما اصدر كتابه المشهور (وعاظ السلاطين) فلقد أُهدر دمه بفتوى بعضهم وكاد ان يُقتل وقتها، اما اليوم فان كتابه المذكور يطبع حتى في مدينتي قم المقدسة والنجف الأشرف!! تخيّل.
وليس الشهيد الصدر الاول والمرجع الراحل الشيرازي، ببعيدين عن ذلك، فالأول تعرّض لأقسى انواع التهم والافتراءات لمجرد انه فكّر في ان يُدخل اللغة الانجليزية في منهج الدراسة الحوزوية، والثاني تعرض لكل انواع سياسات التسقيط وتشويه الحقائق والتشكيك بالهوية، لمجرد انه أجاب على سؤال فقهي افتراضي يقول؛ لو ان الانسان كان على سطح القمر فإلى اي جهة يولّي وجهه عند الصلاة؟ وقتها لم تكن قدم الانسان قد وطِئت سطح القمر بعد.
وان من يمارس الإرهاب الفكري عادة ما يستخدم بادئ ذي بدء، الكلمات المنمّقة والجمل التي تثير المشاعر والعواطف، في مواجهة المصلح، فمثلا، اذا كتبت مقالا لم يفهمه او لم يُعجبه، تراه يذكّرك بتاريخك الناصع وكيف ان عليك ان لا تنزلق لمثل هذه الكتابات، وعندما لم تُعِرْ له اهتماما يصعّد في اللهجة كناصح امين يشفق عليك، فيدعوك مثلا الى التوبة أو الى العودة الى رشدك على اعتبارك انك انحرفت عن الصراط المستقيم الذي ترسمه مساطر القائد الضرورة وابواقه وزبانيته والمستفيدين منه، اما اذا لم ينفع معك مثل هذا الكلام فآخر الدواء الكي، اذا بلغة الشارع المليئة بالسباب البذيء وتوجيه التهم الرخيصة والتشكيك بارتباطاتك المشبوهة وبعقلك وفهمك، هي المسيطرة على المشهد.

انهم يريدون كل اصحاب الأقلام أبواق لوليّ نعمتهم، الّا انهم خسِئوا، ويريدونهم ان يبيعوا رسالتهم للقائد الضرورة مقابل حفنة من المال الحرام، ويريدون ان تكون الأقلام الشريفة والحرة أعواد ناعمة لطبولهم ونقّاراتهم، ولكنهم ما دروا او نسوا انه لازال في الساحة الفكرية والثقافية والإعلامية أقلام حرة ونزيهة وشريفة تؤشر على الخطأ بلا مجاملة وتنتقد بلا خوف وتشير الى الفشل والحل بلا أجر، وهي التي توقّت الكلمة لنفسها من دون ان تنتظر من احد ان يخبرها عما اذا كان هذا المقال وقته الان ام لا؟.

وبالنسبة لمن يمارس الإرهاب الفكري، فان كل الأوقات ليس مناسبا لا لتوجيه نقد ولا لطرح تساؤل، وإنما الوقت مناسب لأمر واحد فقط لا غير، هو التصفيق للقائد الضرورة ومدحه ليل نهار وتعظيم إنجازاته وتصديقه حتى اذا كاذبا في وضح النهار، على طريقة جواب ذاك المواطن الذي سُئِل عن حال الاعلام في بلاده؟ فقال: ان الاعلام عندنا على نوعين؛ الاول في مدح الحاكم والثاني في ذم أعدائه!!.
اذا وجّهت نصحا وقت النجاح قالوا لك؛ هلا صبرت؟ لماذا تُفسد علينا نشوة النصر؟ وإذا وجهت نقدا وقت الهزيمة، قالوا لك؛ وهل هي وقتها الان؟ انتظر لتمر علينا الأزمة على الأقل؟ لماذا تثبّط العزائم؟.
اذا نبّهت لخطر قالوا لك سحابة صيف عن قريب تقشعُ، وإذا ذكّرتهم عند تفاقمه قالوا لك؛ لقد اتّسع الخرقُ على الراقع!!.

ان أمثال هؤلاء هم اول المستفيدين وآخر المضحين عن طريق الصدفة، ولذلك تراهم يغيّرون ويبدّلون هوياتهم وجلودهم وولاءاتهم حيث يكون الحاكم في القصر، فهم خدمة مصالحهم وانانياتهم وليسوا خدمة الحاكم، اما الوطن والمواطن فلا يشغل في عقولهم ايّة مساحة.
اما بالنسبة لهم، فلهم الحق المطلق في تحديد وقت السب والذم والمديح والتهجم والطعن والتّأليه والصمت والكلام والحب والبغض وهكذا، لانهم يعتقدون ان الحق معهم يدور حيث ما داروا، وان الصالح العام طوع بنانهم لا يحدده غيرهم، اما الآخرون، فلهم الحق في ان ينتقدوا من يشاؤون، ويستفسروا ممن يشاؤون الا الزعيم الأوحد والقائد الضرورة فلا يحق لاحد ان ينظر بوجهه قبل ان يدفع صدقة، ويقدّم له فروض الطاعة والولاء والتسليم المطلق.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك