حميد الموسوي
لم يكن العراق الدولة الاولى أو الوحيدة في تعرضه للحروب وللاحتلال من قبل قوات أجنبية، ولم تكن المرة الاولى في تأريخه القديم أو المعاصر. الا انها المرة الاولى التي لا تستثمر فيها أحداث مثل هذه الجسامة في توحيد الصفوف ونسيان الخلافات، وجعل تلك الأحداث سببا واتخاذها سلما لعملية بناء وتطور ونهوض وصحوة وعلى كافة المستويات والأصعدة.
فالكوريون والفيتناميون ومن قبلهم الألمان واليابانيون وغيرهم هزتهم نكبات الحروب وصهرتهم ويلات الاحتلال فصنعوا منها قواعد للنهوض والتحدي والمطاولة حتى فاقوا مراتب محتليهم تطورا وظاهوا مصاف أعدائهم مكانة وتقدما. وها هو عام التجربة العراقية الحادي عشريشارف غى نهايته وعملية التغيير تراوح مكانها بسبب الخلافات التي واكبت عملية سقوط السلطة السابقة وظلت عالقة دون حسم، مع ان الجميع يسعون الى اقامة نظام ديمقراطي تعددي حر. ان مسؤولية تعثر العملية السياسية تقع على عاتق جميع الأطراف المشاركة فيها والمعارضة لها فالتعنت والتزمت والاصرار على الخلاف لا يجدي ولا يؤدي الا الى مزيد من الإرباك والتعطيل للمشروع الوطني حيث ان طرح بعض التنازلات من هذا الطرف أو ذلك لا يخدش الوطنية ولا يمس الكرامة طالما كان الهدف الكبير هو انجاح العملية السياسية والتوجه لمرحلة البناء والاعمار وتوحيد الجهود لدحر الهجمة الارهابية الشرسة والمحافظة على ما تحقق من انجازات. فالعراقيون بكل أطيافهم وتوجهاتهم وحركاتهم السياسية لديهم الكثير من الأهداف التي يتفقون عليها مثلما لديهم من الاهداف ما يختلفون عليها لكنهم يقفون جميعا مع مشروع بناء العراق الديمقراطي الموحد. ان مبدأ التوافق الذي تواضعت عليه الكتل المشاركة يسهم في تسوية وحل الكثير من الاشكاليات وتجاوز العقبات ولذا يتوجب استثمار هذا المبدأ والتعجيل بحل كل المشاكل العالقة أو المعرقلة لعملية البناء والاستقرار. فمن غير المعقول- وبعد مضي احد عشر عاما على سقوط السلطة السابقة- استمرار دائرة العنف وتعطل المشاريع وغياب سطوة القانون والنظام برغم احتضان العالم للتجربة العراقية وتعامله مع الحكومة الوطنية على انها حكومة حضارية تسهم في استقرار المنطقة وتسعى لتثبيت قواعد نظام تعددي يخدم شعبها ويعزز وحدته الوطنية في اعمار وطنه الذي دمرته الحروب والسياسات الخاطئة.
فبرغم ما تحقق من انجازات سياسية على الصعيد الاقليمي والدولي، حيث استطاع العراقيون العودة بكل ثقلهم المعهود الى منظومتهم الدولية واخذ مكانهم اللائق بين المنظمات الانسانية ومؤسساتها الدولية وشاركوا في كل المؤتمرات والفعاليات والأنشطة الدولية والعربية خلال السنوات المنصرمة ولعبوا دورا مؤثرا وفاعلا فيها. واستطاعت الدبلوماسية العراقية الجديدة بجهودها الحثيثة اطفاء أكثر الديون المترتبة على العراق جراء السياسات السابقة حيث تم اطفاء ما يصل الى نسبة 80% من المستحقات في نادي باريس كما اطفئ كل الديون للدول الاخرى. هذه الديون التي كانت تثقل كاهل الشعب العراقي وتعرقل اقامة مشاريع صناعية وخدمية في العراق. وبرغم اضطراب الساحة العراقية أمنيا- وما تشهده من تكالب قوى الشر المتمثلة بالارهاب الخارجي والجريمة المنظمة- تم عقد مؤتمر بغداد بمشاركة أكثر من مائة هيئة ومؤسسة دولية وحضور الأمين العام للأمم المتحدة والذي خرج بتوصيات هامة من شأنها المشاركة في عملية بناء واعمار العراق واعادة استقراره من خلال استعداد الدول المشاركة وتعهدها الاستمرار بدعم العراق وتجربته الرائدة. وبناءا على تلك التوصيات سيعقد مؤتمر اقتصادي خاص بتفعيل الاقتصاد العراقي وذلك في مطلع الشهر القادم بمشاركة العديد من الدول العربية والعالمية وخاصة دول الجوار.وكذلك عقد مؤتمر عالمي لمكافحة الارهاب في بغداد
وتأتي زيارات المسؤولين العراقيين للعديد من الدول العربية والاجنبية وعقد المزيد من الاتفاقيات واستقدام الشركات العالمية العملاقة لانجاز المشاريع الحيوية تعزيزا للنهج الذي تبنته السياسة العراقية الجديدة في الانفتاح على العالم وتوثيق العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية وفك طوق العزلة الذي تسببت به السياسات العدوانية للسلطة السابقة.
https://telegram.me/buratha