المقالات

أسحار رمضانيّة ()

1326 04:13:02 2014-07-15

نزار حيدر

{وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ* لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ* لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ}.
هي الحرب النفسية، وهي اعظم الفتن في زمن الحرب، وخاصة الحرب على الإرهاب، يوظّفها العدو بالأعلام والدعاية لتضليل الرأي العام، فيوقع به الهزيمة النفسية فتنهار معنوياته قبل ان تنهار جبهته العسكرية.
والمشكلة في هذه الحرب ليس العدو وإنما السذّج والبسطاء والمغفّلين والمخدوعين في المجتمع من الذين يصغون الى دعايات العدو كمسلّمات ويتناقلون أخباره وصوره وأفلامه المفبركة كحقائق لا يرقى اليها الشك، فترى مختلف وسائل التواصل الاجتماعي تعج بالأخبار والمعلومات الكاذبة والصور والأفلام المفبركة، حتى ضد بعضنا البعض الاخر وكل ذلك تحت عنوان (كما وصلني) وكأن ذلك يشفع لنا تناقلنا الأكاذيب فنتهرّب من المسؤولية الشرعية والوطنية والأخلاقية.
حتى بات حالنا نصدق، مثلا، ان رجلا ًأخرس قال لرجلٍ اطرش ان رجلا ًأعمى شاهد رجلا مشلولا ً يلحق برجلٍ أعرج ليمنعه من شدّ شعر رجلٍ أصلع!!!.
لقد نبّهنا القران الكريم الى هذه الحرب السوداء والقذرة، الحرب النفسية، في آيات عدة، لانها اخطر انواع الحروب التي يشنها العدو ضد جبهة الحق، ولعل اخطر ما فيها هو وجود من يصغي اليها في جبهة الحق، ولذلك فان الاية المباركة اعلاه تتحدث عن رحمة الله تعالى بجبهة المؤمنين عندما ثبّط المنافقين وأقعدهم عن الخروج من المدينة فقعدوا عن وسول الله (ص) في حربه ضد المشركين، لانهم لو خرجوا لدارت ماكينة الحرب النفسية ولاصغى لها بعض (المؤمنين) في جبهة الحق، ولتضاعف تأثيرها.
انّهم يقلّبون الامور ويكذبون، وفي جبهة الحق سمّاعون لهم، ولذلك تتضاعف الخطورة.
لقد أمرنا الله تعالى:
اولا؛ ان لا نتناقل كل خبر نسمعه، قبل التثبّت والتأكّد والتدقيق، خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي التي تحولت اليوم الى طابور خامس في المجتمع يديره مثقفون ومفكرون وأحيانا علماء وسياسيون يفترض انهم يقفون بوجه الدعاية السوداء اذا بهم اداة من أدواتها للاسف الشديد، فلقد قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.
ثانيا؛ ان لا نتناقل كل ما من شأنه ان يثير الفساد في العلاقات الاجتماعية في جبهة الحق، خاصة السباب والشتائم والاستهزاء وان يسخر بعضنا من البعض الاخر، فان كل ذلك يُضعف جبهة الحق ويعين جبهة الباطل على تحقيق أهدافها في تصعيد الحرب ضدّنا وتفتيت جبهتنا وتعميق النزاعات الداخلية فيما بيننا، خاصة في حالة الحرب على الإرهاب، وللأسف الشديد فلقد تحولت وسائل التواصل الاجتماعي اليوم والتي يديرها (المؤمنون) الى مسلخ كبير لجلد الذات وتسقيط بعضنا البعض الاخر واغتيال شخصيات بعضنا البعض الاخر، ولقد قال تعالى ينهى عن ذلك بقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.
ثالثا؛ كما نهانا عز وجل ان لا نخوض مع جبهة العدو، قولا وفعلا، فقد لا تكون أجسامنا في جبهة الباطل الا ان وسائل التواصل الاجتماعي التي نديرها تصطف مع جبهة الإرهابيين من حيث نريد او لا نريد، حتى بات بعضنا أقسى من الارهابيين على بعضنا الاخر، والله تعالى يقول في محكم كتابه الكريم {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} وقوله تعالى {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.

رابعا؛ ان ننتبه الى الحرب النفسية جيدا ونكون منها على حذر، انها تبدأ بالثرثرة وتنتهي بالفضائيات وبين هذا وذاك متّسع واسع من الوسائل والأدوات، عمادها الاول والاهم هو الكلمة التي تخرج من أفواه المنافقين في مسعى منهم لإطفاء نور الله تعالى وإنزال الهزيمة النفسية في صفوف جبهة الحق، فقال تعالى {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} وقوله تعالى {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} اذ {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} أفليس من العيب، بمكان، ان يكذبوا ونحن نتناقل كذبهم؟.
فهم يطبخون ونحن نأكل!.
انهم يسعون لخداعنا بافواههم، اما قلوبهم فمملوءة حقدا علينا، فكيف لا نحذرهم ونحذر كلامهم؟ والله تعالى يقول {كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ}؟. 
خامسا؛ كما أمرنا الله تعالى بصيانة وحماية الجبهة الخلفية في الحرب، فلو قلنا، جدلا، بأننا اليوم نقاتل في الجبهات الخلفية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، بعد ان تعذّر علينا الحضور في جبهات القتال لأي سبب كان، فان واجبنا هو ان نصون الجبهة الخلفية فلا تتحول وسائل التواصل الاجتماعي التي نديرها او التي نستخدمها الى ساحة مواجهة داخلية نتقاتل فيها ويقتل بعضنا البعض الاخر، فشرعية عدم الحضور في ساحة المعركة يجب ان يصدقّها النصح والصدق كما في قوله تعالى {لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فشرط سقوط الحرج هو النُّصْح.
سادسا؛ والحذر كل الحذر من ان تتحوّل وسائل التواصل الاجتماعي عندنا الى ما يشبه مسجد ضرار، يؤدي دوره من حيث لا نريد، فلقد حذّرنا الله تعالى من ذلك بقوله {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }.
انّ النية هنا لا تكفي، ابدا، فلابدّ ان يصدّقها العمل والإنجاز.
سابعا، واخيرا؛ لندع الظن جانبا هذه الايام، فالحرب مع الإرهاب شعواء، ولنتسلّح باليقين ما استطعنا الى ذلك سبيلا، فالخبر الذي أشكُّ فيه قيد أنملة أدعهُ جانبا، والتقرير الذي لم يتسن لي التثبت منه اضربه عرض الحائط، وهكذا، فلقد قال تعالى {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}.
وليكن شعارنا قول الله عز وجل {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}.
وكل رمضان وانتم بخير.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك