عيسى السيد جعفر
لا أعلم لِمَ تقاطع في رأسي بيتان من الشعر العربي لشاعرين كبيرين بينهما قرابة خمسمائة عام، ولكن الذي يجمعهما في رأسي أنهما لفحلين من فحول شعرنا العربي..
الأول قاله فارس بني عبس عنترة بن شداد من قصيدته المشهورة التي مطلعها: دهتْني صروفُ الدّهر وانْتَشب الغَدْرُ، فيقول فيها البيت الذي مضى مثلا منذ قرابة الفي عام:
سيذْكُرني قَومي إذا الخيْلُ أقْبلت وفي الليلةِ الظلماءِ يفتقدُ البدر ...
والثاني قائله الشاعر الفارس الأمير أبو فراس الحارث بن سعيد الحمداني، في قصيدته الرائعة التي مطلعها: أراكَ عـصـيَّ الـدَّمْـعِ شيـمَـتُـكَ الـصَّـبْـرُ، فيقول فيها: سيذكرني قومي إذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر..
هي الليلة الظلماء إذن ما جمع الزمنين، وما يجمعهما بزمننا هذا، زمننا الذي يصفه كثيرون بأنه زمن أغبر، فيما أصفه بزمن التحولات الكبرى، فحاشاه أن يكون زمنا أغبرا، ونحن نشهد هذه الإستجابة الرائعة، وتدافع الرجال منكبا على منكب، ملبين دعوة المرجعية القائدة للجهاد، فتزاحموا نحو الموت، لا يبالون إن وقع عليهم أم وقعوا عليه..
زمننا هو زمن صقل معادن الرجال، وهاهم عشاق الشهادة، من قدماء المجاهدين وأبناء المجاهدين، يزاحمون السكك ليحفظوا مجدهم ،الذي حاولت شرذمة من عشاق الكراسي، تشويهه وطمس معالمه الزاخرة بالثراء، وشتان ما بين عشقين، عشق الشهادة وعشق الكرسي، ذاك يقود الى العلا حيث رضا الرحمن في عليين، وهذا يقود الى الحضيض، حيث مزابل التاريخ، تتلقف كل عتل زنيم..
زمننا زمن الرجال؛ الذين لا يريدون ثمنا لتضحياتهم دفاعا عن مقدساتنا، ولا مقابلا عن كرامتنا التي باعها بثمن بخس، أصحاب الأوسمة والأنواط والنياشين العسكرية والنجوم اللامعة، وهم لا يريدون ثمنا لأنهم لم يطلبوا مقابلا على تضحياتهم السابقة، يوم قارعوا جبروت الطغيان الصدامي، ومرغوا كبريائه بوحل هور صلين، وغدران جزيرة الرفاعي، وسهوب شرق ميسان..
زمننا ـ سادتي ـ هو زمن صناع التاريخ وليس زمن سراقه، فالمجاهدون يقفون اليوم على تخوم تكريت وخلفهم قباب سامراء الذهبية يغلفونها بشغافات قلوبهم، ومصول دمائهم، والمجاهدون دخلوا مغارات القاعدة في جبال حمرين وهضابها، والمجاهدون يتجولون بحرية وثقة بالنفس، في مناطق مثلث الموت وجرف الصخر وعامرية الفلوجة واللطيفية، تلك المناطق التي لم يدخلها الجيش العراقي منذ خمس سنوات، التي تحولت الى عش دبابير تلسع منها بغداد في اليوم أكثر من خمسة عشر مفخخة، وكل يوم..
هذا هو زمننا الذي يستحق أن نفخر به، لأنه زمن تمحي به سرايا عاشوراء، وسرايا السلام، وتشكيلات منظمة بدر، وكتاب حزب الله، وسرايا العقيدة، وعصائب أهل الحق، ولواء ابو الفضل العباس، وأفواج الجهاد والبناء، وغيرهم مما لم يتسع المقال لذكرهم، عار لكل الفاسدين المتخاذلين الذين كان عددهم أكثر من نصف مليون مقاتل، تركوا نصف العراق لقمة سائغة بيد بضعة آلاف من الداعشيين..
نمحو العار، لأننا نتملك الخبرة الجهادية والأمنية، ولأننا نبتسم للموت، ولا ترتعد فرائصنا فرقا منه، ولأننا نعرف أين نضع أقدامنا، ولأن لنا عيون اليمامة، وفراسة الهدهد، وزند الذي قلع باب خيبر، علي بن ابي طالب عليه السلام..
نحن في زمن يعرف معظم الرجال كيف يطلقون النار من أسلحة يحملونها، لكننا نختلف عن هؤلاء الرجال، لأن لبنادقنا اسماء نخاطبهم بها، وهي تسمعنا فتقول لنا سمعا وطاعة، لبيكم أيها المجاهدون!
https://telegram.me/buratha