المقالات

أسحار رمضانيّة ()

1374 01:50:21 2014-07-06

نزار حيدر

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ}.
لماذا يكره البعض المستقبل؟ لماذا يعشق البقاء على ما هو عليه من الحال؟ لماذا لا يفكر بالتطور والتغيّر نحو الأفضل والاحسن؟ لماذا يتمنى ان لو عادت عقارب الساعة الى الوراء فيعيش بنفس الطريقة والأدوات التي عاش فيها وبها الآباء؟ لماذا يعيش الماضي بعقليته ولا يقبل ان يتكلم معه أحدٌ عن المستقبل؟.
لماذا يتكرر التاريخ عندنا في أسوء صوره وفصوله؟ لماذا تتكرر مآسينا عند راس كل عقد من الزمن؟ لماذا نجترّ الظلم ونتذوق العلقم يوميا؟ لماذا لا نتعلم حتى من تجاربنا الخاصة التي نصنعها بأيدينا فنتراقص دائماً على جراحنا المفتوحة ونزفنا المستمر؟.
هذه الأسئلة وغيرها، يجب ان نطرق ابوابها اليوم بكل جرأة وشجاعة لأننا، في حقيقة الامر نعيش الماضي ولم ننتقل بعد الى الحاضر فضلا عن المستقبل.
ان أجسادنا حاضرة وهي تنتقل الى المستقبل لا إراديا لان الفلك يدور ويدور ولا ينتظر احدا ليستعد او يتهيأ، الا ان عقولنا واراداتنا لازالت في الماضي لم تلحق بنا ولن، ولذلك يجب على كل واحد منا ان يطرح هذه الأسئلة على نفسه بحثا عن أجوبة مقنعة ليبدأ بالعمل على تغيير واقعنا والعقلية التي تحكمنا.
وان الانتقال الى المستقبل يحتاج الى تغيير طريقة التفكير من خلال:
اولا؛ عدم التوقف عند الماضي، فالتاريخ عِبرة وهو دروس وتجارب ولكنه ليس بديلا ابدا، كما في قوله تعالى {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.
ثانيا؛ استحضار إرادة الإصلاح والتغيير، من خلال قبول التحدي الذي سيفرضه التغيير، فليس هناك في العالم تغييرٌ بلا ثمن او إصلاح بالمجّان ابدا، ولهذا السبب يجب ان نتسلح بإرادة التغيير والإصلاح قبل البدء به، والى هذا المعنى تشير الاية الكريمة {إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} فالارادة الذاتية تسبق حتى توفيق الله تعالى، كما ان في قوله تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وكذلك قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} دليل واضح على هذا المعنى، فارادة التغيير الذاتي تسبق كل الإرادات الاخرى التي لا تعدو كونها عوامل مساعدة ليست الا.
ثالثا؛ توظيف كل الطاقات في عملية الانتقال الى المستقبل، لانها عملية صعبة ومعقدة، فلا ينبغي توفير أية طاقة بهذا الصدد، فمن كلٍّ طاقته ومن كلٍّ خبرته وتجربته واختصاصه.
رابعا؛ تبنّي رؤية واضحة ومحددة من اجل ان تتحقّق عملية الانتقال بشكل سليم بعيدا عن الفوضى، وان ما نراه اليوم من تخبّط في نتائج ما سمي بالربيع العربي إنما سببه انعدام الرؤية التي حالت، وللأسف، دون الانتقال الى المستقبل بشكل صحيح.
خامسا؛ الاستفادة من تجارب الشعوب الاخرى في هذا الصدد من دون ان يعني ذلك استنساخ التجارب، ابدا، لان لكل شعبٍ خصوصياته ولكل مجتمع مميّزاته، إلاّ ان الاطر العامة في عملية الانتقال للمستقبل هي واحدة لدى كل الشعوب والمجتمعات لانها تجارب إنسانية قبل ان تكون جغرافية او أثنية او ما أشبه.
ولقد كتب أمير المؤمنين (ع) في وصيته لابنه الحسن المجتبى (ع) يعلمنا كيف نقرا التاريخ، وكيف نستفيد من تجارب الامم السابقة، فكتب يقول:
أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي وَإِنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي، فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ، وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ، حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ، بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إِلَيَّ مِنْ أُمُورِهِمْ قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ، فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذلِكَ مِنْ كَدَرِهِ، وَنَفْعَهُ مِنْ ضَرَرِهِ، فَاسْتَخْلَصْتُ لَكَ مِنْ كُلِّ أَمْر نَخِيلَتَهُ، وتَوَخَّيْتُ لَكَ جَمِيلَهُ، وَصَرَفْتُ عَنْكَ مَجْهُولَهُ. 
وكل رمضان وانتم بخير.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك