حميد الموسوي
العراق الذي يمثل التعددية بكل أنواعها، أحسن ما في تعدديته هذه إلإلتزام والدقة في رسم واتخاذ أي قرار سياسي، والتأني والموضوعية وعدم الإسراع في إصدار أي قرار، وذلك لأن التأخر في الوصول للاهداف المتوخاة أفضل بكثير من تحقيق اهداف مشلولة!، ومن هنا يتوجب الحذر من الحلول المتسرعة التي تعرض من هنا وهناك والتي لم ولن تنجز مشروعا ناجحا يراد منه بناء دولة قوية وحديثة أو يرجى فيه إعادة لصياغة حاضر ومستقبل العراق، فمن غير المنطقي ولا المعقول بناء كيان ضخم على ركام أنقاض مهدمة متحركة وغير مستقرة. فهذا يعني تعريض العملية لخطر داهم وشيك يطال مستقبل شعب بأسره، وبلد لم يفرغ بعد من تضميد جراحه. ولكي نؤسس لمشروع سياسي ديمقراطي تديره حكومة رصينة قوية لا بد من إرساء قواعد ثقافة سياسية تعتمد على بديهيات ومعايير ثابتة بأن هناك حاكمون سيصبحون معارضين غدا تحت قبة برلمان وطني منتخب، بإقرار الجميع بفكرة تبادل المواقع، لا ان يقع الجميع أسرى عقدة الحكم، وذلك أن ترسيخ الديمقراطية على قاعدتين صلدتين هما الحكومة القوية مقابل المعارضة القوية يمثل الحل الأمثل للمسألة العراقية في ظرفها الراهن. وعلى جميع القوى المشاركة في بناء العراق وتجربته الجديدة ان تنحى بهذا الإتجاه كما أن على القوى الدولية المساهمة في إحياء هذه الأفكار وإشاعة هذه التصورات والخروج من نمطية السياسات العرجاء.
أن جميع القوى الوطنية مدعوة الى عدم الإنجرار والجنوح الى لغة المحاصصة، والمضي في طريق بلا ملامح عبر خارطة بمصطلحات مغلوبة تسرع في وأد المشروع الوطني الذي عقد عليه العراقيون- وشاركهم أحرار العالم- الآمال بأن يصبح يوما منارا حقيقيا يغمر كل منطقة الشرق الأوسط المحكومة بالسلطات الإستبدادية الشمولية. فعلى قادة الكتل السياسية إثبات وتأكيد وطنيتهم من خلال التخلي عن المحاصصات والتحلي بنكران الذات النابع من حرصهم على إنجاح العملية السياسية والعبور بها الى بر الأمان بما عرفوا به من اعتدال وحكمة ليبرهنوا للعالم قبولهم بديمقراطية تضم حكومة قوية متماسكة تعيد له الأمن والإستقرار وتعيد بناءه سياسيا واقتصاديا فأنه يحتاج بالمقابل الى معارضة قوية جدا فإذا اشتركت الكتل السياسية بأجمعها في تشكيل الحكومة، فمن سيشكل المعارضة التي ستحاسب وتراقب الحكومة؟، ومن سيعيد تشكيل الحكومة الجديدة التي ستخلف أختها في حالة تلكؤها أو سقوطها لسبب من الأسباب!؟.
أن الديمقراطية لا تقوم على حكومة تؤلفها كل الكتل السياسية، كونها لا تسير إلا على قدمين سليمتين: الحكومة والمعارضة، وبطبيعة الحال أن كلا العنصرين الأساسيين ينبثقان من مجلس النواب، فإذا اشتركت جميع مكونات البرلمان في إنشاء الحكومة فمن ذا الذي سيتولى المعارضة القوية؟. مثل هذا الأسلوب في تشكيل أي حكومة تمييع للديمقراطية لأنه سيفرز معارضة شكلية هزيلة صوتها من صوت الحكومة لا تفرق بأي حال من الأحوال عن المعارضة الكارتونية التي تصنعها السلطات الدكتاتورية كديكور أمام منظمات حقوق الإنسان وكواجهة سياسية أمام الإعلام العالمي والمحلي. وبمرور الوقت تتحول الديمقراطية الى شعارات تنطلق من دوائر الحكومة متبوعة بتبريرات المعارضة المزعومة، فحين تصير الحكومة والمعارضة بلون واحد، وتسيران باتجاه واحد تفقد العملية السياسية توازنها، وربما أدى ذلك الى إنهيار الديمقراطية ونشوء دكتاتوريات مبرقعة خاصة في مثل تجربة العراق الجديدة التي لا تزال فتية وتتعرض لأنواع مؤامرات الداخل والخارج لإفشالها بشكل أو بآخر، وهنا مكمن الخطر!.
أن كل التجارب الديمقراطية في العالم تنقسم فيها الجمعيات الوطنية، أو البرلمانات، أو مجالس النواب الى قسمين، يتولى إحداهما تشكيل الحكومة ضمن قوانين وضوابط منصوص عليها في الدساتير الدائمة، بينما يتولى الثاني قيادة المعارضة ضمن نفس الضوابط السابقة، كل ذلك من أجل حماية العملية الديمقراطية وحفظ النظام القائم وحقوق المواطن على حد سواء. أللهم إلا إذا كان برلمانا صوريا على شاكلة المجلس الوطني لسلطة البعث المقبورة ومن لف لفها من النظم الإستبدادية والدكتاتوريات الشمولية والتي تعمد لصناعة برلمانات كارتونية معارضة من أجل ذر الرماد في العيون
https://telegram.me/buratha