سلام محمد علي
وانا اراقب سير عملية الانتخابات البرلمانية في العراق منذ اكثر من ثلاث شهور وخصوصا قبل شهر تقريبا , اي عندما اٌطلق عنان الدعاية الانتخابية , واصبح كل حزب بما لديهم فرحون , وكل كيان او مرشح يقدم مشروعه السياسي في هذه الانتخابات وبطريقته الخاصة , وتصاعدت الاصوات كلما اقترب موعد الانتخابات , والذي ميز هذه الانتخابات عن سابقتها دخول المرجعية الدينية على الخط , وهذه المرة المرجعية الدينية لمحت وصرحت , لمحت عن طريق وكلائها في كربلاء المقدسة وتحديدا في صلاة الجمعة عندما حثت الناس على ضرورة التغيير واستبدال الوجوه التي لم تجلب الخير للعراقيين , في اشارة واضحة الى المالكي وحكومة المالكي , وصرحت على لسان المرجع الكبير اية الله العظمى الشيخ بشير النجفي حيث بثت له القنوات التلفزيونية لقاء تحدث به بصريح العبارة "ان المالكي في تصرفاته يشبه تصرفات المجرم صدام وانه استاثر بالحكم ولم يقدم الخدمة للمواطنين وقاد الجيش الى معركة خاسرة بدون تخطيط" , ووجه الناس الى انتخاب قائمة المجلس الاعلى في اشارة منه ان السيد عمار الحكيم رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي ووصفه "هو ابن المرجعية وهو الذي لديه مشروع يمكن الاعتماد عليه" .
وهنا اصبح الجمهور الشيعي امام اختبار عظيم , صحيح ان فتوى الشيخ النجفي سارية المفعول على مقلديه , الا انها من وجهة نظر فقهية اخرى , سارية المفعول على مقلدي السيد السيستاني والشيخ اسحاق الفياض لانهم في توجيهاتهم للناس من خلال البيانات التي اطلقوها حددوا بشكل واضح ( الرجوع لذوي الخبرة في تشخيص الاصلح ) والشيخ بشير النجفي يعتبر من اهل الخبرة لما يمتلكه من قدرة على التشخيص وكذلك استنباط الحكم كونه مرجع من المراجع الاربعة واحد اعمدة الحوزة العلمية في النجف الاشرف , وهنا حصلت مفارقتان مهمتان وخطرتان , الاولى : هي ان استجابة الناس لنداء المرجعية لم تكن فاعلة , بحيث بامكانها تغيير موازين المعادلة وقلب الطاولة على المالكي , وجعله في قفص الاتهام والمسائلة ’ بل العكس هو الصحيح ’ فقد وضعت الناس المرجعية في قفص الاتهام والمسائلة واعتبرت تلميحها وتصريحها تدخل في الشان السياسي , وبهذا الموقف فصلوا الدين عن السياسة , وجعلوا من المالكي ومجموعته الفاسدة مراجع لهم في الشان السياسي , لا لشئ , سوى ان المالكي استطاع ان يضرب على وتر ميول الناس المادي والدنيوي بما قدمه مرشحوه من هبات وعطايا من خالص المال العام ووعود كاذبة , كما فعلوها في الدورة السابقة فإنجر الناس وراء الدنيا وتركوا الدين وراء ظهورهم فانتصرت الدنيا على الدين , وهنا صدقت مقولة امير المؤمنين عندما قال ( دينهم دنانيرهم وقبلتهم نسائهم ) , وصدقت مقولة اللعين معاوية ابن ابي سفيان عندما ارسل برسالة الى الامام علي (ع) بيد احد اصحاب الامام ذكر فيها ( اقاتلك باناس لايفرقون بين الناقة والجمل ) .
والمفارقة الثانية : ان المرجعية الدينية اقحمت نفسها في معركة خاسرة لم تكن قد اعدت لها العدة اللازمة , فموقفها من العملية السياسية لم يكن واضحاً بالشكل المطلوب , ومعتمديها لم يكن مسيطر عليهم بشكل كامل في المواقف السابقة , رغم انها في هذه المرّة القت حجتها على الناس ولم تترك اي فرصة للتشكيك .
ان المرجعية الدينية وضعت نفسها في تحدي كبير ومسؤولية اكبر بعد هذه التجربة , حيث بينت هذه التجربة المعدن الحقيقي للناس , والحق يقال ان الخلل بالناس وليس بالمرجعية , ولكن التحدي الذي تواجهه المرجعية الرشيدة في هذه المرحلة , هو كيف تستطيع ان تشكل فرق عمل جوالة توعي الناس وترفع عن اذهانهم اشكاليات فصل الدين عن السياسة , وعند ذلك لن تحتاج الى خطب جمعة لتوضيح المواقف .
ان واحداً من الخيارات المطروحة لمعالجة هذا الخلل الكبير في ثقافة الناس , هو ان تتبنى المرجعية الدينية مشروعاً سياسياً ناضجاً بالاعتماد على الكفاءات الكبيرة والنزيهة التي تمتلكها القاعدة الجماهيرية الشيعية الموالية للمرجعية سواءاً بالاعتماد على السيد عمار الحكيم باعتباره الاقرب الى توجهاتها او ايجاد بدائل هي تراها مناسبة من خلال مجساتها العديدة والمتنوعة , وعندها سوف تكون حجتها داحضة وانصارها متسلحون بالوعي الكافي للاستجابة لتوجيهاتها , وتبقى المرجعية الدينية هي التي تعين المصلحة وهي التي تقدر الموقف المناسب لاننا اتباعها ومقلديها وناتمر بامرها ونطيعها ونعتبر الذي حصل في المفارقين التي طرحتهما في هذه السطور هو محك اختبار لثقافة الناس , ولكي نستطيع ان نجعل الدين ينتصر على دنيا العراقيين , نحتاج الى عمل كبير ودؤوب للدفاع عن مقام المرجعية الرفيع .
20/5/140504
https://telegram.me/buratha