سنتحدث عن أس آخر لمشكلات العراق، لنتناول نتيجة واحدة من نتائجه، والمتمثلة بسيطرة مسلحي التنظيمات الإرهابية على شبكة الري في أعالي الفرات، وتحكمهم بمجرى النهر..
ربما لا يوجد مهندس ري عراقي، لم يقرأ كتاب "Irrigation in Iraq"، فقد قرأته باللغة الإنكليزية سنة 1972، ككتاب منهجي يُملى على طلبة الصف الثاني من كلية الهندسة آنذاك، ومازالت نسخته عندي منذ ذلك الوقت.
في هذا الكتاب الأكاديمي الرائع، يشرح كاتبه المهندس الإنكليزي بي بيورنك، تاريخ الري في العراق، ويتناول بالتفصيل مشكلات الري، ويضع تصورات لحلول تلك المشكلات..
الكاتب أشار في بحثه المعمّق، الى أن العراقيين هم أقدم سكان الكرة الأرضية، قدرة في التعامل مع المياه وترويضها وتطويعها لخدمة الإنسان، وأشار الى كفاءتهم بإدارة هذا الموضوع الحيوي، طيلة الـ 1000ألف سنة المنصرمة..
ضمن آرائه الواردة في كتابه، أن المجرى الحالي لدجلة والفرات، ليس هو المجرى الطبيعي لهما، بل إن هذا المجرى العظيم، هو نتاج جهد آلاف السنين من العمل الشاق لترويض النهرين، وخص بالذكر فروع دجلة والفرات، دجيل، والغراف، والمشرح والكحلاء والبتيرة لدجلة، والحلة والديوانية والهندية والحمار للفرات، وكل ذلك كان نتاج العقل والزند العراقي ..
مات "بيورنك" في ستينيات القرن الماضي، وترك لنا كتابه مفتوحاً على سبعينيات القرن العشرين، حينما تدخل عامل جديد في إدارة شبكة الري في العراق، وهو عامل الهندسة الطائفية !.
فقد شرع النظام الطائفي البعثي آنذاك، بترويض دجلة والفرات ليس لخدمة الإنسان العراقي، بل ليحولهما الى شيطانين يسحقان هذا الإنسان.
لقد قام بإنشاء شبكة سدود على النهرين العظيمين، فأنشأ سلسلة من السدود والنواظم، وتشكلت خلف تلك المنشآت، بحيرات وخزانات ماء عظيمة: الثرثار، حديثة، الرمادي، الفلوجة، الحبانية على مجرى الفرات، وسد صدام وبحيرته، وبخمة وكلك وسامراء على دجلة.. اللافت أن جميع تلك السدود كانت تقع شمال بغداد، ما عدا سدي الكوت والعمارة اللذين أنشئا للسيطرة على ما يليهما من أرض وسكان.
وناغمه في مخططه الأتراك، وسلسلة سدادهم بمشروع الكاب التركي، التي تربو عشرين سداً على النهرين، وحذا حذوه السوريون في سد الفرات وطبقة.
كانت النتيجة المباشرة لهذا المخطط الخبيث، أن جف الوسط والجنوب العراقيين، وأنتشرت الملوحة في التربة، وتخربت أرض زراعية، كانت تعيل 30 مليون انسان، في عهد بني العباس كما تشير روايات "ربعهم".. وانتهت أرض السواد الى أن صارت أرضاً يباب، لأن سكانها ليسوا من طائفة الحكام .
اليوم نلمس لمس اليد غرضاً خبيثاً آخر، من مخططات النظام البعثي الطائفي، تركه أرثاً لمن خلفوه، فقد كان يسيراً عليهم قطع مياه الفرات عن الوسط والجنوب، لإتمام المخطط البعثي الطائفي، بقتل إرادة أهل الوسط والجنوب .
كلام قبل السلام: لا تستخف بذبابة تقف على طعامك، فالإسكندر المقدوني قتلته بعوضة ! فقد خرج من مقدونيا فاتحاً، وهبَّ على العالم القديم كالإعصار لم يعد إلى بلاده ثانية، فقد مات بالملاريا في أثناء عودته من الهند بلدغة بعوضة، ولا أحد يدري أين دفن!.
سلام...
https://telegram.me/buratha