المقالات

علامات المؤمن خمس

817 18:31:00 2012-12-24

محمد حسن الساعدي

روى الشيخ في التهذيب والمصباح عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) قال: علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين، أي الفرائض اليوميّة وهي سبع عشرة ركعة والنوافل اليوميّة وهي أربع وثلاثون ركعة، وزيارة الأربعين والتختم باليمين وتعفير الجبين بالسجود والجهر ببسم الله الرحمن الرحيموبما اننا على ابواب زيارة الاربعين فإذا كان يوم الأربعين من النواميس المتعارفة للاعتناء بالفقيد بعد أربعين يوماً، فكيف نفهم هذا المعنى عندما يتجلى كما يروي زرارة عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام). في موضوع كالحسين (عليه السلام) الذي بكته السماء أربعين صباحاً بالدم، والأرض بكت عليه أربعين صباحاً بالسواد، والشمس بكت عليه أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة. ومثل ذلك فالملائكة بكت عليه أربعين صباحاً، وما إختضبت امرأة منا ولا أدهنت ولا اكتحلت ولا رجلت حتى أتانا رأس عبيد الله بن زياد وما زلنا في عبرة من بعده .ومع بدء الزحف المليوني نحو كعبة الأحرار مدينة الحسين(عليه السلام) لم يرهبهم الموت، ولا التهديدات بوجود السيارات المفخخة أو رابطي الأحزمة الناسفة، بل زادتهم عزيمة وإصرارًا على الزحف، وتمسكًا بسيرة ومبادئ أبي الأحرار الإمام الحسين. في طريقهم نحو كربلاء المقدسة، وتجديد البيعة مع سيد شباب أهل الجنة، تندلع من حناجرهم الشعارات التي طالما ألفوا على ترديدها: "لبيك يا حسين".... "لو قطعوا أرجُلنا واليدين نأتيك زحفاً سيدي يا حسين".هذه الشعارات المدوّية تحمل في طياتها معاني عظيمةً ودلالات تاريخية. التاريخ يشهد أن الوالي الأموي (الحجاج بن يوسف الثقفي) الذي وُصِف بجلاد عصره، وعُرِف عنه حقده على آل البيت وأتباعهم، أصدر أمره بقطع يد أو رجل كل من يرغب في دخول كربلاء لزيارة الحسين، وعلى رغم القرار الظالم والجائر إلا أن محبي الإمام كانوا يتوافدون نحو مداخل كربلاء، ويصطفون في طوابير "قطع الأطراف"؛ ليأخذ كل واحد منهم نصيبه في أخذ تأشيرة الزيارة بقطع إحدى يديه أو رجليه. هكذا جرت المظالم على زوار الحسين ومحبيه في السابق وحتى اليوم. لقد تجلّت التضحية بأعظم معانيها مع الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء. فالإمام عليه السلام لم يضحِّ بنفسه فقط، بل ضحّى بعياله ونسائه وأهله وأصحابه وبكل شيء من أجل رضا الله تعالى، وها هي كلماته تعلّمُ كل مضحٍّ أن الهدف الأسمى هو رضا الله مهما عظمت التضحية :" أرضيت يا رب؟ خذ حتى ترضى".ومما لاشك فيه أن الأمام الحسين عليه السلام ضرب لنا أروع الأمثلة في التضحية والفداء في سبيل أعلاء كلمة الله وفي سبيل الدين الحنيف وهانحن اليوم نعيش في أجواء هذه الذكرى الأليمة ذكرى أستشهاد الأمام وأهل بيته وصحابته عليهم أفضل الصلاة والسلام فقد ضربوا لنا أروع الأمثلة بالتضحية بالنفس في سبيل الله والدين ويجب علينا أن نعي حجم هذه التضحيه وأن نسير علي نهجهم وأن نحي ذكرهم فثورة الأمام الحسين لم تكن ابداً ثورة تاريخية وحسب ، وإنما هي أعظم ثورة حضارية تجسدت فيها تجارب كل البشرية بدءاً من نبي الله آدم وإلى لحظتنا هذه كيف لا وقد فاحت منها كل معاني الحياة ، ورسمت للمستقبل خطوطه ، وأوضحت للأجيال أهدافها .. وهي أعظم معركة في التاريخ بين الحق والباطل .. وهي التي اختصرت لنا قراءة التاريخ .. حتى يعيننا في تحدياتنا في الحاضر والمستقبل.. لقد أسهمت ثورة الأمام الحسين في مساعدتنا على أن ننهل منها كل القيم والمبادئ الراقية في كل زمان ومكان وذلك بما سجلته لنا كربلاء من معاني الحضارة وأسسها ومقوماتها وأسبابها. فكربلاء هي رمز التضحية من أجل هذه القيم والمبادئ ، وما حضارتنا إلا قيم ومبادئ نسعى لتحقيقها وما صراعنا إلا مع من يعارض أو يشوه أو يسيء إلى سمعة وأهداف هذه الثورة الراقية ، فهل لنا مثال ورمز في التاريخ نتعلم منه كيف نحمي قيمنا سوى الأمام الحسين عليه السلام كيف وهو من أقام لنا الصرح الكبير في الدفاع عن المبادئ بشعاره الكبير الذي صدح عالياً إلى السماء( هيهات منا الذلة)وقد وعد الله تعالى المضحين أحسن الجزاء: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم}التوبة/ 111 وبما أن الدعوة لا تحيا إلا بالجهاد، ولا جهاد إلا بتضحية، لذا وجبت التضحية وحرّم القعود والتخاذل عن نصرة الله، حتى لو أدّى ذلك الى التخلي عن أعز الناس ومحاربتهم نظراً لأن هناك أهدافاً أسمى، سيؤدي التخلف عنها الى نتائج وخيمة {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} التوبة/24والتضحية المطلوبة لا تعني بالضرورة أن يموت الإنسان من أجل قضيته، ولكنها تعني حتماً الاستعداد للمغامرة من أجلها وعدم وضع حدّ لما تتطلبه من الغالي والرخيص. والتضحية بالنفس هي من أعظم تجليات التضحية.ولم يكن هذا البذل للنفس والولد والأهل، عبثاً، فالإسلام في ذلك االوقت كان مهدداً بالخطر، والمسلمون كانوا في حالة سُبات وغفلة، والظلم عمّ المعمورة، ويزيد لم يتورع عن الجهر بالمعاصي والمحرمات. هذه الغفلة التي أصابت المجتمع في ذلك الوقت والتي قلبته رأساً على عقب، فصار يُرى الحق باطلاً والباطل حقاً: "ألا ترون أن الحق لا يعمل به، وأن الباطل لا يتناهى عنه" ، وانصرف الناس لطلب شهوات الدنيا، فانقلبت المعايير، وبدأت قداسة نسل النبوة عند الناس بالتراجع، فلم يقف لنصرة الإمام عليه السلام إلا القليل، لأن روح التضحية لديهم قد تلاشت، وصار الدين"لعقاً على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معائشهم فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديانون". هذه الغفلة التي اصابت المجتمع آنذاك لم يكن ليوقظها إلا إهراق الدم، وليست أي دماء هي التي ستحقق الهدف، إلاّ دماء سيد الشهداء ووارث الأنبياء الإمام الحسين عليه السلام . فثار من أجل الحفاظ على الإسلام قبل أن تنطمس معالمه: "على الإسلام السلام إذا بليت الأمة براعٍ مثل يزيد"، ومن أجل إصلاح الناس واستقامة حياتهم والتخفيف عن آلامهم وإزالة الجور والطغيان: "إني لم اخرج أشرا، ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً. وانّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله أريد أن آمر بالمعروف، وانهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي".هذه الأهداف السامية دفعت بالإمام عليه السلام الى التضحية بالغالي والنفيس وتفضيل الموت على الذل:" الموت أولى من ركوب العار، والعار أولى من دخول النار"،حتى خاض غمرات الموت ولم تأخذه في الله لومة لائم، فنال شرف مقام سيد الشهداء و ورارث الأنبياء، ووقى الدين وحفظ الإسلام الذي هو خلاصة جهد الأنبياء بدمه وعياله ونسائه وأصحابه من أجل نظرة رضا من الله سبحانه وتعالى. هذه هي حقيقة التضحية التي رسمها الإمام عليه السلام لكي تبقى خالدة على مرّ الأجيال ولكي يصل صداها الى قلب كل مؤمن ليبذل في سبيل الحق كل ما يملك ولا يخاف في الله لومة لائم.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك