السيد حميد الموسوي
تصر بعض وسائل الاعلام "والعربية منها" بشكل لافت- عندما يكون الحديث عن العراق- على التمسك بمفردة سقوط بغداد لا سيما في شهر نيسان من كل عام حيث تصاحب هذه المفردة فقرات البرامج الاذاعية والتلفزيونية بما فيها نشرات الأخبار والندوات واللقاءات والتحقيقات وحتى النشرة الجوية وطلبات المستمعين والمشاهدين من "الكليبات والسبوتات" والذي منه. كما تشغل هذه المعزوفة مانشيتات الصحف والمجلات وافتتاحياتها وأعمدتها ومحلياتها وأبراجها وكلماتها المتقاطعة مع ان الجميع شاهدوا بالمباشر وبالنقل الحي من خلال عدسات فضائياتهم الأنيقة المتربصة ان الذي سقط مجرد صنم وان الذي تهاوى مجرد سلطة وان الذي اندثر مجرد حقبة سوداء وان الذي جرى مجرد حادث عابر ليس في تأريخ بغداد وحدها بل في تأريخ شعوب العالم. تهاوى هولاكو وموسوليني وهتلر وقبلهم الفراعنة والأكاسرة والقياصرة وقبلهم وبعدهم وظلت العواصم شامخة بشعوبها وتأريخها وحضارتها. وبقيت البلدان تتحدى عاديات الزمن الى قيام الساعة. وبغداد كانت وستظل دارة المجد ودار السلام شامخة شموخ تأريخها الزاهر وشمم رموزها الخالدين.. فهذه ليست المرة الاولى التي تتعرض فيها بغداد للغزو والاحتلال والخراب والدمار وان تعددت الأسباب واختلفت التسميات وتنوعت العناوين والأيدي والأسلحة والأساليب وهذه ليست المرة الاولى التي تهرق فيها دماء العراقيين وتصبغ الشوارع والأنهار ويتهدم عمرانهم وتنهب ثرواتهم ويخرب اقتصادهم. أين هولاكو وتيمورلنك وموجات التتار؟، ما زال نهر دجلة الأزلي الذي أحالوه دما وحبرا يجري مع الدهر بكل إصرار وتحد. أين المغول وأدوارهم المظلمة؟!، ما زال فرات الخصب والنماء يغسل وجه العراق من شماله الى جنوبه ليروي مع دجلة الخير الزرع والضرع فتعشوشب أرضه المعطاء بما أفاض الله تعالى عليها من غلال.. أين العثمانيون وسلاطينهم وولاتهم وفرماناتهم؟!، أين حلف بغداد ومنطقة الاسترليني ومعاهدات الأمبراطورية التي لا تغيب الشمس عن أملاكها ومستعمراتها؟!، أين.. وأين.. وأين..؟!، تلاشت ولفها الزمن مع ما لفه ويلفه من بدء التكوين وحتى يرث الله الأرض ومن عليها، وطواها النسيان في بطون ذاكرته. وصارت خبرا يُروى!.وظلت بغداد قبلة الشرق وعاصمة العراق بإرثه الحضاري الضارب في أعماق التأريخ بملامحه الآشورية البابلية السومرية، بأطيافه الزاهية وموزائيك شعبه المتآخي، الذي لا تهزه المحن، ولا تهده النكبات بل تزيده اصرارا ورسوخا ومطاولة وستظل بغداد عمق
العرب وزهوهم ومددهم في سرائهم وضرائهم.رحل الدخلاء وسقطت كل مدعيات الحاقدين وابطلت جميع حجج الموتورين ، رحلوا وبقيت قباب موسى الكاظم ساطعة تحت شمس بغداد ..رحلوا وبقيت منارات الجوادين تطاول سماء بغداد وتعانق غمامها الندي .
https://telegram.me/buratha