من اعداد الشيخ حيدر الربيعاوي وتاليف الدكتور الشيخ عباس الانصاري ومن اصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية النجف الاشرف
مِنَ الضروري أَنْ نتعرّف على المكانةِ القدسيّة، والمنزلة النورانيّة للمرقد النورانيّ المقدس لسيّد الشهداء مولانا الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السّلام)؛ لكي نعرف أنّه قد حظى بهذه المرتبة الإلهيّة، لتشرّفه بمِنَ أُضيفَ إليه؛ لأن المضاف يعلو بعلو المضاف إليه، ويتنوّر بنوره.وعلى هذا الأساس وجب بيان كل ما يرتبط بالمرقد الطاهر سواء كان ارتباطاً تأريخيّاً، أو عقائديّاً، أو روائيّاً، أو غير ذلك، من حين إستشهاد سيّد الشهداء (عليه السّلام) الى تشييد المرقد، ومروراً بالأحداث المتعاقبة سلباً كانت، أو ايجاباً بالنسبة إليه كرمز ديني عقائدي تأريخي يجب أن يُخلّد، وحينئذ سيتضح السرُّ في شرافة البقعة الطاهرة وما عليها.وقد تقدم هذا الكلام باب في مكانة صاحب هذا الصرح العظيم في المجتمعات البشرية وواقع مظلوميّته، وكرامة مرقده الطاهر.
مكانة سيّد الشهداء الحسين بن علي ‘في المجتمعات البشرية وواقع مظلوميّتهبينَ المميزات وكرامة المرقد المطهّرمقدمةٌ تمهيديّة:لقد إمتاز سيّد الشهداء الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) مِنْ بين أئمة آهل البيت (عليهم السلام) بميزات خاصة, وإنفرد بظروفٍ في غاية الحساسية, وتياراتٍٍ معاكسة، أرادت بموجاتها التي يتصور أنّها عاليةٌ جرّافة, ان يجرفوا الدين عن اهله, ويسلخوا عن الشيعة عقيدتهم الإلهيّة الحقّة.فكان مما يناسب مواجهة تلك الظروف والأحداث, أَن تكون مواجهة لهذا الخطر الكبير الذي كان يهدد الأمة بالهلاك والضياع في ظلمات الضلال ومتاهات المنحرفين الاشرار.كل ذلك حمَّل الإمام الحسين (عليه السلام) مسؤولية القيام بوجه هؤلاء الظالمين, لصدِّ هذه الأحداث, وردع المخططات العدوانية، وكشفها التي هجمت ضد الإسلام وأهله, وذلك من خلال نهضته الإصلاحية التي لاقى من أجل تحققها الكثير من المصاعب الجمّة والآلآم والمصائب العظيمة, والتي لا يمكن أَنْ نتصور لها مثيلاً في التاريخ البشري مهما كان مصابه عظيماً, وجَرْحٌ ألمهُ عميقاً, وظرفُهُ حساساً؛ لهذا كان سيّد الشهداء الامام الحسين (عليه السلام) يؤكد على اهداف ثورته بحسب ما يقتضي الحال, ففي كلام لـه (سلام الله عليه) عندما كان يُسئل عن سبب خروجه الى العراق, والاصرار عليه, قال:«إنّي لَمْ اَخْرُجْ أَشراً ولا بَطراًً ولا مُفسِداً ولا ظالماً, وإنّما خَرَجْتُ لِطَلبِ الأَصلاحِ في أُمّةِ جَدّي (صلى الله عليه وآله).أُريدُ أَنْ آمُرَ بالمعروفِ وأَنهى عَنْ المنكَرِ وأَسيرَ بسيرةِ جدي وسيرة أبي علي بن أبي طالب (عليه السلام)...»( )*فالامام الحسين (صلوات الله عليه) باعتباره إماماً حقّاً، واجه في عصره الخطر الكبير الذي كان يهدد الدين والعقيدة الحقّة بالانحراف والاضمحلال, نهض بثورةٍ صارمةٍ, وجعل منها سدّاً رصيناً لا تستطيع أَنْ تقاوم أمامه تيارات البغي، والظلم، والعدوان ضد الاسلام العزيز.ولهذا حظى بامتيازاتٍ عظيمةٍ، ومكانةٍ عاليةٍ عند الله (تبارك وتعالى) وانبيائه، ورسله، وأوليائه؛ بل عند الخلائق أجمعين, الأمر الذي لايعني أنّ ائمة اهل البيت الطاهر (عليهم السلام)لم تكن لديهم هذه القابليّة، والامكانيّة، الرساليّة في ردع هذا الاتجاه المنحرف, والتيار المعاكس للرسالة الإلهيّة, إذا حدث في زمان أحدهم ذلك _والعياذ بالله _, ولكن لكل ّإمامٍ منهم (سلام الله عليهم) ظرفه الخاص، وتعامله، ومنهجه الذي يتلائم مع ما يحيط به من الظروف.ولخطورة الموقف وحساسية الامر في إمامة الامام الحسين (عليه السلام), سلك (سلام الله عليه)، ونهج المنهج الثوري, وخط الثورة والمواجهة المباشرة بالسيف مع أعدائه _ الذين هم اعداء الدين _, فقد كان كجده رسول الله |، وأبيه أمير المؤمنين الامام علي (عليه السلام)يغضب لله ولنصرة الحق المتجسد في حفظ الرسالة الألهيّة.ومِنْ هنا أنطلق الفكر الثوري لسيّد الشهداء (عليه السلام) في عصرٍ عُصيَّ فيه الله, وأُنتهكت حرمة الدين, وكادت أن تُحرّف الرسالة المحمديّة الأصيلة, ولهذا قصد بنو أمية الحسين (عليه السلام) بالذات؛ لانهم كانوا يحسّون بأنه يشكل خطراً كبيراً عليهم.., يهدد كيانهم وسلطانهم, ويضعضع كبريائهم, بل يزّعزّع قاعدتهم في الأساس، وإنها سوف تنهار حتماً وابداً مهما بلغت من السيطرة في أمرها.فاصبح في تلك الفترة خطان متوازيان؛ الخط الحسينيّ الحقّ, والخط الأموي المنحرف الباطل, بدليل إمتناع الأمام الحسين (عليه السلام) عن البيعة ليزيد, وتصريحه بخوفه على الاسلام, والخطر الذي يهدده إذا تسلط يزيد على مقاليد الحكم.نعم, إتخَذ سيّد الشهداء (عليه السلام) هذا الموقف غيرةً منه على الاسلام العزيز, كما جسّد (سلام الله عليه) هذا المعنى بكلماته الشريفة, وأفصح باحقيّتهم (عليهم السلام) بحفظ الرسالة والدفاع عنها, وكشفَ حقيقة يزيد للامة, حيث قال (عليه السلام):«نَحنُ أهلُ بيتِ النبوَّةِ ومعدِنُ الرِّساله, وَيزيد فاسقٌ شاربُ الخمرِ وقاتلُ النفسِ, ومثلي لايُبايعُ لمِثلهِ... »( ).وفي كلام آخر لـه (عليه السلام), قال:«وعلى الاسلام السلامُ؛ إذ قد بُليت الأُمَّةُ براعٍ مثلِ يزيد!... »( ).لاجل هذه المبادئ أصرَّ (عليه السلام) على مجاهدةِ بني أُمية بالرغم من قلة الناصر وكثرة الاعداء, وقدّم اهل بيته وأصحابه قرباناً لله ونصرة الاسلام, في ختم المسير في ثورته وجهاده بأعظم قربانٍ إلهيّ لا نظير له في التاريخ والجهاد الحقّ, ألا وهو نفسه الزكية الطاهرة, الراضية المرضية بقضاء الله وقدره.ولسابق علم الله تعالى أخبر انبيائه وأوليائه، الصالحين بخبر مظلوميّة الحسين (عليه السلام) وشهادته قبل وقوعها؛ لينهلوا منها دروساً في الصبر على تبليغ احكام الله وتطبيق أوامره, والأمتثال لـه من جانب, وتحمّلّ ما يواجهونه من اعدائه, فاصبحت لسيّد الشهداء المكانة العليا، والمنزلة الرفيعة في مجتمعات هؤلاء الصالحين على مرِّ العصور.ومِنْ هنا إنبثقت مكانة الحرم الحسيني المطهر, عندما تشرّفت أرض كربلاء بحلول الجسد الطاهر لسيّد الشهداء (عليه السلام) فيها, وحازت على شرّافتها على بقاع العالم الاخرى, وأصبح لمرقد الحسين (عليه السلام)الشأن العظيم؛ لعظم مظلوميّة صاحبه.وهكذا بقي حرم الحسين شاهداً حيّاً على مقارعة الظلم وأتباعه, ونصرة الحقّ وأهله بصورةً عامة, ومظلوميّة مَنْ حلَّ فيهِ ورَقْد تحت ثراه _ الحسين (عليه السلام) _ بصورة خاصةٍ فاصبحت كربلاء تفتخر بهذا التكرّيم؛ الذي جعلها قبلةً لتعظم الشعائر من قبل محبي اهل البيت (عليهم السلام), يقصده الزوّار من جميع انحاء العالم الشيعي, والبعض الاغلب ممن يطلب الحق ويبحث عن الحقيقة أينما كانوا.لقد وردت روايات شريفة متواترة عن أهلِ بيتِ العصمةِ والوحي (صلوات الله عليهم) تنص على فضل أرض كربلاء, بل تشهد على استحقاقها لهذه القدسيّة؛ التي نالتها بوجود الحرم الحسيني الشريف فيها.قال علي بن الحسين (عليه السلام):«أتخذ الله أرض كربلاء حرماً آمناً مباركا قبل أنْ يخلق الله أرضُ الكعبة ويتخذها حرماً بأربعة وعشرين آلف عام, وأنّه إذا زلزلَ الله تبارك وتعالى وسيرها رفعت كما هي تربتها نورانية صافية, فَجُعلت في أفضل روضة من رياض الجنّة, وأفضل مسكن في الجنَّة, لا يسكنها إلاّ النبيون والمرسلون، وأنّها لتزهر بين رياض الجنة كما يزهرُ الكوكب الدري بين الكواكب لاهل الأرض...,وهي تنادي:«أنّا أرض الله المقدسة الطيبة المباركة التي تضمّنت سيد الشهداء وسيد شباب اهل الجنة»..»( ).لهذا كان الائمة الاطهار (عليهم السلام) يؤكدون كثير في الحث على زيارة الحسين (عليه السلام), والتبرّك بتربته الطاهرة, والاستشفاء بها.. وغير ذلك.فعن الامام الباقر (عليه السلام) إنّه قال:«مَنْ باتَ ليلة عرفه في, أقامَ بها حتى يُعيد وينصرف وقاه الله شر سنته »( ).ولاهمية الكلام في هذا لجزء, رأيت من المناسب تقسيمه على بابين:الباب الأول: تاريخ الامام الحسين (عليه السلام) بين الشهادة الخالدة والسر في شرافة البقعة الطاهرة.الباب الثاني: تاريخ المرقد الشريف وواقع الأحداث المتعاقبة عليه. ليتضح للقارئ الكريم تفصيله بدقةٍ ووضوح وافي, مختصراً في ذلك كله على أهمها, أسأل الباري (سبحانه وتعالى) التوفيق فيه والقبول والتجاوز عن الخطأ, والعفو على ماصدر سهواً, إنّه سميع مجيب.
https://telegram.me/buratha