من اعداد الشيخ حيدر الربيعاوي وتاليف الدكتور الشيخ عباس الانصاري ومن اصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية النجف الاشرف
بسم الله الرحمن الرحيمالمقدّمة:
قال سبحانه وتعالى:«ومَنْ يُعَظِّمُ شَعَآئِرَ اللهِ فإِنَّها مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ»( ).وقال رسول الله |:«إنَّ الحُسَينَ مِصباحُ الهُدى وسَفينةُ النَّجاة» ( ).«السّلامُ عليك يا أبا عبدالله وعلى الأرواح التي حلت بفنائِكَ، عليك مني سلام الله أبداً مابقيت وبقي اللّيل والنهار...»* * *والحمد لله ربّ العالمين.. مبدأ الوجود ومنبعه، وغاية كلّ موجود ومرجعه، ذي الجلال والاكرام، خالق السموات السبع والأرضين; ومابينهنّ وما تحتهنّ، وربّ العرش العظيم; الذي حارت العقول بكنّه عظمته وبالغ حكمته.. حمداً كثيراً على عظم آلائه وسوابغ نعمائه، وخفي ألطافه، ووافر إحسانه.وأَفضل الصلاة وأتم التسليم على نبيه، الّذي بُعِثَ رحمةً للعالمين وخاتماً للأنبياء والمرسلين، نبيّنا محمّد الذي جاء بالحقّ المبين ليهتدي بنور رسالته المهتدين..ووافر السلام والصلاة التامة على آله الكرام الطاهرين، الذين أذهبَ الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، فاصطفاهم من بين الخلائق، ليكونوا الإمناءَ على الدّين، لاسيّما حجة الله في الأرضين، مولانا الإمام الحجّة المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه وسهّل مخرجه وجعلنا من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه).* * *لقد إقتضت حكمة الله (سبحانه وتعالى) البالغة، وتعلّقت إرادته الأزلية، بأن يكلف عباده باعمال خاصة ـ بعد فرض الواجبات ـ ومستحبّات أكيدة لها آثارها العجيبة، وكراماتها الغريبة; ولا غرابة في ذلك عند أهلِ البصيرة والإيمان.إنَّ هذه الاعمال العبادية والشعائر الدينية، هي عبارة عن معاجز إلهيّة لها عنايتها الربانيّة في ثبوتها على أرض الواقع العمليّ، وقد ثبت البعض الكثير منها بحق أهل بيت النبوة (صلوات الله وسلامه عليهم)، وهذا مما لاشك فيه بحسب عقيدتنا الحقّة ـ الشيعية ـ ، وذلك لعظم منزلة أئمتنا الأطهار (عليهم السلام)، وسمو مقامهم عند الباري الخبير بالسرائر (جلّ وعلا).فمن تلك الشعائر زيارتهم (عليهم السلام); حيث أَنّها من أعظم الشعائر الألهيّة؛ لأنها مظهر من مظاهر الطاعة والولاية لله ولرسوله الكريم، وقد أمرنا بذلك النبي الأعظم | عندما كان يحث الناس على إتباعهم بشكل عام، وزيارتهم والولاء لهم (عليهم السلام) بشكل خاص، بل يؤكده مراراً وتكراراً، «ومَنْ أطاع الرسول فقد أطاغ الله».* * *ثم أَنَّ الموضوع أخص من ذلك؛ لأننا نعلم من خلال سيرة أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وتاريخ حياتهم أن لتلك الأعمال المندوبة، والشعائر الدينية آثاراً خاصةً؛ لذلك كانوا (صلوات الله عليهم) على استمرار متواصل، ومواظبة دائمة، وحرص شديد على الاتيان والإِلتزام بها، ذلك فضلاً عن ثوابها الجزيل وأجرها العظيم، كما أنَّ التقرب لله (تبارك وتعالى) يحصل من خلالها.ومن هذه التكاليف المندوبة، ( زيارة عاشوراء ) لأبي الأحرار وسيّد الشهداء مولانا الإمام الحسين بن علي ‘، ولايخفى بأنّ هذه الزيارة المعروفة متميزة عن سائر الأعمال والزيارات ندباً، من حيث كراماتها وشرفها; وكونها مفتاحاً لجميع أبواب الرحمة الالهيّة؛ لما فيها من الكنوز الخفيّة والمعارف والأسرار الألهيّة، مضافاً الى أنّها مظهر تعبير عن حب الحسين (عليه السلام) والأخلاص له، ونصرته، وتعظيم مظلوميّته؛ لذلك قال مولانا الامام الباقر (عليه السلام):«لو يعلم الناس ما في زيارة الحسين (عليه السلام) من الفضل لماتوا شوقاً، وتقطّعت أنفسهم عليه حسرات» ( ).والسرُّ في ذلك كله واضح؛ لأنَّ الإمام الحسين (عليه السلام) قدم نفسه الزكية الطاهرة في سبيل الله تعالى، وطاعة له (جل أسمه)، باعتباره إماماً وقائداً حقاً للمسلمين، وحافظاً للرسالة، ومدافعاً عن الدين آنذاك، وقد قام بثورته الجبّارة في الوقت الذي كان فيه الخطر مهدداً لأركان الدين.* * *فقد كان إمامنا سيّد الشهداء (صلوات الله عليه) يرى أنَّ هذا الخطر الفعلي لايرتفع عن دين جده المصطفى |، إلاّ بجهاده وثورته العارمة حتى الشهادة، ولقاء الله، وهو مخضب بدم الثورة الرساليّة، لهذا أقدم على الاصلاح والثورة مع ثلة من اصحابه المؤمنين على قلة عدتهم وعددهم وناصرهم، وقدم نفسه العزيزة ثمناً لإحياء الرسالة السماوية بكل شجاعة وإخلاص منقطع النظير، قائلاً:«إنْ كان دين محمّد لم يستقم إلاّ بقتلي فياسيوف خذيني» ( )، لأنه (عليه السلام) يعلم علم اليقين بمشيئة ربه سبحانه وتعالى وإرادته الأزلية، كما أفصح عنها لأخيه محمد بن الحنفية عندما إعترضه على القدوم الى الكوفة؛ لشدة خوفه عليه من أن يُغدَر بهِ، كما حصل لأبيه أمير المؤمنين، وأخيه الحسن ‘، وذلك بقوله:«شاء الله أن يراني قتيلاً» ( )، لهذا قال الامام الصادق (عليه السلام) ـ عندما سئله ابن سدير عن زيارتهِ ـ :«زره ولاتجفه فإنّه سيّد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة».* * *ومن هنا عمدت للبحث في «زيارة عاشوراء المعروفة» مؤكّداً على أهم الموضوعات المطروحة فيها، محاولاً إبراز الأهم من مفاهيمها، والحمد لله وفّقت لعرضها على المنبر الحسيني المقدّس في عشرة محرم الحرام لعام (1422) هجرية في مدينة الأهواز ـ في حسينية سيّد الشهداء (عليه السلام) ـ حيث كانت ببركة الامام الحسين (عليه السلام)محلاً للاقبال والأعجاب، كما وفقتُ لاداءئها في تعظيم مصاب سيد الشهداء (عليه السلام)، وبيان مظلوميّته؛ وذلك من خلال نصوص الزيارة، والتي تُعَدُ عبارة عن بيانٍ إعلاميٍّ خالد ينصّ على رفع شعار الولاء لسيد الشهداء (عليه السلام)، والمضي على منهجه الحق بعد إستشهاد.وعندما طُرحت فكرة الكتابة عن مكانة أهل البيت في المجتمعات الاسلاميّة، في مؤتمر الشيخ الطوسي الذي يقيمه المركز العالمي للدراسات الاسلامية للحوزة العلمية، في مدينة قم المقدّسة، حاولت، مستعيناً بالله تعالى ونبيه المصطفى | وآله الميامين (عليهم السلام) تطوير هذا الجهد المتواضع وتبويبه الى عدة أبواب وفصول؛ لهذا شرعت باذلاً كل ما بوسعي من عزم وقوة بما يتناسب وطرحه ككتاب في ترويج ما يتيسر لي من مقامات أبي عبدالله الحسين (عليه السلام)، ولتسليط الاضواء وكشف بعض الأسرار والحجب، ورفع الاستار عن مكانة مرقد سيّد الشهداء (عليه السلام) المكنونة في زيارته الميمونة ـ زيارة عاشوراء ـ ، ومكانة مرقده الطاهر; والتي جاءت على لسان حفيده الامام محمد الباقر(عليه السلام)، ولكن قبل الدخول في شرح فقرات هذه الزيارة الإلهيّة المقدسة، بدأت باستعراض المراحل التأريخيّة والعقائديّة لشهادة سيّد الشهداء (عليه السلام)، وشرافة البقعة الطاهرة التي رقد فيها، كما تبعتها ببيان واقع الاحداث العدوانيّة التي تعرّض لها المرقد الطاهر من قبل الطغاة، بعد تشييده من قبل محبي الحسين وشيعته، حيث أصبح صرحاً ولائياً وثورياً شامخاً.ولاأدعي الكمال والتمام في ذلك، إنّ الكمال والتمام كله للواحد القهّار «جلّت عظمته»، فمنيّ الجد والسعي ومنه تعالى الأعانة والتوفيق راجياً بذلك من كرمه تبارك وتعالى أن يسددني ويتقبّل بلطفه ورضوانه هذا القليل، ويجعله خالصاً لوجهه الكريم، إنه تعالى خير موفق ومعين وما توفيقي إلاّ بالله السميع المجيب.«سبحانك لاعلم لنا إلاّ ما علّمتنا إنّك أنت العليم الحكيم».والحمد لله ربّ العالمين والصلاة على محمّد وآله الطاهرين.
https://telegram.me/buratha