نعيم الهاشمي الخفاجي ||
الإسلام شريعة متكاملة فهو لاينفصل عن السياسة، ومحاولة الإعلام البدوي الضحك على عقول الناس بتقسيم المجتمعات إلى أقسام متعددة وتحميل الإسلام السياسي مسؤولية القتل والذبح والتفخيخ، كذبة كبرى لا تصدق، ومن يصدق ذلك سوى أصحاب العقول السطحية، المشكلة ليست في تطبيق الحكم الإسلامي وإنما المشكلة الحقيقة تكمن في نوعية الإسلام السياسي هل يقبل بوجود الرأي والرأي الآخر وتقبل أصحاب الديانات والملل الأخرى في العيش المشترك.
حدثت تجارب إسلامية في حكم الكثير من البلدان والامصار الإسلامية في نهاية القرن الثالث الهجري والرابع والخامس الهجري وكانت تجارب حكم جيدة وممتازة، مثل حكم الدولة الفاطمية إلى مصر وبلاد الشام وشمال افريقيا، لم يقوموا في إبادة الديانات المسيحية، وبقيَ الأقباط يتمتعون بالحرية العبادية بشكل كامل، واهتم الفاطميون في بناء المدارس ودور العلم والمعرفة.
الحركة الفلسفية والمعرفية التي حدثت بالعصر العباسي بالحقيقة حدثت الحركة الفلسفية التنويرية بعهد الدويلات بوقت ضعف الدولة العباسية، وقد لعب الشيعة الفاطميون الإسماعيليون والشيعة الزيدية والشيعة الجعفرية دور كبير في دعم علوم الفلسفة، كل علماء مدرسة اصحاب الصفا الفلسفية هم من الشيعة الفاطميون الإسماعيليون والشيعة الزيدية والشيعة الجعفرية الامامية.
لكن ابتلي ابناء الشرق الأوسط ومنذ قديم الزمان ان تكون انضار لاصحاب الديانات السماوية الأخرى تجاه فلسطين وبيت المقدس، في حقبة الدولة العباسية ونشوء الدول الشبه مستقلة قيام القوى الصليبية في احتلال بيت المقدس، ووقف الشيعة الفاطميون موقف مقاوم إلى الغزو الصليبي وكان ثمن ذلك تعاون صلاح الدين والدولة العباسية مع الصليبيين في القضاء على الإسماعيليين الفاطميين في مصر والشام، وقد استفاد الخليفة العباسي من هذا الأسلوب الدنيء، وطبق التجربة بالتعاون مع القوى العظمى للقضاء على الشيعة الإسماعيلية بدولة البويهيين في إيران مع التتار للقضاء على الشيعة في بلاد فارس وأفغانستان، وبعدها عسكرت جيوش التتار بقضاء مدينة مندلي ب ١٢٠ سنة قبل احتلالهم بغداد، وكان التتار يحلبون بني العباس مشابه لحلب ترمب إلى أبقار الخليج السمينة، بل دخلت جيوش الفاطميون بغداد وتصدت لهم جيوش التتار وعادوا الخليفة العباسي إلى الحكم بقوة جيوش التتار.
المشكلة ليست في الإسلام السياسي وإنما بنوعية الفكر الإسلامي والمذهب وفهم الدين والشريعة، تجارب الحكم الإسلامي السني تمتاز بالشدة والبطش بالخصوم وحرق الجثث منذ يوم انقلاب السقيفة وإبعاد الخليفة ووصي رسول الله ص الشرعي الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وما قضية الغدر بالصحابي الجليل مالك بن نويرة وقتله ووضع رأسه ثات قدر طهي الطعام والزنى بزوجته كانت البداية لوقوع جرائم مخالفة للشريعة الإسلامية السمحاء.
لننظر لتجربة حكم الدول العربية السنية التي جعلت من الوهابية دين دولهم، كيف نشروا التطرف داخل مجتمعاتهم وكذلك تصدير فكرهم إلى الدول العربية والإسلامية.
لقد نشر الوهابيون الفكر المتطرف والتكفيري، مما أدى إلى وقوع الفتن والنزاعات في صفوف أبناء الأمة الإسلامية، أين ماتصل هذه الأفكار إلى الدول المتعددة بالكرة الارضية، رأسا يثير الوهابيون النزاعات والخلافات، ويشعلون الحروب الداخلية مع أهل البلد الذي وصلت له أفكارهم التكفيرية، هم يقسمون الناس إلى فرق، ويكون هدف الوهابيون سوى العمل بأقذر الطرق للقضاء على كل فكر أو رأي مخالف لفكرهم الوهابي، هم يرفضون التعايش السلمي مع أصحاب المذاهب الإسلامية سواءٌ كانت سنية أو شيعية أو مع أتباع الديانات الأخرى الغير إسلامية لذلك لا يمكن محاربة الجماعات التكفيرية بدون حذف فتاوى التكفير والكراهية الموجودة في المدرسة الدينية الوهابية السعودية الحاكمة.
نشوء الجماعة السلفية المحتسبة، في السعودية والخليج في أواسط الستينات من القرن الماضي، بدا هؤلاء حركتهم من خلال القيام بحملة تكسير الصور في المحال التجارية في المدينة المنورة ومكة المكرمة وفق معتقداتهم التي يؤمن بها بن تيمية أن الصور حرام.
بعد وصول ابن سعود للحكم، بعد تعاونه مع القوات البريطانية المحتلة، مفتي الوهابية أسس جماعة اسمها جماعة الدعوة والتبليغ وكان من بين هؤلاء جهيمان العتيبي والكثير من عتاة رؤوس التيارات الاخوانية الوهابية التكفيرية، الإسلام الراديكالي، موجود منذ القدم وليس وليد اليوم، السعودية ضخمت رجل دين ساذج وغبي اسمه ناصر الدين الألباني لايحفظ ثلاث احاديث، وأصبح ناصر الدين الألباني يصحح ويضعف الأحاديث وهو لايفقه سند ثلاث احاديث فقط، ويعد الشيخ عبدالعزيز بن باز قائد الحركة الوهابية المحاسبية الروحي وهو الذي أطلق اسم «الجماعة السلفية المحتسبة» عند تأسيسها))، بكل الاحوال مفتي السعودية ابن باز كان على علاقة روحية مع هذه الجماعة التكفيرية داخل السعودية، لأن النظام السعودي يمنع وجود أحزاب سياسية أو دينية، لكنه جعل من الوهابية حزب سياسي اسوة بحزب البعث بالعراق، بكل مدينة وقرية وشارع يوجد أعضاء لجان الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف والذين يتم تسميتهم بالمطاوعة، ومعهم أمام مسجد المنطقة، فهؤلاء هم بالحقيقة حزب ديني سياسي لدعم النظام بالسعودية، كاتب سعودي ينقل عن جهيمان، حسب وصفه مشافهة، أي انه سمع الكلام منه بشكل مباشر، إننا حينما ذهبنا إلى الشيخ عبد العزيز بن باز وشكونا له حال المسلمين وكيف أنهم ابتعدوا عن السنة الصحيحة وانتشرت بينهم البدع والتعصب المذهبي، وأنهم يريدون الدعوة إلى الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح وأنهم سوف يطلقون عليها الدعوة السلفية وأنهم لا يريدون من وراء ذلك أي راتب وإنما أجرهم على الله فقال لهم الشيخ بما أنكم تحتسبون الأجر من الله فليكن اسم الجماعة الجماعة السلفية المحتسبة، ثم طلبوا منه أن يكون مرشدهم وموجههم فوافق هكذا تم الامر.
تم توظيف جهيمان كضابط في الحرس الوطني السعودي لمدة ثمانية عشر عاماً، درس الشريعة الوهابية في جامعة ام القرى في مكة المكرمة، وانتقل بعدها إلى الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة)).
للعلم جهيمان تم قبوله ضابط وهو لم يكمل صف الرابع الابتدائي، وتم قبوله في جامعات مثل جامعة ام القرى في مكة المكرمة.
الجهيمان عندما كان في المدينة المنورة التقى بمحمد القحطاني، أحد تلامذة الشيخ ابن باز، وكان يؤمن بهجر المجتمع ومؤسساته المدنية والانعزال عنه لتفشي الفساد والرذيلة في المجتمع وبعده عن الصراط المستقيم)) أفكار تكفيرية درسوها في فكر ابن تيمية هذه هي الحقيقة، جهيمان نتاج المدرسة الوهابية ويؤمن بعقيدة ابن تيمية لذلك فهو مؤمن بفكر الحركة الوهابية المتشددة، محاولة بعض الوهابية القول ان جهيمان يختلف مع الوهابية في فكرة المهدي المنتظر، فهذه كذبة كبرى، الوهابية يؤمنون في المهدي المنتظر، وعندهم طريقة انتخاب الإمام سهلة وبسيطة، يجتمع أهل الحل والعقد في انتخاب أمام وحتى وإن كان هذا الأمام هو المهدي، سبقهم بني العباس في تسمية أبنائهم في المهدي اعتقادا منهم يتم مبايعته ليكون هو الإمام المهدي المنتظر.
فخروج المهدي من معتقدات أهل السنة والجماعة ولم ينكر خروجه إلا ابن خلدون بسبب ضعف الأحاديث الواردة فيه حسب رأي ابن خلدون الشخصي.
لذلك قيام ثورة الجماعة السلفية المحتسبة بقيادة جهيمان، أو كما تعرف «جماعة جهيمان العتيبي»، التي رفعت شعار أحمد بن تيمية إلى تكفير الأنظمة السياسية في منطقة الجزيرة والخليج لارتباطهم بالصليبيين، لازالت جماعة العتيبي موجودة ليومنا هذا ويعرفون الآن بجماعة أهل الحديث.
معظم شيوخ الفكر الوهابية مصابين في مرض التكفير، هناك حقيقة، عقيدة التكفير مرض عقلي، أصاب البشرية منذ القدم، بل المجتمعات الإسلامية العربية الوهابية تحمل هذا الفيروس التكفيري القاتل، الشيخ ابن عثيمين وبقية مشايخ العلماء الذين يسموهم أعضاء هيئة كبار العلماء في السعودية، معاقين عقليًا بسبب هذا الفيروس، والمشكلة ليست في أعاقته، بل في تقديم المعاقين باعتبارهم علماء الأمة، لذلك لايمكن أن تتطور هذه الأمة ونخبتها معاقة.
الكثير من شيوخ الوهابية منهم من تمرد على الفكر الوهابي وراجع نفسه وترك الوهابية أمثال الشيخ حسن بن فرحان المالكي لكن النظام السعودي حكمه بالإعدام بسبب موقفه تجاه معاوية بن أبي سفيان والذي يعتبره الوهابية خليفة عادل وكاتب الوحي …..الخ رغم أنه عدو لله عز وجل وعدو إلى رسول الله محمد ص، من شيوخ الوهابية مثل القصيبي كان وهابي متطرف بالاخير ترك الوهابية والإسلام.
جهيمان وبسبب إيمانه بالفكر التكفيري وجد منفذ شرعي في تكفير أولياء الأمر الذين عندهم لايجوز الخروج عليهم، أوجد وسيلة جديدة للخروج على ولي الأمر من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لذلك التيارات الاخوانية التكفيرية تسير وفق نظرية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
حدثت بعصر صدر الاسلام الأولى بحقبة خلافة الإمام علي بن أبي طالب ع افضل تجربة حكم سياسي للاسلام، عاشت الاقليات وأصحاب الديانات الغير إسلامية في أمن وسلام، حتى الأمم المتحدة بعام ٢٠٠٠ اصدروا قرار في تقديم الشكر إلى الخليفة المسلم علي بن أبي طالب ع لكونه الخليفة المسلم الوحيد الذي لم يتم اضطهاد الاقليات الدينية تحت سلطته، ذكرت كتب التاريخ أن الإمام علي ع كان معه ابن عمه عبدالله بن عباس، في ظهرانية الكوفة وادركتهم الصلاة وكانوا بجانب دير مسيحي، فصلوا في باحة الدير، عبدالله بن عباس قال الى الامام ع لو شات يا أمير المؤمنين في إقامة مسجد في مكان الدير، قال له الإمام علي ع هذا مكان عبد الله به، نقيم مسجد بجانب الدير، للاسف توجد مشكلة مابين المسلمين والمسيح في منطقة نابلس في الضفة الغربية بفلسطين عندما دخل الإسلام لفلسطين بزمن خلافة عمر بن الخطاب، وبأمر من الخليفة عمر بن الخطاب تم أخذ كنيسة مسيحية بالقوة وتحويلها إلى مسجد للمسلمين ولازالت الصراعات دائرة بين المسلمين والمسيحيين على ملكية الأرض ليومنا هذا، ولننظر أيضا لقضية مسجد تاج محل، كان معبد هندوسي واخذه المسلمون وجعلوه مسجد، والنتيجة سيطر الهندوس واعادوه معبد هندوسي وبين فترة وفترة يتقاتل المسلمون والهندوس على مسجد تاج محل، الخلل ليس في الإسلام ابدا، إنما الخلل في الفكر ونوعية الفكر الديني.
كاتب وصحفي عراقي مستقل.
15/8/2023
https://telegram.me/buratha