لم تتفق وزارة العدل الأميركية ومحامو الرئيس السابق دونالد ترامب على من يمكنه العمل مشرفاً خاصاً مستقلاً لفحص آلاف الوثائق التي صادرها عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) من مقر إقامة ترامب في مارآلاغو بفلوريدا.
كشفت الصحف الأميركية، عن وجود تباين حاد بين الفريقين، بشأن المشرف الخاص، وجدوله الزمني، ودفع فاتورته، إضافة إلى انقسامات أخرى لا تقل أهمية، ما يعكس فجوة كبيرة بين الجانبين.
هذا وتعيش أميركا الآن أزمة غير مسبوقة بوجهين: الأول متروك للقضاء البت بأمره، وقد تكون له تداعيات مزلزلة بالنسبة إلى الرئيس السابق دونالد ترامب.
كما بالنسبة إلى الديمقراطية الأميركية ومؤسساتها، الانتخابية منها في الأساس، والثاني لأزمة مؤجلة نسبياً، لكنها لا تقلّ خطورة على المدى الطويل، لكونها في النهاية تتصل بالأمن القومي الأميركي.
صناديق الوثائق السرية التي استعادتها المباحث (إف بي أي) من مقر الرئيس ترامب بعد مداهمته في 8 أغسطس/آب الماضي، تدور حولها الآن معركة كسر عظم في المحاكم، يرجّح أهل القانون، ومن بينهم وليام بار، وزير العدل في إدارة ترامب، أن تنتهي بتوجيه تهمة مخالفة القانون للرئيس السابق، وبالتالي محاكمته.
ويعتبر هذا احتمالاً غير معروف من قبل في تاريخ أميركا، وقد يثير هزة مربكة لواشنطن، لكن لا خيار آخر إذا ثبتت التهمة، فلم يسبق أن عرفت واشنطن فضيحة من هذا العيار.
وعلى مرّ التاريخ لم يحتفظ أي رئيس بوثائق رسمية ثم ينقلها معه إلى منزله الخاص بعد نهاية رئاسته ويزعم أنها "مِلك لي"، كما قال ترامب، بدلاً من تسليمها لمصلحة الأرشيف الوطني كما يوجب القانون.
وخاصة إذا كانت من الصنف "السري" المتصل بأمن الدولة والمعلومات الاستخباراتية ومصادرها والعمليات السرية وعناصرها البشرية والتقنية محلياً وخارجياً وغير ذلك من الوثائق الحساسة.
وحسب التسريبات، فإن 25 من هذه الوثائق كانت من هذا الصنف، ومنها ما عثر عليه منثوراً على أرض المستودع، فضلاً عن الملفات الفارغة المعنونة "سري جداً" والتي وجدت فارغة. وتردد أن من بينها معلومات نووية خارجية.
ومن المتوقع أن ترتفع وتيرة الجدل القانوني – القضائي مع اقتراب الانتخابات النصفية للكونغرس التي باتت على مسافة أسابيع قليلة.
خرق هذه السرية على يد رئيس، وبهذه الدرجة من الخفّة والاستهتار، أثار خشية أخرى تتعلق بثقة العالم بواشنطن.
فبعد فضيحة مارالاغو، يخشى المتخوفون من تزايد الريبة لدى الآخرين، وتحديداً الحلفاء، وبالتالي ترددهم وربما امتناعهم عن تمرير أي معلومات خارجية عميقة إلى واشنطن تساعدها في استباق أحداث أو اعتماد سياسات أو إعداد مخططات تخدم مصالحها.
صارت عملية ائتمان أميركا على مثل هذه "البضاعة النادرة" عملية متعذرة، خصوصاً أن الثقة بواشنطن هبطت في السنوات الأخيرة بعد تراجعها عن توقيعها وانسحابها من عدة اتفاقيات ومنظمات دولية أيام ترامب ودون مبرر، حتى رغم تصحيح إدارة بايدن الوضع بإلغائها لتلك الانسحابات.
مجيء قضية الوثائق على هذه الخلفية زاد من الشكوك في التزامات واشنطن، ومنها الحفاظ على الجوانب السرية في العلاقات مع الغير.
لذلك تعرب الجهات المعنية بالسياسة الخارجية وشؤون الأمن القومي عن مخاوفها من مضاعفات "صدمة" مارالاغو، خاصة أنها جاءت في لحظة فوضى دولية تتسم بتبلور محاور جديدة واستقطابات إقليمية وعالمية تحتاج فيها الإدارة إلى أي تعاون أجنبي يكون تبادل المعلومات الجزء الأهم فيه.
لكن بعد الآن، وفي زمن هبوط "الأمان لواشنطن"، صار من المتوقع أن المتعاون لا بدّ أن "يعدّ للعشرة" قبل أن يتبرع بالكشف عما لديه من معلومات، وفي ذلك خسارة ليس من السهل تصحيح وترميم مسبباتها في وقت قصير.
اللعب بالثقة على هذا المستوى مكلف ويلزمه وقت في مرحلة دولية بات الوقت فيها من ذهب. وهذه مهمة إضافية، يصعب على إدارة بايدن المتعثرة خارجياً ما عدا في أوكرانيا، النهوض بها، إلا إذا أخذ شحنة زخم من الانتخابات النصفية تساعده على تعزيز صدقيته.
https://telegram.me/buratha