على الرغم من كل التعتيم الإعلامي الذي يمارسه النظام السعودي على ما يجري من أحداث داخل المملكة، لم يستطع هذه المرة إخفاء اعتقاله لأحد كبار دعاة السعودية، مما أثار جدلاً واسعاً داخل المملكة، وخاصة أن أسباب اعتقاله لاتزال غامضة حتى الآن، فالسلطات تدّعي أنه يدعم تنظيمات إرهابية خارج السعودية وداخلها، بينما يقول قسم كبير من الشعب السعودي إنه اعتقل بسبب تغريداته الأخيرة على تويتر، انتقد فيها قرارات الحكومة الأخيرة مهاجماً حكام آل سعود.
وهنا لابد أن نسأل لماذا تقوم السعودية بهذه الخطوة في هذه المرحلة بالذات؟!
يمكننا القول إن ازدواجية المعايير التي تمارسها السعودية لم تعد خافية على أحد، ومن المفارقة أن نظام آل سعود الذي يمول ويدعم التنظيمات الإرهابية في العالم، قام صباح الجمعة الفائت باعتقال الداعية السعودي عصام العويد على خلفية تهم وجهت إليه تتعلق بدعمه وتمويله لتنظيمات إرهابية داخل وخارج المملكة.
وبعد انتشار خبر اعتقال الداعية "العويد" على مواقع التواصل الاجتماعي، انقسم الشارع السعودي بين مؤيد ومعارض لقرار الاعتقال.
فالمدافعون عن الداعية يُرجعون سبب اعتقاله إلى التغريدات الأخيرة التي نشرها على التويتر، حيث وجه انتقادات لاذعة إلى الحكومة السعودية فيما يتعلق بالأنشطة الجديدة التي تتبناها المملكة، وتتعلق هذه الأنشطة في مجال الترفيه والأنشطة الاجتماعية المواكبة لرؤية المملكة 2030.
في المقابل أشارت مصادر سعودية إلى أن القرار باعتقال الداعية العويد جاء بعد عدة منشورات وتغريدات وصفتها المملكة بأنها "مسيئة للوطن وولاة الأمر"، هذا بالإضافة إلى دفاعه المستمر عن الإرهابيين كما ذكرت المصادر، وسارعت المواقع الإلكترونية خاصة المقربة من نظام آل سعود إلى تلفيق تهم مسيئة لهذا الداعية، وصلت إلى حد تخوينه والتبرء منه.
وتناقل النشطاء السعوديون عبر موقع "تويتر" تغريدات للعويد يهاجم من خلالها "داعش"، غير أن مقاطع الفيديو ومصادر سعودية أكدت ارتباط العويد بتنظيم "القاعدة"، إذ يصف مقاتلي "جبهة النصرة" فرع التنظيم في سوريا بالمجاهدين على حد تعبيرهم.
من جانبه أشار عبد العزيز الموسى العضو السابق بالإدارة العامة للتوجيه والإرشاد بالمسجد الحرام في مكة المكرمة إلى واقعة كان قد تحدث عنها في السابق، تشير إلى أن العويد متورط في جمع أموال للتنظيمات الإرهابية في سوريا، وجمع التبرعات لذلك من بوابة طلب أموال لشراء مصاحف في سوريا.
وفي السياق نفسه نشرت صحيفة "سبق" الإلكترونية، المقربة من وزارة الداخلية السعودية، نقلاً عن مصدر أمني مطّلع، بأن الجهات الأمنية قبضت صباح الجمعة 24 فبراير/شباط، على أحد الدعاة المطلوبين في قضية تمويل إرهاب مرتبطة بتنظيم "داعش".
ولم تذكر الصحيفة اسم عصام العويد، بل اكتفت بالقول إن الداعية "ع،ع" سبق أن تم التحقيق معه في هيئة التحقيق والادعاء العام، وحين علم أن الجرم ثبت عليه، وأن الهيئة قررت إحالته للمحاكمة، اتجه إلى نشر تغريدات عدة، ينتقد فيها بعض الموضوعات المثيرة للجدل مطلقاً تهديدات وصلت إلى حد إعلان الحرب على الملك، وهادفاً من وراء ذلك إلى إيهام العامة في حالة القبض عليه بأن إيقافه بسبب ذلك.
وتعليقاً على خبر اعتقال العويد، قال الخبير الأمني السعودي "الدكتور محمد الهدلاء": "هناك تغيّر سعودي كبير في الموقف من هؤلاء المحرضين، لم يعد هناك مجال للمواربة معهم أو التحرج من ذكر أسمائهم".
ويرى مراقبون للوضع الداخلي في السعودية أن هذه الحادثة لن تمر كغيرها من الحوادث، خاصةً أن الداعية العويد يملك شهرة واسعة وعدداً كبيراً من المريدين في السعودية، مرجحين أن يقوم نظام آل سعود باعتقال دعاة آخرين، مما قد يفجر صراعاً عنيفاً داخل المملكة يصعب السيطرة عليه في ظل النفوذ والمكانة الكبيرة لرجال الدين السعوديين.
أما عائلة العويد فقد نفت في بيان لها أي علاقة لابنها بتنظيم داعش أو القاعدة، وأضافت أنه ما زال معتقل لدى الجهات الأمنية.
وقال الوكيل الشرعي للعائلة، عادل العويد، إنه لم يثبت عليه أي شيء بخصوص تمويل "داعش"، معتبراً أن ما تروج له وسائل الإعلام السعودية غير صحيح، والدليل أنه لم توجه له تهمة مثل هذه، لا في وقت سابق ولا حتى بعد توقيفه.
ولم تصدر وزارة الداخلية السعودية حتى الآن أي بيان رسمي حول تفاصيل إلقاء القبض على العويد وأسبابه والتهم الموجهة إليه.
تجدر الإشارة إلى أن الداعية عصام العويد ينتمي إلى المناطق الشمالية من السعودية حيث ولد في مدينة الرس بمحافظة القصيم، لكنه نشأ في العاصمة الرياض ودرس فيها القرآن والعقيدة، الحديث، والفقه، والتفسير، واللغة، قبل أن يلتحق بكلية الشريعة في جامعة الإمام ويتخرج منها بشهادة الماجستير في الحديث وعلومه.
وعمل الداعية العويد خطيباً ومستشاراً شرعياً في الكثير من المؤسسات والهيئات الدعوية في السعودية، ومحاضر على المنابر ووسائل الإعلام السعودية.
https://telegram.me/buratha