دراسات

للقمة الاقتصادية العربية:افكار ورؤى...

5442 22:28:00 2009-01-04

( بقلم : مهند السماوي )

طلب مني ان ابدي رأيي في طرح بعض الافكار حول كيفية جعل العالم العربي اكثر تكاملا من الناحية الاقتصادية،وذلك من خلال توجيه رسالة معلنة للقمة الاقتصادية العربية،تتضمن افكار وآراء عدد من المتابعين لهذا الموضوع الحيوي... في الحقيقة فشلت كل القمم العربية بما فيها الاقتصادية في تحويل العالم العربي الى وحدة اقتصادية كبرى،بينما نجحت الكثير من البلدان الاوروبية في اقامة وحدة اقتصادية متينة فيما بينها،تبعتها وحدة سياسية،بالاضافة الى نجاح العديد من الدول الاسيوية في اقامة تكتل اقتصادي فيما بينها اولا،ثم مع الدول المطلة على سواحل المحيط الهادئ ثانيا...كذلك الوحدة الاقتصادية بين دول امريكا الشمالية الثلاث...اذن لماذا فشلنا...ونجح الاخرون؟!

اول شيء يجب قوله هو انعدام الرغبة العربية سواء الرسمية او الشعبية في عمل وحدة اقتصادية عربية،ومازالت الانانية والانعزالية هي التي تتحكم في العمل العربي المشترك...اذن ما الداعي للضجيج الاعلامي حول الرغبة في العمل المشترك؟!...دعك من هذا فالعبرة تكون بالاعمال وليس بالاقوال!. اذا وجدت الرغبة في العمل الاقتصادي المشترك،فبالتأكيد سوف ينجح العمل ولكن في المقابل يجب التذكر في ضرورة ابعاد كل العلاقات السياسية عن العمل الاقتصادي لانها تعتبر هي المعوق الرئيسي لها في ظل تحكم الديكتاتوريات في شعوب العالم العربي...قد يشكك سائل في اقامة الوحدة الاقتصادية في ظل عدم وجود الديمقراطية وما يتبعها من حرية اقتصادية تساعد على اقامة الوحدة الاقتصادية؟..

وللاجابة على هذا السؤال،من خلال تجارب الاخرين،نجحت العديد من الدول التي تتحكم فيها الديكتاتورية في اقامة نظام اقتصادي متطور،ثم تبعه اقامة اتحادات اقتصادية مع دول اخرى سواء اكانت ديمقراطية او مشابهة لها في الحكم الديكتاتوري،ومن ابرز الامثلة على ذلك الدول الاسيوية وتكتلها فيما بينها او مع الدول المطلة على المحيط الباسيفيكي،وفي الحالتين اجتمعت الدول من النظامين السياسيين المختلفين ونجحت في تكوين نظام اقتصادي مزدهر فيما بينها ومن الامثلة على الدول التي تتحكم بها نظم مستبدة،هي الصين وفيتنام،او ديمقراطية مثل اليابان وكوريا الجنوبية،او بين بين مثل ماليزيا وسنغافورة... اذن ممكن نجاح تكتل اقتصادي يضم نظم استبدادية،ولكن مع ملاحظة ان التطور الاقتصادي والوحدة الاقتصادية مع الاخرين تكون في افضل حالاتها اذا كانت الانظمة ديمقراطية،وفي حالة العالم العربي،يستبعد نجاح التحول الديمقراطي خلال العقود القادمة من الزمن،ولكن الوحدة الاقتصادية العربية والتطور الذي يصاحبها هو الذي يساعد على تحول الدول العربية نحو النظام الديمقراطي الليبرالي.

ثالث الاسباب التي تعتبر من المعوقات في العمل،هو الرأي السائد لدى الكثيرين وخاصة لدى الحكام والمسؤولين العرب في صعوبة اقامة وحدة اقتصادية عربية في ظل التفاوت الهائل في الدخول بين مختلف دول العالم العربي،وهي اشكالية شبه معشعشة في عقول وقلوب الكثيرين من ابناء العالم العربي،ومن الامثلة على الدول ذات الدخول الفردية العالية هي دول الخليج وليبيا،ومن الدول العربية ذات الدخول الفردية الواطئة هي مصر والسودان وسوريا واليمن وتونس والمغرب وموريتانيا والصومال وغيرها بينما يقع في المنتصف دول مثل العراق والجزائر والاردن ولبنان وغيرها...

وللاجابة على هذه الاشكالية،اقول:ليس الفارق الكبير بين الدول العربية في حجم الدخل القومي او الدخول الفردية،يمنع من اقامة وحدة اقتصادية مع الاخرين،بل الذي يمنع في هذه الحالة هو الرؤية من اعلى للاخرين بأعتبار الفئة الاولى غنية ولايصح مساواتها مع الفئة الثانية الفقيرة او لايصح للاغنياء تحمل عبء تنمية الفقراء ومساواتهم معهم،وهي رؤية متخلفة مازالت مع الاسف الشديد تتحكم في تفكير الكثير من الدول العربية الغنية،بل تصل الى الطبقات الشعبية ايضا وخاصة في تعاملهم اليومي مع ابناء البلاد الاخرى،دون نسيان ان ذلك يتم مع ابناء اوطان تتكلم نفس اللغة وتدين بنفس الدين،بينما في التكتلات الدولية تكون الاختلافات على اشدها،فما هي العلاقة بين اليابان واستراليا او بين شيلي والصين في تكتل دول الباسيفيك؟...والاختلاف بين تلك البلدان في كل تفاصيل الحياة ظاهر ولاسبيل لانكاره،ولكن لخدمة مصالح شعوب تلك البلدان،وجدت انه من الافضل للجميع العيش المشترك،والعمل للتنمية الجماعية خدمة لشعوب المنطقة،بينما لاينفع الانعزال والعمل الفردي على التنمية،في ظل نظام العولمة والانفتاح الاقتصادي والسياسي في العالم،بحيث يصعب العيش بمعزل عن التأثر بما يجري في المحيط الخارجي،وخاصة في المجال الاقتصادي.

ومن الامثلة على وجود الدول الفقيرة والغنية في تكتلات واحدة،هي الوحدة الاوروبية،التي تجمع بين الدول الاكثر غنى في العالم وعلى سبيل المثال الدول الاسكندنافية ودول البينولكس والمانيا وفرنسا وغيرها،بينما نجد في الاتحاد دول اوروبا الشرقية الفقيرة نسبيا مثل بلغاريا ورومانيا وسلوفاكيا وغيرها،والفارق بين الدول الاكثر غنى والاكثر فقرا،هو مشابه للفارق بين الدول العربية الغنية والفقيرة،وبذلك تكون الوحدة الاوروبية قد اعطت لنا نموذجا مثاليا للاتحاد بين الدول الفقيرة والغنية...ومن الامثلة الاخرى،اتحاد دول امريكا الشمالية بين امريكا وكندا الغنيتان،مع المكسيك وهي الدولة الفقيرة...وكذلك بين اليابان وكوريا وتايوان وسنغافورة الغنية وبين الصين واندونيسيا والفلبين والاكوادور الفقيرة.

وتلك الاتحادات نجحت وبدون شك... ولكن ما الداعي للاتحاد بين الدول الفقيرة والغنية في تلك التكتلات؟...والجواب هو ان تنمية الدول الفقيرة في تلك الاتحادات تصب في مصلحة الدول الغنية ايضا،وذلك من حيث ان تلك الدول سوف تتطور سريعا مما يخفف الحمل على الدول الغنية في الكثير من المشكلات الدولية،وايضا يمنع من الهجرة الجماعية للعمل والعيش في الدول الغنية،وذلك من حيث ان ازدهار الاقتصاد هو عامل رئيسي للاستقرار السياسي والاجتماعي،بالاضافة الى العوائد المالية الضخمة التي تجنيها الدول الغنية من خلال الاستثمارات في الدول الاكثر فقرا في الاتحاد والتي توفر ايدي عاملة رخيصة وسوق تجارية ضخمة،وفي المستقبل فأن النمو الاقتصادي سوف يزداد في الدول الغنية وسوف يزدهر اقتصادها بقوة ومن ابرز الامثلة ازدهار اقتصاد هونغ كونغ بعد رجوعها الى الصين عام 1997 بحيث ازداد النمو الاقتصادي بسرعة كبيرة مع ازدياد الاستثمارات في الوطن الام وانفتاح الاسواق امام المنتجات المصنعة في هونغ كونغ بالاضافة الى التسهيلات الكبيرة التي يحصل عليها مواطني هونغ كونغ في بلدهم الصين مما يجعلهم ينتقلون اليها للعمل والعيش نظرا لصغر مساحة هونغ كونغ،وكذلك الحال مع تايوان التي نما اقتصادها بقوة مع تحسن علاقاتها مع الصين.

لوحظ ايضا ان البلاد الاكثر فقرا تنمو بقوة اكثر من الغنية حتى تصل الى مرحلة تتساوى او تتقارب البلاد المنضوية تحت جناح الاتحاد،ومن ابرز الامثلة على ذلك ايطاليا واسبانيا والبرتغال والتي كانت الاكثر تخلفا في اوروبا الغربية خلال حقبة مابعد الحرب العالمية الثانية،ولكن الان هي في مستوى معيشي متقارب ان لم يتفوق على بقية البلاد الاخرى.وفي النهاية نجد ان الدول التي تحتفظ بفوائض مالية ضخمة هي من صالحها ان تستثمر ذلك في البلاد العربية الفقيرة،لكون العائد المادي يكون اعلى من الاستثمار في اوروبا مثلا،وكذلك مصدر اكثر امانا من الاستثمار في الاسواق المالية العالمية والتي وجهت ضربة قاصمة للمستثمرين من بلاد العالم الثالث الفقيرة خلال الازمة المالية الراهنة،مما يعني ان توفر مكان خصب للاستثمار تتوفر فيه معظم عوامل الانتاج من قبيل الايدي العاملة الرخيصة والماهرة،وكذلك توفر السوق لتصريف المنتجات،وانخفاض مستوى الضرائب وتوفر الطاقة الرخيصة والارض التي اذا لم تكن مجانية فهي رخيصة الثمن،وغيرها من العوامل الاخرى.

من النقاط الاكثر الحاحا،هي ضرورة العمل على بناء قوانين متطورة تشجع الاستثمار وتنظمه وتحمي الملكية الفردية من المصادرة والتأميم،والاستفادة من خبرات الدول الاخرى وخاصة في العالم الغربي،والذي قطع شوطا بعيدا في اصداره القوانين التي تنظم الاستثمار والعمل والضرائب وحماية الملكية. بالاضافة الى تذليل كل الصعوبات البيروقراطية التي تمنع الاستثمار او تعوقه،فقد لوحظ بأن الدول المتقدمة تتسابق فيما بينها لتسهيل الاستثمار داخل اراضيها،بحيث لايحتاج صاحب العمل الى تأسيس شركة سوى يومين فقط لانجاز كل المعاملات،في استراليا وسنغافورة وهونغ كونغ،بينما في الدول العربية تعشعش في دوائر الدولة الكثير من القوانين المتخلفة والبيروقراطية والروتين الاداري القاتل والافاعي من الموظفين العاطلين والمعطلين،وهذا يجعل كل مستثمر يهرب بجلده من تلك المعمعة مفضلا الاستثمار في بلاد اكثر امنا واستقرار وتوفر تسهيلات وبيئة نموذجية للاستثمار.هنالك الكثير من النقاط الاخرى،من قبيل الانعزالية في العمل الاقتصادي وعدم تقبل التعاون مع البلدان المجاورة في المجال الاقتصادي من قبيل فتح الابواب امام الاستثمار والعمل المشترك، ومن ابرز تلك البلدان،الكويت وليبيا والجزائر،وقد اثبت ذلك الانعزال خطره على التنمية الاقتصادية والتطور بصورة عامة،مما ينعكس ذلك سلبا على الحياة الاقتصادية والاجتماعية في ظل تحول العالم الى قرية صغيرة وخاصة خلال العقود الاخيرة.

بالمقابل وجدنا ان الدول التي كانت منغلقة على ذاتها قد بقيت متأخرة عن الركب الاقتصادي العالمي وواجهت صعوبات جمة في المجال الاقتصادي مثل كوريا الشمالية وبورما،بينما نلاحظ ان انتهاج تلك البلدان سياسة الباب المفتوح بعد ذلك قد حولها الى بلاد متطورة خلال فترة قصيرة من الزمن،بحيث اصبحت كل الابواب مشرعة امام الخارج وخاصة للعمالة الاجنبية اوالاستثمار الخارجي ومن ابرز الامثلة على ذلك،ايرلندا التي كانت متخلفة عن بقية دول الاتحاد الاوروبي الى ان فتحت ابوابها الخارجية امام العمالة الاجنبية والاستثمار الخارجي والتركيز على التعليم،مما حولها الى احتلال المركز الثالث في متوسط الدخل الفردي على مستوى القارة الاوروبية!وبذلك اصبحت نموذجا مثاليا يحتذى به،ولذلك فأن سهولة التنقل بين بلدان العالم العربي يساعد كثيرا على نمو الاقتصاد من خلال ازدهار السياحة والاستثمار الخارجي والعمل وغيره.

من العوامل الرئيسية التي تمنع تقدم البلاد العربية هي الانفاق الدفاعي والامني الهائل،والتي تزيد على 10% بكثير، في غالبية بلدان العالم العربي مما يجعل تبذير الاموال في مشاريع عسكرية امرا لامفر منه ولاقيمة له من ناحية العائد المادي،بينما في المقارنة مع الدول الاخرى وخاصة في العالم الغربي،فالنسبة لاتتجاوز 5%في جميع الاحوال بينما كانت النسبة مقاربة لذلك اثناء فترة الحرب الباردة،والتي انخفظت بعد ذلك لاحقا بسبب انتهاء تلك الحرب،وللتذكير بأن هذا الانفاق لاينفع الامن القومي ابدا لا في رد الهجمات الخارجية او ردع اسرائيل او ضبط الامن الداخلي لدى البعض الاخر،فعلام هذا الانفاق التبذيري الهائل؟!.

من العوامل الرئيسية هي ضعف التعليم في البلاد العربية،ومحدودية الموارد البشرية المدربة تدريبا مهنيا جيدا،ولذلك يعاني العالم العربي نقصا كبيرا في الايدي الماهرة،ويحتاج الى عدد كبير من المؤسسات المهنية.ودول العالم العربي هي الاقل انفاق على التربية والتعليم في العالم هذا بالاضافة الى الاقل انفاقا على البحث العلمي،ولذلك تعتبر الدول العربية المستهلك الاول لمبتكرات التكنولوجيا العالمية،ولا تضيف الا قليلا جدا اليها،بينما تعتبر اسرائيل من البلدان الرائدة في العالم من حيث نسبة الانفاق على التعليم او البحث العلمي.الحاجة تبقى ماسة الى منظمة قوية على نمط الاتحاد الاوروبي تدير الاقتصاد وتجعله اكثر انفتاحا وامنا،والمنظمة العربية الموجودة وهي الجامعة العربية،هي من الضعف الذي لايجعلها تقوم بأي دور هام لتطوير البلاد العربية،بل هي جامعة هشة يتحكم فيها جهاز غالبيته مصري وتخضع لمختلف تواجهات السياسة المصرية سواء يمين او يسار،بالاضافة الى احتكارها منصب الامين العام !،بينما في الحقيقة يجب منح المنظمة الجديدة صلاحيات اوسع،وضرورة اختيار الامين العام بالترشح من كل البلاد العربية ولفترة زمنية قصيرة غير قابلة للتجديد،وجعل رئاسة الاتحاد لكل دول الاتحاد بالتساوي وبشكل دوري لايتجاوز الستة شهور والاستفادة من خبرات الاتحاد الاوروبي في هذا المجال،واخيرا اخراج المنظمة من القاهرة وجعلها في بلد عربي صغير محايد مثل لبنان تنتشر فيه وسائل الاعلام والمؤسسات الدولية ومظاهر الحرية السياسية وكمثال توجد رئاسة الاتحاد الاوروبي في بروكسيل عاصمة بلجيكا.

القطاع الخاص:يعاني القطاع الخاص في الدول العربية،العديد من المشاكل التي تقيد دوره وتجعله هامشيا في الحياة الاقتصادية. فالقطاع الخاص العربي لايعمل مثلما يعمل القطاع الخاص في الغرب،فهو قمة في الانانية المفرطة وضيق الافق،وانعدام الاخلاقية والوطنية والشفافية في عمله شبه سائده،كذلك انعدام الطموح نحو التوسع سائدة وعمله في الغالب في مشاريع صغيرة تدر ارباح كبيرة،يعاني من مشاكل كثيرة في العمل ولاتوجد قوانين كافية لتنظيم العمل ووضع حد ادنى للاجور،كذلك تتفشى فيه استغلال بشع للايدي العاملة واستغلال الاطفال وحرمانهم من حقوق العمل الرئيسية،بالاضافة الى التهرب الضريبي والفساد في عمله وخاصة استخدام الرشاوى والمحسوبية للحصول على صفقات كبيرة او تسهيلات له...هذا يعني انه يعاني كغيره من قطاعات الدولة الاقتصادية من مشاكل رئيسية...والحل يمكن تصوره في بعض النقاط التالية:

1-وضع قوانين كاملة لتنظيم العمل في القطاع الخاص وتنظيم علاقته مع القطاع العام والمصالح الخارجية.

2-وضع حد ادنى للاجور ومنع استغلال العمال او الاطفال وفرض اجراءات عقابية شديدة لمن يخالف القوانين.

3-منح تسهيلات كاملة لعمل القطاع الخاص من خلال اجراءات الاعفاء الضريبي لعدة سنوات ومنح تسهيلات بنكية،والمساعدة على استخدام التكنولوجيا المتطورة،وتوفير الايدي العاملة المدربة جيدا.

4-فرض اجراءات عقابية شديدة لمنع الفساد بمختلف اشكاله.

5-ابعاد التدخل الحكومي في عمل القطاع الخاص الا في حالات الضرورة،وابعاد التدخل الامني والحواشي الحكومية في استغلال القطاع الخاص للمصلحة الشخصية.

6- تنظيم عمل الاسواق المالية وابعاد شبح الانهيار المالي وفرض اجراءات رقابية محكمة على مختلف العاملين والحفاظ على حقوق المساهمين.

7-القطاع الخاص في الدول العربية حجمه صغير وتفكيره ضيق ومحدود ولايفكر في استخدام التكنولوجيا الحديثة لتطوير الانتاج وتخفيض تكاليفه ...ولتصحيح تلك المشاكل وجعله منافسا رئيسيا في السوق الدولية،ينبغي على الدولة اقامة مشاريع كبرى في البلاد ثم بيعها الى القطاع الخاص او طرح اسهمها في البورصة،هذه الطريقة تساعد على امتصاص الفائض المالي المدخر والذي لايجد منافذ لتصريفه،وكذلك تحريك القطاع الخاص لامتلاك المشاريع الكبرى مما يؤدي بالتالي الى تطويره،ومن خلال اكتساب الخبرة يمكن ان يقوم بعد ذلك لاقامة مشاريع كبيرة مكملة للموجودة او اخرى تفيد البلاد. ويمكن انشاء مشاريع صناعية عملاقة او تأسيس شركات خدمية يمكن لها ان تستوعب تكنولوجيا عالية وكفاءات متخرجة وتحتاج للعمل،بالاضافة الى تمرين القطاع الخاص لكي يتحول من المحلية الضيقة الى العالمية المنفتحة!!.

8-السماح بتنقل رؤوس الاموال الخاصة بين الدول العربية،ومعاملة العربي كأي مواطن من ناحية الانتفاع من التسهيلات واعتبار ذلك واجبا ملزما على الجميع،وليس كالماضي عندما تعامل بلدان مثل العراق وليبيا،المقيمين العرب كالمواطن العادي بينما تقف دول اخرى مثل دول الخليج على العكس من ذلك في نفس الوقت.من الامور الاخرى التي تساعد على التكامل الاقتصادي في العالم العربي،هي ضرورة اقامة شبكة مواصلات متطورة،سواء برية او بحرية او جوية،وربط كل الشبكات مع بعضها كما يحدث الان في اوروبا،وعن طريق المواصلات البرية وخاصة الطرق والسكك الحديدية يمكن نقل البضائع والافراد بسهولة بين الدول المجاورة، وتسهيل عملية التنقل بين الدول العربية من خلال السماح لفترات طويلة بالزيارة او الغاء تأشيرة الفيزا بين الدول العربية،ومن خلال ذلك تسهل عملية انتقال رؤوس الاموال المصاحبة في العادة لتنقل الافراد.

اما القطاع الجوي،فمن الضروري اقامة المطارات في المناطق الزراعية والصناعية البعيدة لتسهيل عملية نقل البضائع والاشخاص وتشجيع الانتقال ايضا،كذلك تخفيض الرسوم على المواصلات لتسهيل عملية النقل،وتأسيس شركات طيران محلية وعرض اسهمها في سوق الاوراق المالية لغرض تسهيل تملك المواطنين لها.هنالك مسالة الاستثمار الاجنبي في البلاد العربية،فالضرورة تحتم تشجيعه بكافة الوسائل الممكنة وخاصة الانتاجية منها،فالمعروف ان فائدة تلك الاستثمارات بالاضافة الى تشغيل القوى العاملة العاطلة،فهي تقوم بأضافة الخبرات والتكنولوجيا الحديثة الى الاسواق العربية،هذا بالاضافة الى ان ناتج تلك الاستثمارات سوف يعود بالتأكيد الى الداخل قبل الخارج . وهناك مسألة متصلة بالاستثمار الخارجي والتعاون مع بلدان العالم الصناعي،وهي ضرورة الاستفادة من تجارب الدول التي حققت تقدما اقتصاديا خلال العقود الماضية وخاصة تلك التي ظروفها متشابهة مع ظروف عالمنا العربي،واذكر بالخصوص النمور الاسيوية الاربعة وماليزيا والصين وايرلندا وفنلندا وغيرها...وهناك بعض البلدان العربية والتي تشابه في كثير من الجوانب تلك الدول،فعلى سبيل المثال سنغافورة ذلك البلد الصغير والذي يعيش في مدينة صغيرة واحدة وذو كثافة سكانية عالية،هو يشبه البحرين او قطاع غزة،وكذلك بلد مثل تايوان يشبه في ظروفه سوريا او لبنان،بينما هنالك بلاد مثل كوريا تشبه المغرب وتونس... يعني ان ظروف تلك البلدان ونهضتها تكون بالنسبة للعالم العربي هي مختبرات مجانية لخوض تجربة مشابهة ولكن على الارض العربية وبأيدي عربية.

التخصص في الانتاج من الاشياء المهمة في تكوين عالم اقتصادي عربي موحد،فهنالك العديد من الدول التي بالاضافة الى انتاجها وتصنيعها لمواد مختلفة،تخصصت في صنف واحد او اصناف قليلة وابدعت فيها...ليس ذلك في بلدان معينة فقط،بل في داخل البلد الواحد ايضا!! وسوف اعطي امثلة عليها...في داخل البلد الواحد،كالولايات المتحدة الامريكية مثلا تخصصت ولاية ميشيغان مثلا بأنتاج السيارات،بينما ولاية اخرى مثل واشنطن على الساحل الغربي تخصصت بأنتاج الطائرات المدنية العملاقة مثل بوينغ،وولاية اخرى مثل تكساس تخصصت بأنتاج وتصنيع البترول ورعاية المواشي،بينما ولاية فلوريدا تخصصت بالسياحة وزراعة الفاكهة،وهلم جرا...... في بلاد مختلفة،مثلا تخصص فنلندا بأنتاج هواتف الموبايل من خلال وجود شركة نوكيا العملاقة فيها،وتخصص سويسرا في أنتاج الساعات المتطورة والقطاع المصرفي،بينما تفوقت المانيا بأنتاج المعدات الثقيلة والمحركات والسيارات، وكانت فرنسا في ذات الوقت متفوقة بالانتاج الزراعي والسياحة،وتفوقت هولندا بأنتاج الزهور وتكرير البترول واستخدام الموانئ،بينما تفوقت اليابان في انتاج السيارات والاجهزة الالكترونية،بينما كانت تايوان مركزا رئيسيا لانتاج قطع الكومبيوتر.

التخصص في حد ذاته يساعد على الاندماج من خلال احتياج البلد الواحد لبلاد اخرى تفوقت في انتاج سلع معينة من خلال الابداع في انتاجها او تقليل تكاليف الانتاج الى ادنى حد مما يسمح لها بسهولة التنافس مع الغير...عودة الى العالم العربي والتخصص:بينما في العالم العربي هنالك تخصص غير مبرمج او مخطط له،يعني ان الظروف العشوائية هي التي خلقت بعض البلدان الى انتاج سلع دون اخرى،ولكن بقيت الفوضى ضاربة في الصميم بدون ترتيب او استفادة قصوى من هذا التخصص...وعلى سبيل المثال كان لبنان بارزا في السياحة والقطاع المصرفي وطباعة الكتب،وتفوقت سوريا بأنتاج اصناف غذائية معينة من قبيل الزيتون والحمضيات،بينما كان البترول والغاز وانتاجهما وتصنيعهما من اختصاص دول الخليج وليبيا،بينما تفوقت مصر في انتاج القطن وغيره،وبرز العراق في انتاج التمور والسياحة الدينية والبترول،بينما كان انتاج الحديد الخام من نصيب موريتانيا...وفي النهاية كان تفوق بعض البلاد العربية في انتاج صنف معين هو قديم وكانت التجارة البينية التي ضعفت الان هي الوسيلة البارزة في التبادل التجاري بين مختلف امصارها،وقديما كان العالم الاسلامي لايحتاج الى شيء،فكل البضائع والمواد تنتج في بلدانه،اما الان فمع الاسف الشديد يحتاج الى كل شيء بما فيها مواد لا تحتاج الى صعوبة او رأس مال كبير لانتاجها.

اما في خلال فترة التكامل(في حالة الاتفاق العربي عليه فعلا لا قولا!)فأن التخصص يمكن ان يحدث ثورة اقتصادية كبرى في داخل العالم العربي وابرز مثال على ذلك هو سلة الغذاء المعطلة ونقصد بها السودان الذي يستغل اقل من 7%من اراضيه الصالحة للزراعة وفق اسلوب بدائي،يمكن الاستفادة من خيراته المعطلة من خلال تشغيل عشرات الملايين من الايدي العاملة سواء في الانتاج الزراعي او في تصنيعه،وبذلك يمكن فتح مجال عظيم للاستثمار والتشغيل وتكوين فائض غذائي ومالي منه يفيد الجميع بل العالم اجمع منه. وللعلم الاستثمار في هذا المجال كأفضل استثمار يحتاج الى مايزيد عن الترليون دولار وهو مبلغ متوفر في الخزائن العربية المغلقة بأوامر شخصية!.وهنالك دول اخرى مرشحة بجانب السودان لخلق فائض غذائي عالمي كبير،وهي العراق وسوريا ومصر والمغرب وتونس وغيرها.

السياحة العربية هو كنز ضخم لاحدود له،وابرز مثال على ذلك السياحة الدينية في السعودية والعراق في الدرجة الاولى ثم سوريا وفلسطين في الدرجة الثانية،وكما هو معروف ان الاستثمار في السياحة هو ذا ربح عال وفي نفس الوقت يشغل ايدي عاملة كثيفة،وقد قدرت الاحصائيات ان صرف مليون في السياحة يمكن ان يشغل 30 شخصا على الاقل بينما تعجز صناعة البتروكيمياويات الضخمة عن تشغيل ذلك العدد بأستثمار اضخم .والسياحة الاخرى ومن ضمنها الاثار يمكن الاستثمار في بلاد اخرى اضافة للاربعة السابقة وهي مصر ولبنان والمغرب وتونس،ولكن تبقى السياحة الدينية هو الكنز الثمين الغير مستغل بل المعطل،ويمكن الاشارة الى ان السياحة في العراق ظلت معطلة لعقود من الزمن بأجراءات الانظمة الغاشمة الغبية !!،بينما هي قادرة على استقبال اكثر من 10 ملايين كدفعة اولى ثم الوصول الى مرحلة 25 مليون فما فوق وعلى مدار العام،وهو رقم خيالي في الوقت الحاضر ولكنه متواضع في الحقيقة نظرا لتوافر الاماكن المقدسة العديدة وضخامة عدد الزوار،ولكن تحتاج تلك السياحة في البداية الى استثمارات ضخمة في البنية التحتية،بينما في السعودية والتي تفرض حكومته عوائق كثيرة امام الزائرين بحجة ضيق المكان،فيمكن اجراء توسعات كبيرة واستقبال اكثر من 10 اضعاف العدد الحالي خلال السنة ككل،والحديث الذي يقول ان ذلك مستحيل هو غير واقعي وينهار امام الواقع وبتوفر التكنولوجيا الحديثة فكما نلاحظ ان خلال الدورات الاولمبية يجتمع خلال فترة قصيرة(17يوم على الاغلب)ملايين الزوار مرة واحدة وتقام لذلك منشئات ضخمة واماكن لاستقبال بضع ملايين، فكيف الحج والعمرة واللذان لايخلوان من الزيارة على مدار العام ومنذ مئات السنين بحيث تكون المنشئات المقامة مشغلة بصورة دائمية ولحد الان لاتوجد لاسكك حديدية ولا نظام المترو ولا منشئات خدمية كاملة بل فوضى كل عام ويسقط المئات قتلى نتيجة لتلك الفوضى رغم توافر الامكانات المادية الضخمة لدى السعودية وبالتالي تكمن ضرورة وجود هيئة مستقلة تشرف على الحج والعمرة وهي الوحيدة القادرة على اخراج زيارة الحج من الصعوبات والعوائق...

كذلك الزيارة الى القدس والمناطق المقدسة في فلسطين مثل الخليل وبيت لحم والاماكن الكثيرة في سوريا ومصر قادرة على جلب ملايين الزوار. وللعلم ان السياحة الدينية لاتحتاج الى دعاية ولا الى استخدام المواد المفسدة مثل الكحول والجنس وآلات القماروحفلات الليل لجذب الزوار،بل على العكس يتوق الناس للزيارة من تلقاء انفسهم حتى ذوي الدخول المحدودة يجاهدون للزيارة الدينية،بالاضافة الى ان زيارتهم روحانية فقط بعيدة عن الامور الفاسدة للاخلاق العامة وبذلك ينتج منها عائد مادي عالي بدون خسائر تذكر،واذا كانت فرنسا الدولة الاولى في العالم في مجال السياحة وقادرة على استقبال 75 مليون سائح سنويا،فأن العالم العربي قادر اذا تمت الوحدة الاقتصادية المدروسة على استقبال اضعاف هذا الرقم سواء من الداخل او من الخارج وبذلك يمكن توفير عشرات الملايين من فرص العمل الضائعة الان بفضل الانانية والهمجية والانقسام العربي المحبط للآمال !! وخاصة للقطاع الخاص الذي هو قادر ان يلعب دورا بارزا فيه، وادارة الكثير من منشئاته وخاصة الصغيرة الحجم.

من الامور الاخرى والتي تستنزف القدرات المالية العربية،هي الصناعات الدفاعية والتي يفتقر العالم العربي لها بقوة،بينما نجد ان دول صغيرة مثل اسرائيل تصدر الى الخارج عدة مليارات من الدولارات سنويا بعد سد احتياجاتها المحلية،وفي الحقيقة تتواجد في العالم العربي حكومات متعطشة دوما للسلاح الغير مستخدم!!ولكن حالة الخوف والهلع من المستقبل المجهول يجعلها تصرف الكثير من الاموال والقدرات الضائعة في ذلك المجهول...ولتحويل ذلك المجهول الى معلوم!يمكن انشاء صناعات عسكرية متطورة في عدد من البلاد التي تمتلك خبرات عسكرية سابقة وخاصة من الكوادر العالية والمتدربة من خلال امتلاكها الخبرة الطويلة،ويكاد ينفرد في العالم العربي بلدان في ذلك وهما العراق ومصر ثم تأتي بعد ذلك سوريا ويمكن الاستفادة من بلاد اخرى مثل الجزائر والمغرب.والصناعات العسكرية تحتاج الى استثمارات ضخمة جدا بينما يكون تشغيل الايدي العاملة محدودا فيها و يحتاج الى مهارات عالية ورفيعة، ولكن الاحتياج القومي العربي لها كبيرا وسوق التصريف موجودا سواء في الداخل العربي او الى الدول الاخرى،هذا بالاضافة الى العائد المادي الكبير والخبرة والتكنولوجية المكتسبة والتي لاتقدر بثمن.

والصناعات العسكرية التي يحتاجها العالم العربي سواء البسيطة أوالمتوسطة هي التي تحتاج الى عمالة كثيفة مثل انتاج الملابس العسكرية والذخائر وغيرها أو المعقدة منها مثل انتاج الصواريخ والطائرات والسفن الحربية والتي تحتاج الى عمالة اقل،فأن المجموع قادر على تشغيل مالايقل عن 3-5 ملايين عامل فيها،بينما العائد المادي لايقل عن 50 الف دولار سنويا للفرد العامل.العالم العربي يحتاج الى صناعة الفولاذ العملاقة الثقيلة،والتي تحتاج الى الحديد الخام والمتوفر في موريتانيا والمغرب،ولذلك يمكن الاستفادة من قدرات البلدين المعدنية والاستفادة من قدرات مصر والعراق البشرية،لتوفر العمالة المدربة فيهما ولقربهما من الاسواق التصريفية للفولاذ...وللوصول الى الحد الادنى من المستوى الصناعي المتقدم يجب التذكر ان استهلاك الفرد السنوي يجب ان لايقل عن نصف طن وبحساب سكان العالم العربي حاليا(350مليون) وبذلك يكون الاحتياج الحالي اكثر من 175 مليون طن يمكن ان ترتفع الى الضعف بعد ربع قرن!نظرا لارتفاع عدد السكان بينما اذا حسبنا التصدير فيمكن تقدير الانتاج العربي المشترك بمالايقل عن 400مليون طن عام 2030 وهو رقم خرافي حاليا لكنه واقعي بالمنظور الصناعي المعروف،وبذلك تكون صناعة الفولاذ الثقيلة مصدرا كبيرا للتشغيل والاستثمار والتكنولوجيا.

من الصناعات الضرورية والغير موجودة في العالم العربي والتي يحتاجها بكثافة،هي الصناعات البحرية وخاصة السفن الكبيرة،فكما هو معروف ان تلك الصناعة مرتبطة ارتباطا وثيقا بصناعة الفولاذ وبذلك يصعب التفريق بينهما،والدول المتقدمة تنتج سنويا ملايين الاطنان من السفن وهي مهمة سواء من حيث العائد المادي او تشغيل عمالة كثيفة ومدربة،وحسب تقديري ان العالم العربي يحتاج على الاقل الى انتاج 10 ملايين طن سنويا فقط للاستخدام الداخلي فكيف التصدير!!...ويمتلك العالم العربي سواحل طويلة لانشاء تلك الصناعة وخاصة ساحل البحر الابيض المتوسط والبحر الاحمر والمحيط الاطلسي .

ومن الصناعات الضرورية التي يحتاج اليها العالم العربي ولكن لاينتجها! هي صناعة السيارات،فمازالت الدول المتقدمة تعتبرها صناعة ضرورية للاقتصاد الوطني ومظهر من مظاهر التقدم الاقتصادي،والعالم العربي لا تتوفر فيه سوى مصانع تجميع لبضعة عشرات الالاف سنويا!!بينما الاحتياج السنوي بضعة ملايين !،وهذه الصناعة تحتاج الى استثمارات ضخمة جدا وتكنولوجيا عالية وعمالة مدربة بينما تتواجد الاسواق التصريفية الضخمة،وفي تقديري يحتاج العالم العربي الان الى انتاج مالايقل عن 10 ملايين سيارة سنويا وبمختلف الانواع لسد الاحتياج السنوي الذي يكون كبيرا نظرا لعدم تحمل السيارة الطرق السيئة الموجودة وأنظمة المرور البدائية او الطقس الحار وبذلك يمكن تقدير العمر كحد اقصى بين 15-18عاما بينما في الغرب يكون ذلك طبيعيا لوجود الطرق الحديثة والنظم الحديثة المتطورة لتنظيم المرور،واذا اضفنا تصدير ملايين اخرى يمكن تصور الانتاج العربي بحدود 20-25 مليون سيارة على الاقل في عام 2030 فقط للاستهلاك الداخلي ولهامش التصدير،وبذلك يمكن تصور ملايين العمال العاملين في تلك الصناعة العملاقة والصناعات المرتبطة بها بدأ من البترول المكرر الى قطع الغيار،ويمكن التخلص من البطالة وتشغيل المال في تلك الصناعة التي لاغنى عنها لاي حضارة لكي تبدأ من جديد...الوحدة النقدية هي ضرورة لاغنى عنها لأي تجمع اقتصادي متين،والبقاء في اتحادات اقتصادية وفق عملات مختلفة هي فاشلة بالتأكيد ولذلك كان تجمع الاتحاد الاوروبي في عملة واحدة،والبقاء ضمن الفوضى النقدية الحالية في العالم العربي هي مشكلة او عائق كبير للتكامل الاقتصادي،والخسائر العربية في هذا المجال ضخمة جدا خاصة وان عدد منها مرتبط بالدولار الامريكي مما يسبب تذبذب في قيمتها نظرا لعدم ثبات الدولار في السوق الدولية.

لذلك كانت الحاجة الكبرى لاقامة وحدة نقدية بين دول العالم العربي يقوم على رعايتها بنك مركزي عربي واحد يشرف على السياسة النقدية ويتمتع بأستقلالية كاملة عن الحكومات العربية حتى ينجح في عمله،وتختار اسم عملة موحدة ولكن يبقى اسم الدينار هو الاشهر لاعتبارات تاريخية وهو الاسم المفضل وسوف يكون الدينار العربي قويا ويوازي العملات الصعبة الرئيسية الموجودة في الساحة حاليا. هنالك عدد من الطبائع البشرية التي تتحلى بها شعوب العالم العربي والتي تساعد على النهضة الاقتصادية العربية بقوة،ومنها الادخار العالي وهي جزء من الموروث الثقافي في الشخصية الشرقية ككل،وهو ناتج من تاريخ طويل لتلك الشعوب في الازمات الاقتصادية الكثيرة التي عانتها خلال مئات من السنين في ظل نشوب نزاعات دموية مخجلة ادت الى تدمير شبه شامل لدول بأكملها في ظل سيطرة العقل المستبد على الحياة السياسية العربية وغياب واضح لكل آليات الديمقراطية وتوزيع السلطات والمشاركة الشعبية في الحكم مع عدم احترام لحقوق الانسان وخاصة الدينية والاقتصادية.ولتجنب تلك العواقب السيئة الناتجة من عدم الاستقرار السياسي الموجود لحد الان! فقد دأب الناس في العالم العربي على الادخار سواء النقدي او المادي لاستخدامها في حالة الكوارث المختلفة في ظل عدم ثقة بالحكومات المختلفة التي تسلطت خلال مئات السنين السابقة،كذلك تسلل انعدام الثقة الى النظام المصرفي في ظل سيادة البنوك الرسمية وانعدام او ضعف البنوك الخاصة مع وجود تاريخ سيء في تأميم المصالح الاقتصادية الرأسمالية المحلية او الاجنبية،هذا بالاضافة الى تدخل الدولة في عمل النظام المصرفي واستخدامه لفرض سيطرتها على المجتمع،فهي سلاح دائم بيدها لابعاد الخصوم او غير الموالين والذي تعداه الى الابرياء!! مع دعم كل العناصر الموالية للسلطة،والتاريخ العربي حافل بالمصادرات للممتلكات الشخصية من اموال منقولة او غير منقولة، بحيث اصبح متوارث لدى الاجيال عدم الثقة بالحكومات وانظمتها المصرفية اوحتى الضمان الاجتماعي،ولذلك كان مستوى الادخار عالي اذا كان لدى الجميع من الاموال الكافية للمعيشة المتوسطة الطبيعية،ولهذا اصبحت البيوت هي مركز تجميع للاموال الشخصية،ولنقل تلك الاموال التي ينحرم الاقتصاد من الاستفادة اليها في خلق استثمار مثالي،يجب اعادة الثقة في النظام المصرفي وسريته من خلال ابعاد التدخل الحكومي الى ابعد الحدود والحفاظ على سرية الحسابات الخاصة وعدم فسح المجال الا للنظام القضائي في التحري عنها وبذلك سوف تتوفر لدى المصارف المحلية اموال هائلة،سوف تستخدم في بناء اقتصاد قوي ومتين مع منح القروض لمن يستحقها بفائدة ضئيلة من خلال الابقاء على سعر فائدة متدن.

من العوامل الرئيسية في النهضة الاسيوية هي ان مستوى الادخار عال ويفوق مستوى الادخار في الغرب،ففي امريكا تتراوح النسبة بين 10-15%حسب تغير الظروف حيث الفرد الامريكي متعود على الانفاق الكبير لتغطية حاجاته الشخصية بشكل يقارب البذخ،بينما في اليابان تفوق النسبة 25%،وخلال فترة التسعينات من القرن الماضي حققت سنغافورة نهضة اقتصادية عملاقة من خلال وجود 52% من الادخار لدى مواطنيها!،اما في الصين فهي في مستوى بين 32-40% وهي نسبة عالية ايضا،بينما في العالم العربي فالاحصائيات مجهولة وحتى لو علمت فأنها سوف تكون غير دقيقة بسبب عادة الادخار السرية لدى الناس لابعاد اموالهم من سيطرة الدولة التي تنعدم الثقة بها!...وبما ان العادات الشرقية متقاربة فلذلك اعتقد ان مستوى الادخار لدى العالم العربي هو قريب لدى مستوى الاسيويين مما يؤدي الى خلق مناخ استثماري رائع ونشط مع بناء صناعة مصرفية عملاقة تواكب هذا النمو المؤمل،ولكن دون نسيان ان مستوى الادخار هو يقل في حالة عدم وجود فائض خارج بعد اشباع الحاجات الاساسية للمواطن.

خلق الخدمات هي من مسؤولية الدولة ولذلك يصعب على اي دولة خلق كل الخدمات الا بمشاركة القطاع الخاص من خلال منحه عقود قصيرة الامد في مناقصات نزيهة حتى يقوم بواجبه وايضا يساعد على تخفيف الحمل من الدولة ويخلق فرص عمل جديدة في ظل الاستخدام الامثل للموارد المادية والبشرية في تلك القطاعات،ولذلك ينبغي على الدول العربية الاستثمار بقوة في مجال بناء بنية تحتية قوية تساعد على بناء نمو اقتصادي عال مستند على قاعدة متينة يكون فيها المواطن متفرغا لابداعاته بدلا من اشغالها في امور جانبية تضيع عليه الجهد والزمن والتكاليف،فأذا عجزت الدولة عن ذلك يكون الواجب عليها فتحه للاستثمار الخارجي وخاصة العربي وبذلك تفتح نوافذ عديدة للاستثمار وتشغيل القوى العاملة. والمجالات عديدة منها الطاقة الكهربائية والماء والغاز وخدمات النظافة(وهي مهملة حاليا!) وكذلك عملية بناء وحدات سكنية جماعية او فردية تساعد على تخفيف الازمة السكنية الحالية...

ومن الافكار التي تساعد على تخفيف الاختناق السكني وفتح مناطق جديدة للاستثمار،هي بناء مدن صناعية او زراعية ضخمة تستوعب عدد كبير من العمال في مساحات سكنية وانتاجية واسعة،وسوف تكون وسيلة ممتازة لبناء بيئة خالية من التلوث وتكون قريبة على الاسواق الرئيسية او الموانئ الخارجية للتصدير...لوحظ ان النمو الاقتصادي خلال فترة التكامل ومن خلال دراسة التجارب السابقة للتجمعات الاقتصادية الكبرى في العالم،ان النمو الاقتصادي سوف يكون في الدول الاكثر فقرا اعلى منه من الدول الغنية وذلك كون الدول الفقيرة تحتاج الى استثمارات قوية لكي ينهض اقتصادها الضعيف مما يجعل النمو يكون سريعا ومدهشا بينما في الدول الغنية يكون الاحتياج الى الاستثمار اقل ونسبة النمو تكون اعلى في حالة التكامل من عدمه ولكن اقل درجة من الدول الفقيرة في التجمع الاقتصادي،فخلال فترة بداية الاتحاد الاوروبي كان النمو عاليا في ايطاليا واسبانيا والبرتغال واليونان،وقد اصبحت تلك البلاد متطورة ودخلها يقل قليلا عن الاكثر غنى في الاتحاد مثل المانيا وفرنسا وبريطانيا،وبذلك سوف تزدهر جميع البلاد وسوف يقل الفارق الكبير الموجود الان في متوسط دخل الفرد في دول الخليج مثلا عن السودان والمغرب وموريتانيا مثلا،ولكن من الفوائد على دول الخليج مثلا ان مصادر دخلها سوف تتنوع وسوف تبقى محافظة على غناها وسوف تجد هنالك من يساعدها وقت الشدة عندما تتعرض اقتصادياتها الى محن مثل انخفاض اسعار النفط او انهيار الاسواق المالية في دولها،بل ستقوم بتوفير الاموال التي تقدمها سنويا لمساعدة بعض البلاد الفقيرة في العالم...الكل سوف يصبح غنيا مع الوحدة الاقتصادية العربية...والجميع سوف ينعم بالرخاء والازدهار...

وفي الختام توجد افكار كثيرة سواء في عقلي والتي لايتسع الوقت والمجال لذكرها كلها او في عقول الكثيرين من اصحاب العقول النيرة،والتي قد ذكرها البعض في كتاباتهم،او امتنع الاخر من ذكرها وحسب ظروفهم...ويمكن للحالمين توقع كيف يكون حجم اقتصاد قوي يكون عدد سكانه الان اكثر من 350 مليون نسمة ويتضاعف كل 30 عاما على ارض مساحتها تزيد على 14 مليون كيلومتر مربع... اكيد سوف يأخذ مكانه الطبيعي بين الامم الناهضة والتي تحمل على عاتقها بناء حضارة انسانية رائعة...

الخلاصة:من خلال الافكار والاراء الواردة في النص الموجود اعلاه،يمكن الحصول على بناء تكامل اقتصادي متين لدول العالم العربي،وبألتاكيد هنالك الكثير من الاراء الاخرى التي ممكن ان تضاف على السابقة لخلق افضل اطار ممكن ان تقوم فيه وحدة اقتصادية متينة بين الدول العربية،والتي سوف تكون هي اللبنة الاولى لخلق وحدة سياسية نموذجية بينها سواء كانت فيدرالية او كونفدرالية،اما النموذج الوحدوي الذي طبل له القوميون العرب وهو الوحدة الاندماجية المركزية فهي مستبعدة وغير واقعية والتي قتلها دعاتها بعد توليهم الحكم في غالبية الاقطار العربية بل لم يستطيعوا ان يوحدوا دولتان يحكمهما نفس الحزب!! بسبب الانانية المفرطة والرغبة المتوحشة في تولي السلطة التي تحولت الى عبادة الكل!.

الامال السابقة هي خطوات لتأسيس وحدة نموذجية ورغم ان ذلك يحتاج الى الرغبة الحقيقية وليست الكلامية الفارغة! والذي ادرجته نظرا لاهميته البالغة في بداية الدراسة،ولذلك فأن الحديث يبقى نظري وفي بطون الكتب وشبكة الانترنت حتى يتسنى لجيل ناهض يقضي على التشرذم العربي المحبط لكل الطموحات المشروعة لمئات الملايين من البشر يحلمون في حياة حرة كريمة... لي عودة في دراسة اخرى حول استحالة التطبيق او على الاقل صعوبته اذا كنا متفاؤلين في ظل الظروف الراهنة!!،بينما يمكن تطبيقه اذا كان التغيير جذريا في التفكير المسيطر على شرائح عديدة في المجتمعات العربية تهيمن على حياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية....النمو الاقتصادي سوف يكون اعلى في جانب الدول الاكثر فقرا منه في جانب الاكثر غنى ولكن الفارق سوف يقل بينهما بالتأكيد وسوف تحافظ الدول الغنية على تقدمها وسوف تتنوع مصادر دخلها...

الخروج من المجال الطوباوي الغير مدروس الى الواقعية المدروسة بتأني هو السبيل الوحيد لبناء وحدة اقتصادية متينة تكون هي الوعاء الرئيسي لوحدة العالم العربي بعد ان يئس الجميع من الوحدة السياسية،وكذلك هي المنقذ من الضلال الاقتصادي والعيش على هامش الحضارة الانسانية ...

مهند السماوي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
mohammed nour
2009-12-16
اراء سديدة
hala
2009-10-08
really i lois ike what did you write but as you said we need more people who can understand that but arabic people they were think to provide themselves not the country any way i would like to ask you what do you think we need to improve the profit in the banks plus the new ways to provide great servise to the customers hope to reply thanks alot
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك