علاء الساعدي ||
تعتبر علامات الظهور الشريف أحد أهم أسس الانتظار الشريف لصاحب الغيبة؛ إمامنا وسيدنا الحجة ابن الحسن ارواحنا لمقدمه الفداء، وتعتبر ركن مهم جداً في سبيل الوعي المهدوي للشخص المنتظر، وتبصيره لنفسه وللمؤمنين بطريق الظهور الشريف، وأحد السبل في تهيئة الاستعداد الصحيح والرصين في نصرة الإمام صاحب العصر والزمان، ولا بد أن يكون تناول هذه الدراسات الخاصة بالعلامات المهدوية، مأخوذة من أهل الاختصاص كالمراكز التخصصية البحثية، التي تتبع نهج الهدى الذي رسمه لنا آل بيت النبوة؛ ألا وهم المراجع الأعلام العدول والباحثين الأفاضل من رجال العلم المتخصصين، ممن هم على منهج الهدى وما يفيضون على المؤمنين بهذه العلوم، التي ترسم نوراً عقائدياً ذا منهج صحيح وقويم...، وهناك طريق آخر موازٍ وعلى نفس الخط لهذا التناول البحثي العلاماتي، بنفس الروح ونفس الإتجاه؛ ألا وهو إصلاح النفس وتهذيبها دينياً وعقائدياً وأخلاقياً، وتهيئتها لنصرة القائم من آل محمد، فلا يمكن أن يتهيأ ويتعبأ ويستعد المؤمن المنتظر لنصرة إمامه، من دون أن يكون إنساناً صالحاً متديناً سليم العقيدة والمنهج، مهذباً واعياً مستبصراً بكل أوضاع الحياة السياسية والمجتمعية، وهذان الطريقان يسيران على خط افق واحد نحو هدف واحد، وهو تهيئة الأرضية لاستقبال الحجة ابن الحسن أرواحنا فداه لإقامة دولته؛ دولة العدل الإلهي المنتظرة التي سيرسو فيها كل العدل والخير والصلاح والأمن...، حيث سينعدم كل ظلم وجور وفجور وفساد...، وكل دول الاستكبار وأذنابها الظالمين.
لقد أولى مراجعنا العظام على مر الأزمان اهتماما منقطع النظير بالقضية المهدوية، إذ أن المراجع العظام يأتون في مقدمة أهل الانتظار والمنتظرين المهيئين لدولته المتهيئين لنصرته، وعلى يديهم تزهو روح الانتظار لدى المؤمنين والأخيار على مر الازمان، واليوم في المرحلة الآنية وما قبلها؛ شهدنا تهيئة وتأسيس المراكز البحثية التخصصية التي تولي اهتماما منقطع النظير بقضية علامات الظهور الشريف، وكذلك من سخر نفسه من العلماء والباحثين الأفاضل المتمرسين في توضيح وفك طلاسم روايات الظهور الشريف، وتقديم الأبحاث الرصينة التي تنير درب الانتظار للمنتظرين، وخير شاهد ما عملته المرجعية الشريفة المتمثلة بمرجعية النجف الاشرف ومرجعية قم المقدسة، ومركز براثا البحثي المتخصص بروايات الظهور الشريف، حيث أسس المرجع الأعلى سماحة الإمام السيستاني (دام ظله الشريف) في عام 2011 مركزا تخصصيا بحثيا، يتناول بحث ودراسة علامات الظهور الشريف على يد أساتذة فضلاء، وباحثين مهتمين بقضية الظهور الشريف، وتناول هذا المركز كل ما يخص الروايات الشريفة، من شخوص وعلامات وأحداث وردت في روايات اهل البيت عليهم السلام، وقد أشار أحد أهم الفضلاء في هذا المركز المهم إلى وجوب دراسة وفهم وبحث علامات الظهور الشريف؛ لكونها -أي دراسة العلامات وبحثها وفهمها- سترسم للإنسان المؤمن البصير المنتظر طريقا منهجيا حقيقيا، تنير لديه آفاق درب الانتظار، وتضع له سلماً للنجاة من مضلات الفتن، ونوراً لظلمة الليل قبيل الظهور الشريف، مرحلة تلو مرحلة كما تشير تلك الروايات الشريفة، وأولت حوزة قم المقدسة بعلمائها وفضلائها دورا خاصا وتمهيديا، في تهيئة الأرضية الناصرة للإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف، حيث أهل قم المشار لدورهم المهم والرئيسي، في هذه النصرة في الروايات الشريفة، فعن الإمام الكاظم عليه السلام قال:
رجل من أهل قم يدعو الناس إلى الحق، يجتمع معه قوم كزبر الحديد، لا تزلهم الرياح العواصف، ولا يملون من الحرب ولا يجبنون، وعلى الله يتوكلون، والعاقبة للمتقين (البحار: 60 / 213 / 22 و ح 23 وص 216 / 37 و ح 38)
وقال الإمام الصادق عليه السلام:
إن الله احتج بالكوفة على سائر البلاد، وبالمؤمنين من أهلها على غيرهم من أهل البلاد، واحتج ببلدة قم على سائر البلاد، وبأهلها على جميع أهل المشرق والمغرب من الجن والإنس، ولم يدع الله قم وأهله مستضعفا بل وفقهم...
وسيأتي زمان تكون بلدة قم وأهلها حجة على الخلائق، وذلك في زمان غيبة قائمنا (عليه السلام) إلى ظهوره الشريف.
حيث خراسان التي تخرج منها راية الخراساني الهادية المهيئة للاقتدار العسكري؛ هذا الاقتدار المهم الذي سيرسم صورة التمكن الشيعي المهيء للظهور الشريف، والمناصر للإمام أرواحنا فداه، ولا شك أن هذا التمكن سيرسم على يد أهل قم ورجل قم الذي سيمكن قواعد هذا الاقتدار الإيماني والمعنوي، والاقتدار العسكري الذي سينبثق من الاقتدار الإيماني والمعنوي؛ والذي سيكون على يد خليفته الخراساني راية الهدى التي تكون أساساً من أسس الظهور الشريف، فهذة الراية تكون ملازمة لراية اليماني وراية السفياني، حيث يكون لقائد جيوش الخراساني المسمى بشعيب بن صالح؛ مولى بني تميم؛ العربي الذي يقود جيش الخراساني، دوراً مهماً في هذه النصرة العسكرية وسيصبح
فيما بعد قائداً لجيوش إمامنا وسيدنا صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف، فهذه الرايات مجتمعة تخرج في سنة واحدة، في شهر واحد، وفي يوم واحد، فرايتي الهدى اليمانية والخراسانية هما من ستوطئان أرضية العراق للنصرة والظهور الشريف؛ بدفعهم راية السفياني الأموية اللعينة التي ستأتي العراق بثوب العلمانية، ومحاربة أعداء آل البيت من نواصب وأذناب النواصب! فعن أبي جعفر الباقر (ع) قال: ألستم ترون أعداءكم يقتتلون في معاصي الله، ويقتل بعضهم بعضا على الدنيا دونكم، وأنتم في بيوتكم آمنون في عزلة عنهم، وكفى بالسفياني نقمة لكم من عدوكم، وهو من العلامات لكم مع أن الفاسق لو قد خرج، لمكثتم شهراً أو شهرين بعد خروجه لم يكن عليكم بأس حتى يقتل خلقا كثيرا دونكم (غيبة النعماني ص 309) وهذه الراية الدموية التي تسبق رايتي الهدى اليمانية والخراسانية إلى العراق بوصولها المباغت الى الكوفة؛ فيحشدان لها، حيث اليماني ومسرح وجوده في العراق، وجيش الخراساني القادم من خراسان بقيادة قائد جيوشه شعيب بن صالح، حيث يتم القضاء على هذه الراية المعادية وتصفية عسكرها نهائياً في العراق .
فالمؤمن البصير اليوم يدرك أننا في عصر الظهور الشريف فطريا؛ وإن تبصر بها علميا أصبحت لديه القناعة التامة والبصيرة المتقدمة والعلم الذي يهدي به، ممن لا علم لهم بذلك ممن في قلوبهم عشق المولى صاحب الزمان، والإدراك هنا لم يأت مما تشتهي النفس وتحب، إنما هناك معالم أساسية خمسة أسست لعصر الظهور الشريف، جعلتنا ندرك أننا في هذا العصر، وقد حدثت جميع هذه المعالم المهيئة لشخوص الانتظار وخروجهم من هذه البيئات...، فقيام حكم بني فلان في الحجاز؛ والذي على يد هذا الحكم الذي سيكون موجودا وباقيا الى فترة القيام الشريف؛ ستقتل النفس الزكية؛ مرسول الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف إلى أهل مكة قبيل القيام الشريف؛ وسيكون في العاشر من المحرم الحرام، وما بين الركن والمقام عند بيت الله الحرام، وفي يوم الخامس والعشرين من ذي الحجة؛ سيُفتك في مكة وتحت غطاء حكم بني فلان بهذا الشاب الحسني، الذي يدعوهم لنصرة الإمام ودعم تحركه وثورته ضد الطغيان والظلم...
وحكم بني فلان هو حكم قبلي متوارث ينتهج منهج تكفيري إجرامي معادٍ لنهج آل بيت النبوة يقوم في الحجاز، ولم يحدث أن جاء لحكم الحجاز منهج حكم قبلي بشكل رسمي ومتوارث، ومعادٍ تكفيري إلا خلال القرن العشرين، حيث تمكن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود من بسط سيطرته القبائلية على الحجاز عام 1932م، تحت غطاء نهج التكفير والدعم من قبل أتباع ابن عبد الوهاب، أصحاب الفكر الوهابي وما يمثل هذا الحكم من قتل وإقصاء كل من ليس على هذا النهج داخل الحجاز، وقد سموا هذا الحكم بإسم قبيلتهم بني سعود، وعلى اسم جدهم وتوارثوا الحكم إلى يومنا هذا، ومعاداة هؤلاء خصوصاً لأتباع آل بيت عليهم السلام، ولاقوا ما لاقوه إلى يومنا هذا، وهذا الحكم سيكون موجودا عند الظهور والقيام الشريف، وهنا معلم يخبرنا بوجود هذا الحكم القبائلي الممتد للظهور الشريف، وعلى أيديهم قتل النفس الزكية، وموت عبد الله أحد حكام بني فلان، أحد أهم دلائل البشرى كما بشرنا بذلك الإمام الصادق عليه السلام، بالفرج لشيعتهم بقرب ظهور القائم من آل محمد بموت عبدالله، فقد ورد في حديث الضمانة عن الإمام الصادق عليه السلام قال (من يضمن لي موت عبد الله أضمن له القائم، ثم قال: إذا مات عبد الله لم يجتمع الناس بعده على أحد، ولم يتناه هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء الله ويذهب ملك السنين، ويصير ملك الشهور والأيام، فقلت: يطول ذلك؟ قال: كلا (البحار:52/210)
وقد ذكر لنا القران الكريم وأشار بعلو وإفساد بني إسرائيل مرتين، وقد حصل الإفساد الأول من بعد النبي موسى عليه السلام، وتم القضاء عليه على يد الحاكم البابلي نبوخذ نصر.
بسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
{وَقَضَيْنَا إِلَىَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنّ فِي الأرْضِ مَرّتَيْنِ وَلَتَعْلُنّ عُلُوّاً كَبِيراً فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مّفْعُولاً}
فَجَاسُواْ : أي أنهم يقتحمون مدنهم وديارهم ولا يبقون لهم شيئا، وهذا حصل لمرة واحدة على مستوى التأريخ، عندما دخل عليهم الحاكم البابلي نبوخذ نصر، لم تعد لليهود دولة بعد أن قضى عليهم في عام ٥٣٨ ق.م، ومع كل إفساد هناك علو، وها هو العلو الثاني قد تحقق بعام 1948 بتجميع اليهود في فلسطين وتحقيق كيان مسخ لهم مهيأ ومدعوم من قوى الاستكبار العالمي، والعلو الثاني لهم لا يقضى عليه إلا على يد إمامنا صاحب العصر والزمان أرواحنا لمقدمه الفداء، ويسبق القضاء عليهم علامة ضعفهم بالدليل الروائي، حيث أشارت الرواية الشريفة المعروفة المروية عن جابر الجعفي، عن الإمام الباقر عليه السلام المعروفة بتسلسل العلامات (... وستُقبل مارقة الروم حتى تنزل الرملة...)
حيث الرملة اليوم هي ميناء أشدود الصهيوني في المناطق الفلسطينية المحتلة، وهنا إشارة إلى ضعفهم واستنجادهم بمارقة الروم لحمايتهم، وما أحداث طوفان الأقصى إلا إرهاصات ومقدمات وجدت في نظام السلاسل الذي وضعه أئمة الهدى عليهم السلام في التسلسل الروائي في العلامات الخاصة بالظهور الشريف، وهنا هذا المعلم يخبرنا بأننا في عصر الظهور الشريف، بل قاب قوسين أو أدنى من الظهور الشريف...
فعلامة السفياني الذي يخرج من الوادي اليابس، قد اقترن خروجه من أرض معينة ومن نهج معين ومن امتداد معين، فنهج السفياني نهج أموي امتدادي مناطقي، ولا يكون خروجه إلا من بني كلب الذين هم أخوال السفياني، إذ تزوج معاوية بن أبي سفيان من ميسون بنت بحدل؛ التي تكون بنت أمير بني كلب في ذلك الزمن، تزوجها لغاية تقوية سلطانه وتعشيق حكمه وذريته مع بني كلب في الشام؛ الذين كانوا الدعامة الأساسية لحكم الأمويين، حيث ولد منها ابنه يزيد وبذلك يكونون أخواله، ولكون بني كلب كانوا ذا قوة في تلك المناطق، التي نزحوا إليها تاريخيا من اليمن واستوطنوا أجزاء من الشام، فتعرف اليوم مناطق في الشام التي استوطنوها بمضارب بني كلب، واليوم هي مناطق اللاذقية ومناطق الساحل السوري وحاليا هم العلويون...
فقد ورد في إحدى رسائل أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية جاء فيها (وإن رجلاً من ولدك مشومٌ ملعون، جلفٌ جاف، منكوسُ القلب، فظٌّ غليظ، قد نزع الله من قلبه الرحمة والرأفة، أخواله كلب، كأني أنظر إليه، ولو شئت لسميته ووصفته وابن كم هو، يبعث جيشاً إلى المدينة فيدخلونها فيسرفون في القتل والفواحش...)
كتاب سليم بن قيس الهلالي – تحقيق محمد باقر الأنصاري ص309
وهذه الرسالة تؤكد بان السفياني سيكون من قبيلة كلب الذين هم أخواله.
لماذا أحجمت الروايات عن خروجه من بني أمية وذكرت خروجه من بني كلب؟ هنا تجد مدخلاً تاريخياً حيث أن الدولة الأموية في نهاية أفولها وضعفها، تهيء العباسيين للقضاء على الأمويين كي يستولوا على الحكم، وبعد هجومهم واستيلائهم على الحكم؛ طاردوا الأمويين الباقين ليقضوا عليهم ، فهرب من هرب منهم... ودخل منهم الكثير تحت غطاء وحماية أخوالهم بني كلب، حيث مضاربهم في الشام.
في عصرنا الحالي؛ قامت دولة لبني كلب في الشام سنة 1969م ومستمرة لهذا اليوم، والشام تاريخيا هي سوريا اليوم، اذ قام الضابط الكلبي السوري حافظ الأسد بالانقلاب على نظام الحكم في سوريا والاستيلاء عليه ، حيث سيطر على نظام الحكم وهذا النظام قائم إلى اليوم، وهذه الدولة الكلبية ستكون هي الحاضنة الرئيسية لخروج راية السفياني اللعين، وتمهيد هذه الارضية لخروج هذه الراية السفاكة للدماء التي ستكون مدعومة بلا شك من الغرب! والتي لا هم لها إلا العراق! نعم العراق؟ ما أن تدخل هذه الراية العراق وتصل الكوفة؛ حتى يتم القضاء عليها على يدي رايتي الهدى؛ اليمانية والخراسانية....
وهنا نرى معلم مهم وأساسي من مقتربات الظهور الشريف، وهذا المعلم بلا شك يدعو كل صاحب بصيرة أن يتفكر ويتهيأ ويستعد لما هو قادم.
المعالم توالت وبذلك تنبئنا بدخولنا للعصر المهيء للظهور الشريف، وهذه الملامح أو المعالم أعطت للمنتظرين صورة قرب للأمل الموعود ويقينا للفرج المنتظر، وهذه الملامح تهيء مجيء هذا العصر بلا شك ولا ريب، فقيام الحكم الهاشمي في إيران سنة 1979م؛ وذلك برجوع آية الله العظمى السيد روح الله الخميني، والقيام بثورته المباركة التي جعلت الأمور رأسا على عقب بوجه قوى الاستكبار العالمي، حيث قام الإمام الخميني (قدس سره الشريف) بقلب نظام الحكم على شاه إيران الفاسد العميل الى نظام حكم محمدي علوي مهدوي، بدعم إيماني شعبي سقطت فيه أسطورة الشاه الفاسق، وتحول النظام في إيران إلى نظام مناصر ومهيء لنصرة صاحب العصر والزمان، حيث الشعب الإيراني المسلم العقائدي العاشق التواق لنهج الرسالة المحمدية العلوية؛ والمعروفون بقوم خراسان، قوم سلمان المحمدي وما سيكون على أيديهم من انتصارات ترسو وتمهد الأرضية لقدوم الغائب المنتظر، إذ لا بد من أن تكون هناك أرضية قوية مجتمعية عقائدية مؤمنة، ذي قوة وذي بأس توطئ للمهدي النصرة بالعدد والقوة ذات الاقتدار العسكري والإيماني والعقائدي، فأمر أهل البيت لا يكون الا بمسح العلق والعرق وليس بالمعجزات إلا ما أوحى ربي.
فعن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) وقد ذُكِرَ القائم (عليه السلام) فقلت: إني لأرجو أن يكون أمره في سهولة، فقال: لا يكون ذلك حتى تمسحوا العلق والعرق.
الغيبة للنعماني: ص٢٩٥، ب١٥، ح٣
فالعَلَق هو الدم الغليظ، أي كناية عن سيلان الدم إثر الجراحات، والعَرق كناية عن ملاقاة الشدائد التي توجب سيلان العَرَق، فالمعجزة محصورة في موارد محددة جداً، ولا يستخدم الإمام المعاجز إلا عند حالات خاصة اضطرارية فقط، فلو كانت المعجزة منهج عمل الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف فلماذا كل هذه الغيبة؟
لذا فإن تحقق النصر للقائم؛ سيكون بالأمور الوضعية لا الاعجازية إلا ما شاء الله أن يكون أمره، رغم أن الكون كله جعله الله بيد محمد وآل محمد، فأمر التهيئة لتعجيل الفرج مرهون بأمر المؤمنين الخلص، وتهيئة هذا الاقتدار الكلي تأتي من تهيئة مجتمعية وإيمانية وثقافية وعقائدية وعسكرية لظهور الامام الحجة عجل الله فرجه الشريف، وبمجيء الحكم الهاشمي في إيران تهيأت الأرضية لخروج راية الخراساني الهادية، التي ستنصر الإمام وتوطئ له الارض لظهوره؛ على يد قائد جيوشه شعيب بن صالح التميمي.
وتعتبر علامة اختلاف بني العباس التي وردت في رواية جابر بن يزيد الجعفي المروية عن الإمام الباقر عليه السلام أول علامات نظام الخرز، حيث يحدث الإمام الباقر عليه السلام جابر الجعفي حيث قال:
{يا جابر، الزم الأرض ولا تحرك يدا ولا رجلا حتى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها: أولها اختلاف بني العباس، وما أراك تدرك ذلك، ولكن حدث به من بعدي عني...} (غيبة النعماني ص 287)
حيث عُرف العباسيون بالمسودة، إذ كانت راياتهم سود، ويلبسون السواد، ونهجهم العداء والقتل لآل محمد، وينهجون منهج التكفير ضد الموالين لآل بيت النبوة عليهم أفضل الصلاة وأتم السلام، والإمام الباقر عليه السلام هنا يقول لجابر رض: إن أدركتها! ولا اراك تدرك ذلك! هنا يخبر الإمام جابراً أنك لا تدرك ذلك وإن ذلك الحدث ليس في زمنك! إنما لزمنٍ آخر مستقبلي، هنا الإمام يأمر جابرا بالحديث عن هذا الأمر، متواصلاً به مع المؤمنين منقولاً عبر الأزمنة مؤمن عن مؤمن...، إلى حين حدوث هذا الأمر الممهد لسلسلة علامات قرب الظهور الشريف، لصاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف، إلى أن جاء مصداق هذه العلامة المهمة التي فتحت بوابة نظام الخرز، إذ ظهرت الفصائل التكفيرية في الشام والعراق سنة 2014 الذين سموا انفسهم باصحاب الدولة، وقامت لهم فترة حكم تكفيرية في أجزاء من الشام والعراق، حيث ارتداؤهم الملابس السوداء والرايات السود راياتهم، وأسماؤهم الكنى وألقابهم القرى، منهجهم التكفير والقتل والإبادة، على نهج بني العباس...
فعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: إذا رأيتم الرايات السود فالزموا الأرض فلا تحركوا أيديكم ولا أرجلكم ثم يظهر قوم ضعفاء لا يؤبه لهم، قلوبهم كزبر الحديد هم أصحاب الدولة، لا يفون بعهد ولا ميثاق يدعون إلى الحق وليسوا من أهله، أسماؤهم الكنى ونسبتهم القرى وشعورهم مرخاة كشعور النساء، حتى يختلفوا فيما بينهم ثم يؤتي الله الحق من يشاء.
وقد حصل هذا الاختلاف باقتتال الفصائل التكفيرية فيما بينها في الشام كجبهة النصرة وجيش الإسلام وغيرها...، وبذلك تعتبر علامة اختلاف بني العباس من العلامات المتحققة، وتعتبر انطلاقة لنظام الخرز الذي يتبع بعضه بعضا، والذي وضعه أئمة الهدى في رواياتهم التي خصت الظهور الشريف، لكي تكون للمؤمنين استدلالات ونهج لكي يتهيأوا ويستعدوا لنصرة الغائب القادم، وتهيئة القواعد الإيمانية الناصرة لقرب ظهوره.
اليوم نحن بلا شك ولا ريب في عصر الظهور الشريف، العصر المهيء للفرج المحمدي العلوي الحسيني الفاطمي المهدوي؛ لصاحب هذه الثأرات؛ القائم من آل محمد أرواحنا وأرواح العالمين له الفداء، صاحب الغيبة الطويلة؛ بعد حقبة طويلة جدا؛ ها هي ملامح الظهور الشريف، التي سترسم للمؤمنين طرق التهيؤ والاستعداد والنصرة، وابتدأ معها نور البصيرة للعلامات المتقطعة والمتسلسلة والتي حدثنا بها ائمة الهدى عليهم السلام، فقد لاحت شمس الظهور، وانتهى عصر الانتظار؛ إلى عصر التهيؤ والاستعداد لظهوره ونصرته والتمهيد لدولته؛ دولة العدل الإلهي المنتظر.
https://telegram.me/buratha